محمد شو

العالم بين يديك

إياد الدليمي:

تتحول أرواح الناس ومقدراتهم ومعيشتهم وحياتهم اليومية إلى ألعوبة بيد الأنظمة القمعية الديكتاتورية الإرهابية، ويتحول أمنهم إلى ورقة يتلاعب بها الحاكم المستبد، على عكس ما يجب أن تكون الحال، بأن الأمن هو جزء أساس من أساسيات الحكم، وأنه أمر مقدس لا يمكن ولا يجوز التلاعب به.

في كل البلدان التي تحترم نفسها وتحترم شعبها وتسود فيها لغة القانون والمؤسسات، تجد أن السياسة والسلطة والحكومة كلها تعمل في إمرة وتحت خدمة الأمن، فالأمن والاستقرار أساسا كل تقدم وتنمية، غير أن الحال في البلدان القمعية والتسلطية مغايرة وتختلف، فالأمن جزء من المنظومة التي تعمل لخدمة الحاكم المتسلط، وهو غالبا ما يستخدمها في سبيل تثبيت كرسيه ووضعه.

أمس اهتزت المدن العراقية على وقع تفجيرات دموية، قتل فيها العشرات وجرح المئات، تفجيرات أكلت من جرف الإنسان العراقي، كما هي العادة منذ ما يقارب العشرة أعوام، وبددت، كما هي العادة بين وقت وآخر، ما تروجه وسائل إعلام حكومة نوري المالكي من كذبة الأمن، وأعادت مرة أخرى وللمرة الألف، التساؤل القديم الجديد، من يقف وراء كل هذا الموت؟

لا يمكن لعاقل أن يصدق أن هناك تنظيما مسلحا، مهما بلغت قوته وجبروته وتسليحه، أن يقوم بكل ذلك حتى لو أنه حارب في أرض خالية من أي جهاز عسكري مضاد، ولا يمكن لمن يعرف شوارع بغداد والمحافظات العراقية ويعرف كيف تنتشر نقاط التفتيش وأجهزة كشف المتفجرات والدوريات العسكرية، أن يصدق أن هناك تنظيما مسلحا يمكن له أن يفعل كل هذه التفجيرات.

وربما يأتي بعض المتفذلكين ليحاجوا، كيف للمالكي أو ميلشياته أن تقوم بهذه التفجيرات وهي التي تسعى جاهدة لتحقيق انتصار سياسي من خلال تحقيق الأمن؟

نقول لهؤلاء ولغيرهم، ممن لا يزال يصدق بأن هناك عملية سياسية سوية في العراق، أن الحكومات المتسلطة تسعى دائما لتصدير أزماتها باختلاق أزمات جديدة، ومعلوم أن هناك محاولات جادة تجري في العراق اليوم لسحب الثقة من المالكي، وتفجيرات من هذا القبيل ستؤخر حتما مثل هذه الإجراءات.

بل الأكثر من ذلك، أن الحكومة قد تسارع إلى اتهام خصومها السياسيين بالوقوف وراء التفجيرات، وتسحب البساط من تحت أرجلهم، خاصة وأنها قادرة على ذلك من خلال فبركة الاعترافات وانتزاع اعترافات تدين هذا السياسي أو ذاك، وفي قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي خير مثال.

وفي قضية مشعان الجبوري، صاحب قناة الزوراء سابقا، مثال آخر، فبعد أن كان متهما في عشرات القضايا الإرهابية، برأته المحاكم العراقية بعشر دقائق بعد أن قدم فروض الطاعة والولاء للحكومة والحاكم.

في سوريا، تجد الحال مشابهة، الأسد ونظامه القمعي الدموي، لا يجد غضاضة في استخدام الأمن للضغط على خصومه، فهو يفجر هنا وهنا ويتهم المعارضة بذلك، ليقول للشعب السوري، أو الأغلبية الصامتة أو الخائفة، إن وجوده يعني الأمن والاستقرار وغيابه أو رحيله يعني الفوضى والاقتتال.

في ليبيا رددها قبلهم القذافي، ويبدو أنه ما زال بعض فلوله تلعب على هذا الوتر وهي تسعى بين وقت وآخر إلى توتير الأوضاع، تارة هنا وأخرى هناك.

في مصر وجد المرشح الرئاسي الفلولي أحمد شفيق في ورقة الأمن "جوكر" يرفعه بوجه منافسه الإخواني محمد مرسي، فهو عبر عن ذلك وقال في أكثر من ندوة صحافية أو لقاء، إنه سيعيد الأمن في غضون ساعات، وإن انتخابه يعني عودة الاستقرار والأمن وبخلافه فعلى المصريين أن يترقبوا أيام اللاأمن.

سلاح قذر وجد فيه أولئك المتسلطون على رقاب شعوبهم غايتهم حتى يقمعوا ويذلوا شعوبهم، وجدوا فيه التهم لمواجهة غضب الشعوب وثورتها، بل لم يتورع هؤلاء، كما فعل بشار الأسد ومن قبله نظام نوري المالكي، في استخدام التفجيرات والمفخخات كأوراق ضغط على الخصوم السياسيين، فكلما احتاج الحاكم المتسلط إلى مهرب من أزمة أو منفذ من حصار، وجد في قتل 50 أو 60 من شعبه بسيارة مفخخة أو قذائف صاروخية، ضالته.

إن الأمن والاستقرار ينبغي أن يكون قيمة عظمى في كل مجتمع، وأن يكون بعيدا عن أي صراع سياسي أو طائفي أو ثقافي أو اجتماعي، وأن يحترم، بدءا من أكبر مسؤول في البلد إلى أصغر إنسان، ولا يمكن أن يكون ورقة بيد هذا أو ذاك.

للأسف، مجتمعاتنا العربية غابت عنها كل المعايير التي يمكن أن تحكم بني الإنسان والبشر، وسلط الله علينا أنظمة أقل ما يقال عنها إنها لا تقيم وزنا لشيء سوى لذاك الكرسي الملعون، فلم تحترم قيمة ولم تكلف نفسها الاعتناء بمبدأ، فقيمتها العليا ومبدأها هو السلطة ولا شيء غير ذلك.

<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 26 مشاهدة
نشرت فى 14 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,069