محمد شو

العالم بين يديك

أسامة عبد الرحمن في ذكرى نكبة حزيران 67 يجب تذكر أساس النكبة وهو غياب الحقيقة، فالبحث عن الحقيقة وعمل السياسات والاستراتيجيات على أساسها هو الركيزة المحورية لأي نجاح حقيقي. وإغفال الحقيقة والسياسات والاستراتيجيات أو بناؤها على وهم، لابد أن يؤدي إلى الإخفاق والفشل والنكبة وهذه مسألة بديهية عبر حقب التاريخ، وفي المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية كافة. لقد وجد العرب أنفسهم في صراع مع عدو اغتصب الأرض، فثارت ثائرتهم، وكانت ثورة المشاعر عارمة. ولكن ثورة المشاعر وحدها لا تجدي في مواجهته وهو يملك أحدث أنواع الأسلحة التي تمده بها القوى الغربية. ولم يكن لدى العرب من السلاح ما يمكنهم من مواجهته، وخاضوا حروباً لم تكن قوتهم فيها متكافئة مع قوته، ولم يكن لهم سند أو ظهير قوي كما كان له. ولكن قبل ذلك وبعده، لم يكن لديهم إدراك فعلي للحقيقة الأولى، وهي أن هذا العدو يملك مقومات القوة من سلاح وتدريب وتنظيم واستراتيجية مدروسة، وكان العلم حاضراً فيها. أما هم فلم تكن الحقيقة هذه حاضرة في أذهانهم، أو في استعدادهم، أو مواجهتهم له. ولم تكن القيادات العربية ذات إدراك واع لمعطيات ومستجدات المواجهة، ولم تكن هناك استراتيجيات مدروسة، وكان العلم إلى حد كبير غائباً. ولذلك حلت النكبات، وكانت هذه النكبات دافعاً للعدو إلى توسيع أطماعه وزيادة قدراته، وكانت في ذات الوقت مبعث انكسار للعرب. فلقد كانت الهزائم ضربة في الصميم، إذ لم يتصور العرب أن كياناً حديث النشأة، قليل العدد، قادر على إلحاق هذه الهزائم بالأمة التي علمها تاريخها معنى النصر، وإن مرت في صحائفه بعض الهزائم والإخفاقات. ولعل القيادات العربية، لم تعرف الحقيقة لكي تتعامل معها بموضوعية، ولكي تعد العدة اللازمة لمواجهة كفؤة مع العدو الصهيوني، ولم تعرف قوتها أيضاً، وربما استهانت بقوة العدو، وعظّمت من قوتها من دون استناد إلى الحقيقة، أو اعتماد على العلم، فكانت الهزائم والإخفاقات والنكبات. ربما قال قائل، إن العدو الصهيوني كان منطلقاً من نقطة متقدمة من العلم الذي يعتمد جوهره على الحقيقة، لأن من مكوناته من وفدوا من دول متقدمة لها باع طويل في مضمار التقدم، وحققت إنجازات كبيرة، وهم يملكون نواصي العلم في وضع الاستراتيجيات والتدريب والتنظيم وتحقيق الأهداف، بينما كان العرب في نقطة متخلفة، إذ كان التخلف يضرب أطنابه في كل المجالات، وليس للعلم حضور، وليس للاستراتيجيات أو التدريب المنظم حضور أيضاً، ثم كان السلاح لديهم أدنى مستوى وقدرة من السلاح المتطور الذي يملكه العدو. هذا الكلام في مجمله صحيح، ولكنه لا يمكن أن يكون مبرراً لتصورات أو ممارسات خاطئة فالبحث عن الحقيقة، ومعرفة الحقيقة، ضروري في أي وضع، والاستفادة من الأخطاء، مسألة أساسية للوصول إلى النتائج المرجوة، فقد كانت حرب 1948 نكبة، وكانت حرب 1967 نكبة، وإذا التهم العدو الصهيوني في حرب 1948 قدراً كبيراً من الأرض العربية والحق العربي، فإنه تمكن أيضاً في حرب 1967 من التهام قدر كبير من الأرض العربية والحق العربي، وما زال يطلق العنان لاعتداءاته واستباحته للأرض العربية والحق العربي. ولم يقم العرب بدراسات موضوعية لأسباب الإخفاقات والهزائم والنكبات، وهي أول الطريق للنهوض من وهدة الإخفاقات والهزائم وتحقيق الفوز والنصر. ولقد أجمل ذلك قسطنطين زريق تحت عنوان: "درس النكبة الأكبر"، "مجلة الآداب: السنة الخامسة عشرة، العدد السابع، يوليو 1967". في قوله: "إننا لكي نمحو آثار الهزيمة، ونعود بثقلها إلى ظفر وانتصار، فلا بد أن نبدأ من حيث يجب أن نبدأ، أي بمعرفة حقيقة هذه الهزيمة، وأسبابها المباشرة وغير المباشرة، وأبعادها ونتائجها في الحاضر والمستقبل، الحقيقة قبل كل شيء، وبعد كل شيء، الحقيقة كما هي لا كما نريد أن تكون، الحقيقة الموضوعية الصريحة مهما تكن، لا كما نتصورها ونريد الناس أن يتصوروها". واستطرد: "لو عرفنا الحقيقة، لما خضنا معارك داخلية تستنزف مواردنا وتقسّمنا إلى جبهات"، ويختتم: "المصيبة.. هي أننا لا نعرف، ولا نريد أن نعرف لتغلّب الأطماع على تصرفاتنا الخاصة والعامة، ولوضعنا المصلحة الشخصية، قبل المصلحة الشاملة".
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 52 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,749