محمد شو

العالم بين يديك

authentication required

عبد الجبار الجبوري:

يرى المراقبون السياسيون أن المشهد السياسي العربي يشهد تصعيدا خطيرا في المنطقة العربية، وخاصة بعد أن فشلت مباحثات إيران مع مجلس الأمن "5+1" الأخيرة، وفشل مهمة كوفي عنان في سوريا، وإعطاء أوباما الضوء الأخضر لشن غارات جوية على أهداف عسكرية سورية تشمل مراكز القيادة العسكرية، وهذا يذكرنا بما فعله المجرم بوش قبل احتلال العراق.. بمعنى أن السيناريو العراقي قد وضع موضع التطبيق الفعلي في سوريا لإحداث التغيير العسكري واحتلال دمشق كما احتلت بغداد، وإسقاط النظام وإعلان الفوضى الخلاقة فيه.

هذا السيناريو الأمريكي- الأوروبي الصهيوني، قد مهدت له أحداث تونس ومصر وما سمي بالربيع العربي- وسميناه الربيع الكاذب، لأن الأوضاع التونسية والمصرية ما زالت تشهد تدهورا شعبيا وتصعيدا ينذر بحرب أهلية فيهما، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي مؤشر واضح على هذا، بالرغم من مرور أكثر من سنة ونصف على التغيير، وهو ما يحصل في ليبيا ولو بشكل أقسى وأمر وأخطر، وبدرجة أقل في اليمن ولبنان-.

هذه التحولات العربية الكارثية لها ما يبررها على الأرض:

وأول هذه المبررات هو الاحتلال الأمريكي الغادر للعراق، بعد تدمير جيشه وإزالة دولته وقتل شعبه "أكثر من مليون ونصف شهيد عراقي" وزرع بذور الطائفية والقومية العنصرية، وتهجير أربعة ملايين خارج العراق، وإحلال حكومات طائفية بامتياز وتفرد حزب واحد طائفي في السلطة، وإشعال حرب أهلية مدمرة، إضافة إلى الصراعات الدموية بين الكتل المتنفذة في الحكومة "سحب الثقة عن رئيس الوزراء" وهيمنة إيران على مصدر القرار السياسي العسكري، والصراعات الحالية وسطوة إيران دليلا واضحا.

والمبرر الثاني هو إطلاق يد حكام طهران بالعبث في المنطقة كلها من خلال خلاياهم النائمة في دول الخليج العربي ولبنان "حزب الله"، وإحداث المشاكل الطائفية بهدف إشاعة التشيع الصفوي في المنطقة لإحياء الإمبراطورية الفارسية التوسعية، كما يحصل الآن في البحرين والإمارات والكويت واليمن والعراق "في العراق يتم الاستيلاء على الجوامع والمساجد والأضرحة وتسجيلها ملكا للوقف الشيعي كخطوة لإشعال الفتنة الطائفية" والهيمنة الطائفية بتوجيه وتمويل وإشراف ملالي طهران وولي الفقيه حصريا، عدا عن فتح المنظمات "الخيرية والإنسانية والأدبية"!! وغيرها، وهي كلها عبارة عن أوكار للمخابرات الإيرانية وفيلق القدس لأغراض التجسس ونشر الفكر الشيعي الصفوي في العراق.

وثالث المبررات هو ضعف النظام العربي وخضوعه التام لإدارة أوباما وخوفها من الربيع العربي المزعوم، لأنه أصبح شماعة وفزاعة في نفس الوقت تهدد بها أمريكا حلفاءها بإحداثه في بلدانهم، إذن التحولات الدراماتيكية العربية سريعة، لغياب التوازن الدولي وخروج العراق من عنصر هذا التوازن، لذلك ستشهد المنطقة العربية تغييرات جوهرية في بنيتها وشعوبها التي خدعها الربيع العربي، انظروا ماذا حل بمصر أم الدنيا وما حل بتونس الخضراء!!

إننا إزاء أوضاع خطيرة تهدد شكل المنطقة التي تعمل أمريكا والغرب على تفتيتها وتقسيمها على أسس طائفية وعرقية وإثنية، كما ورد في مشروعها الجهنمي "مشروع برنارد لويس وإقامة الشرق الأوسط الكبير". نعم نحن مع التغيير والديمقراطية وتقرير مصير الشعوب، ولكن ليس عن طريق تدمير وقتل واحتلال الدول وإشاعة الفوضى الخلاقة فيها، بتدخل أمريكا ودول الغرب والناتو بحجة إشاعة الديمقراطية وتغيير أنظمتها الدكتاتورية فيها، وهو ما حصل في العراق وليبيا، والآن يحصل في سوريا..

وهنا نسأل هل العقل العربي مغيب وساذج إلى هذا الحد من السذاجة وقلة الوعي بحيث تنطلي عليه هذه الأكاذيب الأمريكية المفضوحة، أم أن قسوة الحكام ودكتاتوريتهم يوصل الوعي العربي إلى اليأس والقنوط والاستقواء بأمريكا والغرب؟!

أعتقد أن الوعي العربي ليس بهذا الشكل أبدا، ولم يكن العربي في يوم من الأيام قانطا ويائسا كي يمرر مخططات الإمبريالية العالمية ويهدد مستقبله بيده، فالوعي العربي أعلى بكثير من هذا التحليل الساذج، والدليل أن شعب العراق الأبي والليبي قد أفشلا مشاريعها العدوانية رغم التضحيات الجسيمة في الأرواح والبنى التحتية؛ والواقع على الأرض يؤكد حقيقة فشل هذه المشاريع الغبية، ولكن لكل شيء ثمن فالحرية والاستقلال والكرامة والسيادة لها ثمنها، ولهذا واجه شعب العراق أعتى هجمة بربرية أمريكية في تاريخه المجيد وأسقطها بوحل هزيمتها، وما هروب المحتل الأمريكي من العراق إلا بفضل ضربات المقاومة العراقية الباسلة وطرد جيشها الغازي الجبان.

وهكذا سيهزم الاحتلال في كل مكان طالما هناك شعب حي يقاوم الظلم والجبروت والطغيان الأعمى، إنها إرادة الشعوب ووعيها وإصرارها على المواجهة المشروعة بوجه الاحتلال والغزو الوحشي.

إن مرتسم التحولات العربية في مشهدها السياسي قائم على التصدي للاحتلال ومقاومته، سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا، ونحن إزاء هذه التحولات نترقب المشهد بدقة وحذر، لأنها ستقرر مصير الأمة ومستقبلها ووقفتها التاريخية بوجه الهجمة الشرسة للإمبريالية العالمية ونظامها الجديد في المنطقة.. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 66 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

261,372