محمد شو

العالم بين يديك

تتجاوز الأوساط العلمية اليوم مرحلة الحديث عن الفوائد الصحية لشرب حليب الإبل، لتصل إلى مرحلة متقدمة بالبدء في إجراء دراسات طبية حول الدور المحتمل للاستفادة من هذا الحليب في معالجة بعض أنواع الأمراض التي تصيب شرائح واسعة من سكان العالم.

 

وبمراجعة ما تنشره المجلات العلمية، في مجالات الطب والتغذية وغيرها، نلحظ اهتماما متزايدا لتطوير الاستفادة الصحية والطبية والغذائية من لحوم وحليب الإبل، وأجزاء أخرى من تلك الحيوانات التي تشكل أحد المصادر الغذائية المهمة لكثير من الناس في مناطق واسعة من العالم، وبخاصة في المناطق التي تشكو كثرة الأمراض والفقر في أفريقيا وآسيا.

 

جوانب صحية وطبية

وكانت الدراسات العلمية القديمة والحديثة قد أشارت في نتائجها إلى أن حليب الإبل ذو قيمة غذائية عالية، وذو محتوى خفيف على الهضم، وعلى بقية أعضاء الجسم، ما دفع منظمة «الفاو» التابعة للأمم المتحدة إلى تبني الاهتمام بحليب الإبل. وساعدت الموروثات الطبية والتاريخية للثقافات المختلفة في آسيا وأفريقيا على توجيه الباحثين العلميين نحو اختبار مدى صحة الاستخدامات الشعبية الطبية لحليب الإبل في معالجة الأمراض، وبعث النشاط والحيوية في الجسم.

 

وفوائد تناول حليب الإبل أحد الموضوعات الصحية الجادة، التي تحتاج إلى تأنٍّ في فهم وجهة النظر العلمية، خصوصا أن الإبل متوفرة في مناطق الجزيرة العربية، وشمالي وشرقي أفريقيا، وفي نواح واسعة من وسط آسيا وشبه القارة الهندية. وهذا التوفر للإبل في تلك المناطق يجعل الوسط الصحي يهتم بالاستفادة منها في جهود تحسين صحة الناس. وللموضوع جانبان: أحدهما يتعلق بالفوائد «الصحية» العامة التي يجنيها جسم أحدنا من تناول تلك النوعية الممتازة والفريدة من أنواع الحليب المتوفر، والثاني يتعلق بالدراسات العلمية التي حاولت فهم التأثيرات «الطبية» العلاجية لتناول حليب الإبل في عدد من الأمراض التي تصيب ملايين البشر اليوم. وهذان العنصران يشكلان قوام النظرة الطبية الحالية لحليب الإبل، وهما أساس مطالبة كثير من الباحثين في الوسط العلمي برصد مزيد من الاعتمادات المالية لإجراء المزيد من الدراسات العلمية حوله.

 

ولأن الشيء بالشيء يذكر، ومع الاعتماد العالمي الواسع على حليب البقر فقط في التغذية، فثمة أدلة علمية كثيرة لتبرير فائدة تناول حليب الماعز بالمقارنة مع حليب البقر، مما يفرض أيضا عرض فوائد حليب الماعز ولو باختصار شديد.

 

مكونات الحليب

الحليب في الأصل سائل أبيض اللون، مكون من مزيج لكرات دهنية مستحلبة، أي مجبرة على الامتزاج والاختلاط، مع سائل مائي. ولذا لدينا في أي نوع من الحليب جزء دهني وجزء مائي.

 

والجزء الدهني مكون من كرات صغيرة تحتوي في قلبها على مواد الزبدة الدهنية (butterfat globules). ويحيط بهذه الدهون غلاف مكون من مركبات فسفورية وبروتينات. ووظيفة هذا «الغلاف الفسفوري البروتيني» هي تسهيل الحجز والذوبان والحماية. أي أولا، حجز وحفظ الكتل الصغيرة للزبدة الدهنية ومنعها من التجمع وتكتل بعضها على بعض وتكوين كتلة كبيرة وواضحة للعيان من زبدة المواد الدهنية. وثانيا، تسهيل عملية الامتزاج، الصعبة بالأصل، للمواد الدهنية في السائل المائي. وثالثا، حماية هذه الكتل الدهنية الصغيرة من تأثيرات الإنزيمات الهاضمة الموجودة بشكل طبيعي في السائل المائي للحليب.

 

وضمن مكونات الكرات الدهنية، توجد الفيتامينات الدهنية. أي فيتامينات «إيه» (A) و«دي» (D) و«كيه» (K) و«إي» (E). كما يحتوي «الغلاف الفسفوري البروتيني» على بروتين «كاسيين» وقشور صلبة من الكالسيوم والفسفور. وهذا البروتين يشكل أكثر من 80 في المائة من البروتينات الموجودة في الحليب.

 

وضمن السائل المائي، توجد سكريات «لاكتوز» (Lactose) الحليب، وبروتينات، وإنزيمات، وخلايا مناعة، ومجموعات من المعادن والفيتامينات المائية. وسكر «لاكتوز» الحليب من السكريات الثنائية التي تتحلل بالهضم في الأمعاء لتعطي كلا من سكر «غلوكوز» (glucose) وسكر «غلاكتوز» (galactose) الأحاديين السهلي الامتصاص على خلايا بطانة أمعاء الإنسان.

 

مميزات حليب الإبل

لا شك أن جميع أنواع حليب البقر أو الماعز أو الإبل أو الخيل أو غيرها، هي أنواع مفيدة لصحة الإنسان. ويقدم تناول أي منها للجسم بروتينات ودهونا ومعادن وفيتامينات وماء، وهي عناصر يحتاجها الجسم. ولكن بلا شك أيضا هناك أنواع أفضل من أنواع، ولأسباب علمية. وبغض النظر عن الطعم والرغبة الشخصية لكل إنسان، فإن لحليب الإبل ولحليب الماعز مميزات تجعلهما أفضل من حليب البقر الشائع التناول في مناطق العالم كافة. وبالمراجعة العلمية، لا يتفوق على حليب الإبل وحليب الماعز سوى حليب الحصان، الذي يعتبر من أقل أنواع الحليب المتوفرة في العالم احتواء على الدهون والبروتينات، وأعلاها احتواء على السكريات والماء. ولذا فحليب الحصان أقل محتوى من طاقة السعرات الحرارية (كالوري).

 

هذا مع تذكر أن «موسم الحليب» للناقة يمتد إلى نحو 12 شهرا. بينما في البقر يبلغ نحو 7 أشهر، وفي الماعز نحو 3 أشهر.

 

وبالنسبة إلى حليب الإبل بالذات مقارنة بحليب البقر، فإنه يتميز بالمحتوى العالي من الماء، وبالمحتوى الأعلى من مجموعة من الفيتامينات والمعادن، وبتدني المحتوى من الدهون والكولسترول، وبالنوعية الفريدة من مركبات المناعة.

 

ولأن الحليب بالأصل هو «مشروب» يقصد من تناوله بالدرجة الأولى «الحصول على الماء»، فإن الماء يشكل نسبة 90 في المائة من مكونات حليب الإبل. وهذه نقطة مهمة، خصوصا لسكان المناطق الحارة. والملاحظ أن الناقة كلما واجهت ظروفا مناخية حارة، وقل شربها للماء، ارتفعت نسبة الماء في حليب ضرعها، واستفاد الإنسان من شرب حليبها في الحصول على الماء. والأمر الثاني هو تدني محتوى حليب الإبل من الكولسترول ومن الدهون الحيوانية المشبعة، واحتواؤه على نوعيات صحية وخفيفة من الدهون غير المشبعة. وهذا الجانب مهم بدرجة عالية، خصوصا والعالم يواجه ارتفاعا مستمرا في الإصابات بأمراض شرايين القلب، وارتفاع الكولسترول والدهون، والسمنة، والأمراض السرطانية. وحول الكولسترول بالذات، تشير نتائج الدراسات العلمية إلى احتواء حليب الإبل على كمية تقل بنسبة 40 في المائة عما هو موجود في حليب البقر.

 

هذا، ويعتبر حليب الإبل الأكثر احتواء على فيتامين «سي» (C) ومجموعة من فيتامينات «بي» (B)، بالمقارنة مع بقية أنواع الحليب الحيواني. وتحديدا، نحو ثلاثة أضعاف ما يوجد من فيتامين «سي» (C) في حليب البقر. وربما للأمر علاقة بتعويض ذاك النقص المتوقع في تناول سكان الصحراء للمنتجات الغذائية النباتية الطازجة، نظرا إلى الظروف البيئية التي يعيشون فيها.

 

ومن المعادن على سبيل المثال، يحتوي حليب الإبل على كميات أعلى من الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم والسيلينيوم، بالمقارنة مع حليب البقر. وتحديدا، كمية الحديد في حليب الإبل نحو عشرة أضعاف تلك الموجودة في حليب البقر.

 

وحليب الإبل أقل تسببا في الحساسية التي يعاني البعض منها جراء تناول بروتينات حليب البقر. ونظرا إلى محتواه الخفيف، فإن حليب الإبل كذلك أقل تسببا في حالات «عدم تقبل سكر اللاكتوز» (lactose intolerance)، والتي تؤدي لدى البعض إلى انتفاخ البطن وزيادة غازات الأمعاء وعسر الهضم، وذلك أيضا مقارنة بحليب البقر، وهو ما تشير الإحصائيات الحديثة في الولايات المتحدة إلى معاناة نحو 50 مليون شخص منه.

 

وتعتبر كمية بروتينات «كازيين» أقل في حليب الإبل مقارنة بحليب البقر، مما يجعله أسهل للهضم وأخف على المعدة في تكوين خثرة الحليب.

<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 273 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

269,226