تناقلت وسائل إعلام مختلفة بشقيها المقروء والمرئي خبراً يكاد يصنف تحت بند "السابقة" منذ بدء الأزمة السورية، وتكمن خطورة الخبر في حساسية الموضوع الذي يتناوله "عسكرياً وأمنياً" وما يمكن أن يكون أثره فيما لو كان صحيحاً.
الخبر يقول وكما أوردت قناة العربية (كانت السباقة في نشره) نقلاً عن نشطاء معارضين إن "الكتيبة 743 للدفاع الجوي المرابطة في الرستن بمحافظة حمص انشقت بكامل عتادها ومع كامل الضباط والجنود الذين يخدمون فيها"، مشيرين إلى أن عتاد الكتيبة يضم منظومات صواريخ من طراز "فولغا" (С-75) الروسيةَ الصنع.
ومن جهتها نقلت "الهيئة العامة للثورة السورية" عن أحد الضباط قوله إن الانشقاق جرى بعد تنسيق دام لفترة بين مجموعة من ضباط قيادة المجلس العسكري في حمص التابعة للجيش الحر، وبين قيادة الكتيبة 743 في اللواء 72 التابع للفرقة 26 بالدفاع الجوي، حيث جرى تحديد فجر يوم الأحد لانشقاق الكتيبة بشكل كامل.
وأشار النشطاء بحسب نفس المصادر أن الانشقاق تم بعد تنسيق بين المجلس العسكري التابع للجيش الحر في حمص وقائد الكتيبة.
وكان الناطق الرسمي باسم القيادة المشتركة "للجيش الحر" العقيد قاسم سعد الدين أكد لهيئة الإذاعة البريطانية "بي-بي-سي" انشقاق عناصر من كتيبة للدفاع الجوي وبحوزتها صواريخ روسية الصنع.
وقال سعد الدين إن "الكتيبة تتبع الفرقة السادسة والعشرين وإن طائرات تابعة لسلاح الجو السوري قصفت القاعدة بعد عملية الانشقاق". وذكرت تقارير المعارضة أن الكتيبة كانت تضم لدى انشقاقها أربعين جنديا وضابطا.
وعن الموضوع يقول العقيد الركن المتقاعد حسين كردي وهو قائد كتيبة دفاع جوي سابق، وأحد مؤسسي كلية الدفاع الجوي في حمص والمدرسين فيها إلى حين تقاعده، وأحد جرحى حرب تشرين بحسب ما أورد موقع "الحقيقة" إن "من يقرأ الخبر، وإذا ما كانت له خبرة ولو بسيطة بالمسائل التنظيمية والتقنية في الدفاع الجوي في سوريا، يكتشف في الحال أن التقرير ملفق، وتلفيقه من النوع الغبي جدا" . ويورد العقيد كردي الأسباب التالية:
أولا ـ إن كتيبة "الغنطو" (وهذا ليس سرا عسكريا)، التي تقع على رأس مثلث زاويتاه الأخريان "تير معلة" و"تلبيسة" ، هي كتيبة "فولغا" ( أو ما يعرفا شعبيا وغربيا باسم "سام 2"). وهو ما يظهر أيضا في الشريط الذي نشرته "العربية" ، وليست " سام6"(كفادرات) المعروف بأنه محمول على عربة مجنزرة. وغني عن البيان أنه لا وجود لـ"سام6" في الكتيبة ن ولا في حمص كلها. ( كتائب "سام 6" المتحركة لا تعمل في نسق عسكري مع "سام 2"، ولا يمكن أن تكونا معا في مكان واحد . فالأولى ثابتة والثانية متحركة تتحرك مع القوات البرية لحمايتها ، أو لنصب كمائن جوية في الوديان والجبال والممرات الإجبارية للطيران المعادي ..إلخ). ولكم أن تتخيلوا أي ضابط دفاع جوي هو الذي لا يميز بين "سام6" و"سام2"! إنه يشبه ذلك الضابط الذي ظهر في شريط يقول فيه إنه منشق عن "كلية الإشارة في دمشق"، بينما كلية الإشارة في منطقة الوعر ...في حمص!!
ثانيا ـ لا يوجد شيء اسمه "كتيبة دفاع جوي تحمي مصفاة حمص". فكتائب اللواء 72 كلها تحمي مصفاة حمص ، وبقية الأماكن الاستراتيجية المدنية والعسكرية في حمص.
ثالثا ـ يعرف أي شخص أن كتيبة الدفاع الجوي لا تضم 130 عنصرا فقط ! وإذا كنا غير ملزمين بذكر الرقم ، لأسباب تمس أمن الدولة، نقول إنها أكثر من ذلك. كما أنها لا تضم فقط 10 ضباط ! إن أي أبله في الدفاع الجوي يعرف أن هذا السلاح يعتمد ـ بخلاف بقية الأسلحة الأخرى ـ على عنصر الضباط، بالنظر لأنه اختصاص علمي معقد . وهو السلاح الوحيد في العالم الذي يكاد يزيد فيها عدد الضباط عن عدد صف الضباط والعناصر! وأي كتيبة دفاع جوي تضم ست بطاريات ، مثل كتيبة "الغنطو"، فيها ما لا يقل عن عشرات الضباط، كي لا نقول أكثر من ذلك.
رابعا ـ إن سلاح الدفاع الجوي، ومن بين باقي صنوف الأسلحة كلها، هو الوحيد الذي لا يمكن أن ينشق ، بالمعنى المتعارف عليه للانشقاق. فهذا السلاح الذي يحمي الجميع من أي عدوان جوي، لا يستطيع حماية نفسه . وإذا ما فكرت كتيبة بالانشقاق ، تستطيع مفرزة أمنية صغيرة السيطرة على الكتيبة خلال عشر دقائق. فكتيبة الدفاع الجوي ( من نوع"سام2" مثلا) طول الصاروخ فيها أكثر من عشرة أمتار، ووزنه أكثر من طنين. وعناصر الكتيبة لا يملكون سوى عدد بسيط من الأسلحة الفردية لزوم الحراسات المحلية.
خامسا ـ لماذا لم يقم "المنشقون" المزعومون بتصوير الانشقاق وحديث الضابط المزعوم لعناصره، كما يجري دائما!؟ إنهم يصورون حتى انشقاق حارس ليلي أو شرطي ويجرون معه مقابلة. فهل يعقل أن تنشق كتيبة دفاع جوي ، وهو حدث هو الأول من نوعه كما زعمت القناة والنصاب رامي عبد الرحمن، ولا يجري تصوير ما جرى فيها!؟ الشريط التي بثته القناة ، وكما يتضح بشكل جلي، صور على طريقة اللصوص الذي يباغتون مكانا بهدف السرقة ، ويلتقطون صورة سريعة بالموبايل للمكان.
وأوردت مصادر إعلامية سورية أن بعض العشرات من المنطقة قاموا بالهجوم على الكتيبة على دراجات نارية بهدف السطو على الأسلحة الفردية (بنادق الحراسات) ومستودع الذخيرة التابعة لها، واقتحموها بسرعة ، مستغلين عدم وجود سوى ثلاثة عناصر حراسة .
وتضيف المصادر أن بعض المهاجمين يحمل عبوات ناسفة أرادوا وضعها في " كبين القيادة" ، أي الكبين الذي يشكل الخلية العصبية الإلكترونية للكتيبة ، الذي يضم صحن الرادار وأجهزة التوجيه وما إلى ذلك ، بهدف تفجيره.
ومن المعلوم أن سلاح الدفاع الجوي أكثر الأسلحة حساسية، إذا يكفي أن تفجر عبوة ناسفة في "كبين القيادة" حتى تصاب الكتيبة بالشلل وتخرج من الخدمة. وقد استغل المعتدون وجود الكتيبة في أرض زراعية إلى جانب الطريق العام ( تبعد عنه أقل مئة متر) وعدم وجود جدران أو أسلاك شائكة ، وهذه هي حال كتائب الدفاع الجوي في سوريا كلها تقريبا، لاسيما حين تكون قريبة من مناطق سكنية.
وذكرت المصادر أن عسكريين وضباط تصدوا للمهاجمين وهو السبب الذي لم يمكن المفتحمين من نشر سوى مقطع فيديو مصور بشكل سريع من الطريق العابر بجانب الكتيبة.
يشار إلى أن المصادر الإعلامية التي تبنت "نفي/تأكيد" الخبر، لم تشمل وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" كما لم يصدر حتى اللحظة أي تعليق رسمي على الموضوع ليؤكد أو ينفي ذلك، ليتبادر إلى الذهن عشرات الحوادث التي جرت على الأرض السورية وبقيت لغزاً لدى المواطن السوري في ظل غياب اكتراث رسمي للتأكيد أو النفي، واكتفت "سانا" بالقول إن "عناصر حماية الوحدة تصدوا للمجموعة الإرهابية واشتبكوا معها ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من أفرادها".
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش