|
|||
الفتيات يعشن في بيت العائلة بنسبة أقل من الشبان (الصور من المصدر) |
رغم تأثره بأسلوب الحياة الأوروبي ما يزال الشباب المغربي متمسكا بقيم وخصوصية مجتمعه خاصة فيما يتعلق بالعيش في كنف العائلة، حيث كشفت دراسة حديثة أن أكثر من نصف الشباب المغاربة أي ما يعادل 54%، يعيشون ببيوت عوائلهم، وهي نتائج اعتبرها باحثون اجتماعيون «صادمة»، داعين إلى وضع حلول ناجعة تؤمن عيشا كريما للشباب ما يمكنهم من الزواج والانتقال إلى بيوتهم الخاصة. حيث أظهرت الدراسة أن السبب الأول لذلك يعود إلى البطالة وضعف الحالة الاقتصادية.
ظاهرة مؤثرة
أظهرت الدراسة، التي أنجزتها وزارة التخطيط، أن هذا الوضع يشمل بالدرجة الأولى الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 سنة وأقل من 25 سنة، ويعاني منه الرجال أكثر من النساء، إذ يعود بالأساس إلى «ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب»، فيما تتراوح أعمار 12% من هؤلاء ما بين 18 وأقل من 45 سنة.
وبحسب الدراسة؛ فإن هذه الظاهرة تؤثر أكثر على الشباب الذين يتراوح سنهم ما بين 18 و24 سنة، وهم المشكّلون لنسبة 18%، أكثر من تأثيرها على الفئة التي تتراوح أعمارها ما بين 35 و45 سنة، ونسبتهم 5,5%، فيما تصل نسبة الحضريين الشباب من هذه الفئة العمرية والذين يعيشون مع عوائلهم 17%، فيما لا تتعدّى هذه النسبة 5% بالعالم القرويّ.
وأوضحت الدراسة أن البطالة وضعف مداخيل الشباب لم يؤثرا على نمط الاندماج في الوسط الأسري لكون 9% منهم فقط صرحوا بأنهم يواجهون صعوبات مع والديهم بسبب بقائهم في المنزل دون عمل، بينما كشفت الدراسة أنّ 75% من الشابات غير العاملات هنّ ربات بيوت يتحملن مسؤولية اسر آبائهم، و21% من الشابات لا زلن يدرسن بالجامعات.
وكشفت الدراسة انه في هذا السياق المتسم بضعف الإمكانات المالية، فإن 42% من الشباب العازب، الذين تتراوح أعمار 56% منهم ما بين 18 و24 سنة، لا يفكرون في الزواج، كما عبرت نسبة 25% من الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها ما بين 35 و44 سنة عن الرأي نفسه.
وفي المجال السياسي والنقابي، كشفت الدراسة أن 1% من الشباب فقط منخرطون في حزب سياسي، بينما يشارك 4% منهم في اللقاءات التي تنظمها الأحزاب السياسية أو النقابات. وأشارت الدراسة إلى أن 1% من الشباب ينشطون في نقابة ما، وان نحو 4% منهم يشاركون في مظاهرات اجتماعية أو إضرابات في حين يشارك 9% منهم في أنشطة تطوعية، مضيفة أن نحو 36% من الشباب يشاركون في الانتخابات بكيفية منتظمة و14% بكيفية غير منتظمة.
وأظهرت الدراسة أنه بالرغم من أن بقاء الأبناء في بيت العائلة يشكل مشكلة كبيرة ومعاناة بالنسبة للأسرة، إلا أن هذا الوضع أفضل من استقلال الشباب عن حياة أسرهم وخروجهم عن سيطرة آبائهم لاسيما إذا كانت ظروفهم الاقتصادية لا تسمح لهم بتكوين أسرة.
الحالة الاقتصادية
استأثرت هذه الدراسة باهتمام الباحثين بسبب الأرقام التي اعتبرها البعض «صادمة» حول أوضاع وأوليات وحاجيات الشباب المغربي خاصة منها المشاكل التي كشفت عنها الدراسة فيما يتعلق بالبطالة وكلفة العيش والصحة والسكن، ودعا باحثون إلى الاستفادة بشكل أفضل من نتائج هذه الدراسة التي تهدف إلى أن يشكل مادة أولية خام واعدة لإعداد سياسة تعطي الأمل في المستقبل لهؤلاء الشباب.
إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي إبراهيم المحمادي إن الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب في ظل انتشار البطالة والفقر دفعت بهم للعزوف عن الزواج وتكوين أسرة وبالتالي البقاء في بيوت آبائهم التي توفر لهم الحاجيات الأساسية، معتبرا أن الأرقام التي قدمتها الدراسة عن أوضاع الشباب المغربي وظروف عيشهم تعكس بشكل كبير حقيقة الوضع، رغم المفاجأة التي كشفتها هذه الدراسة حين أكدت أن أكثر من نصف شباب المغرب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و45 سنة يعيشون في بيوت عوائلهم.
ويشير إلى أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة في المغرب فأصبح تكوين أسرة وإنجاب أطفال «حلما صعب المنال» بالنسبة لقطاع عريض من الشباب الذين باتت أحلامهم معلقة في انتظار الحصول على عمل أو الهجرة إلى أوروبا. ويضيف أن شبح العنوسة بسبب ضيق ذات اليد أو الإضراب عن الزواج طوعا وهربا من المسؤولية رفع أعداد الشباب الذين يعيشون في بيوت عوائلهم والذين لا يزالون يعتمدون على التكافل العائلي لإعالتهم.
وعن بقاء الرجال أكثر من النساء من الشباب الذين يتشاركون نفس الفئة العمرية في بيوت عوائلهم، يعتبر المحمادي أن هذا الوضع يعود بالأساس إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب الرجال، وعدم تمكنهم من فتح بيت جديد، وبالتالي بقائهم في بيت العائلة بينما يفتح الزواج أمام الفتيات الباب أمام تكوين حياة جديدة والرحيل عن بيت العائلة.
ويرى المحمادي أن ارتفاع نسبة المغتربين في المجتمع المغربي الذين هاجروا بحثا عن مورد رزق ونجحوا في تحقيق حياة أفضل وأكثر ثراء وسعادة، أثر على نظرة الشباب للمستقبل واستسلم أغلبهم للوضع واتكلوا على عوائلهم في انتظار تحقيق حلمهم بالهجرة نحو أوروبا.
ويدعو الباحث إلى الاهتمام بالشباب والرفع من مستوى معيشتهم لاسيما الذين يتقاضون رواتب زهيدة لا تتناسب والمجهود الحقيقي الذي يبذلونه، مطالبا بالبحث عن حلول ناجعة لمشكل البطالة وتوظيف الشباب في أنشطة اجتماعية وخيرية لملأ وقت فراغهم وتنمية الحس الاجتماعي لديهم.
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش