رسالة النبي صلى الله عليه سلم هي أعظم الرسالات وأشملها، وقد أحاطها الله بعنايته، وشملها برعايته، وجعل لها دلائل باهرة، وعلامات ظاهرة، قبل مبعثه بل قبل ولادته، وكانت هذه الدلائل بشائر على مبعثه صلى الله عليه وسلم، وما حملته تلك البعثة من خير للبشرية جمعاء، وهداية إلى الحق وإلى طريق مستقيم. ولنا وقفة يسيرة مع بعض هذه الدلائل والبشارات:-
أول هذه البشارات وأهمها بشارات الأنبياء بمعثه عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك ما ورد في القرآن في قوله تعالى: { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } (الصف:6) قال الإمام ابن كثير : " يعني التوراة قد بَشَّرتْ بي (أي نبي الله عيسى عليه السلام ) وأنا مصداق ما أَخبرَتْ عنه، وأنا مبشر بمن بعدي وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي".
ومنها، ما رواه الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أن أمية بن أبي الصلتقال له: إني أجد في الكتب صفة نبي يبعث من بلادنا، وكنت أظن أني هو، ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف، قال فنظرت فلم أجد فيهم من هو متصف بأخلاقه إلا عتبة بن ربيعة إلا أنه جاوز الأربعين ولم يوح إليه، فعرفت أنه غيره .قال أبو سفيان : فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم قلت لأمية عنه فقال: أَمَا إنّه حق فاتَّبعه، فقلت له وأنت ما يمنعك؟ قال: الحياء من نساء ثقيف أني كنت أخبرهن أني أنا هو، ثم أصير تبعاً لفتىً من بني عبد مناف. فهذه علامة وبشارة واضحة تدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منع هذا الرجل من الإيمان به بعد مبعثه -مع علمه أنه حق- إلا الكبر عياذاً بالله.
ومن تلك الدلائل والبشائر، بشارات أهل الكتاب من أخبار اليهود ورهبان النصارى، فقد روى الإمام أحمد من حديث سلمة بن وقش قال : كان لنا جار من اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار، فقلنا له : وما آية ذلك ؟ قال خروج نبي يبعث من هذه البلاد ـ وأشار إلى مكة ـ فقالوا متى يقع ذلك ؟ قال فرمى بطرفه إلى السماء ـ وأنا أصغر القوم فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه ، قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث الله تعالى نبيه ، وهو حي ـ أي اليهودي ـ فآمنَّا به وكفر هو بغياً وحسداً.
ومنها قصة هرقل مع أبي سفيان ، وقول هرقل في آخرها: " فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين " . رواه البخاري و مسلم .
أما العلامات والارهصات التي سبقت نبوته صلى الله عليه وسلم وكانت عند مولده وبعده، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى عليهما السلام ، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام) أخرجه أحمد بسند صحيح.
ومن تلك الارهاصات التي دلت على بعثته ونبوته -صلى الله عليه وسلم-، حادثة الفيل والتي كانت تمهيدا لمبعثه عليه الصلاة والسلام، قال الإمام ابن كثير وهو يتحدث عن حادثة الفيل: " كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء "
ومن هذه الإرهاصات أيضاً ما جاء في قصة حليمة السعدية حين أخبرت أنها لما أخذته من أمه، كثر اللبن في ثديها، ووجد زوجها اللبن في ناقته، وكثر اللبن في شياهها، إلى غير ذلك من الأمور التي خرجت عن مألوف العادة، وحصلت ببركة وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم.
ومنها حادثة شق صدره -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن أربع سنين، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقةً وقال: هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم جمعه فأعاده إلى مكانه ) .
ومن إرهاصات نبوته عليه الصلاة والسلام تسليم الحجر عليه قبل النبوة، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن) رواه مسلم .
ومنها الرؤيا الصادقة، وهي أول ما بُدئ له من الوحي، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه صلى الله عليه وسلم التعبد، فكان يخلو في غار حراء. رواه البخاري .
والدلائل والمبشرات بنبوته صلى الله عليه وسلم كثيرة لا يحيط بها هذا المقام وما ذُكر يُستدل به على ما لم يُذكر، والله الموفق والهادي إلى الصواب.
ساحة النقاش