م/مــصــطــفي هــاشـم

مـــوســوعــة الــمـسـتـقـبل

 

( مجلة أسيوط للد ا رسات البيئية - العدد العشرون ( يناير ٢٠٠١

التلوث البيئى وأثره على التنمية الاقتصادية الزراعية

الأستاذ الدكتور / صلاح على صالح فضل لله

قسم الاقتصاد الزراعى - كلية الزراعة - جامعة أسيوط

تعد قضية التلوث البيئى واحدة من أهم خمس قضايا (الغذاء ، الماء ، الطاقة ، البطالة

، ثم التلوث) ، بدأت جميع دول العالم سواء المتقدمة منها أو النامية توليها اهتماماً مت ا زيداً

خصوصاً منذ النصف الثانى من القرن العشرين ، وعقدت من أجلها العديد من المؤتم ا رت

الدولية التى نظمتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من أجل إيجاد حلول لها فى إطار عالمى

.

وفى الواقع فأن التلوث البيئى ومشاكله لم يشكل على مر السنوات الماضية أهمية

مثلما يشكلها فى وقتنا الحاضر ، ولم تطرح قضية حماية البيئة وحماية الإنسان فى أى وقت

بالكثافة التى تطرح بها الآن ، ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى علاقة الإنسان ببيئته ، والتى

وصلت فى العصر ال ا رهن إلى حد الخطورة نتيجة لزيادة درجات التلوث البيئى بكافة أشكاله ،

للدرجة التى تهدد حياة وبقاء جميع الكائنات الحية الموجودة على سطح الكرة الأرضية وعلى

أ رسها الإنسان .

فالشواهد الحالية تشير إلى وجود حرب خفية بين الإنسان والطبيعة ، وإن الإنسان فى

سعيه لتيسير سبل معيشته ، وتوفير احتياجاته استخدم الطبيعة بما فيها من موارد وإمكانيات

استخداماً سيئاً وكثرت ملوثاته ومخلفات وبقايا أنشطته الإنتاجية والاستهلاكية ولم يجد سوى

البيئة الطبيعية بمكوناتها (الهواء ، الماء ، الأرض) مخزناً لإلقاء مثل هذه المخلفات والبقايا .

وبمرور الوقت ت ا ركمت هذه المخلفات والبقايا ، ولم تستطع مكونات البيئة استيعابها

والتخلص منها ذاتياً مما ترتب عليه كثير من المخاطر والأض ا رر سواء على الإنسان نفسه

تمثلت فى ظهور العديد من الأم ا رض التى أثرت على حياته وصحته ، أو على الموارد الطبيعية

-٧٢-

ذاتها بحيث أصبحت هذه الموارد حالياً أقل صلاحية وأكثر ضر ا رً عما كانت عليه فى صورتها

الأصلية التى أوجدها عليها الله سبحانه جل شأنه .

فقد امتد التلوث البيئى وشمل كل شئ : الهواء الذى نستنشقه، والغذاء الذى نأكله ،

والنبات الذى ن زرعه، فهو يحيط بالإنسان من كل الجوانب ويهدد معيشته واستق ا رره وأمنه.

لذا ، فإن هذه الورقة البحثية تستهدف إلقاء الضوء على قضية التلوث البيئى للموارد

الطبيعية بصفة عامة والز ا رعية منها خاصة ، والتعرف على الأسباب الكامنة و ا رء تلوث الموارد

الطبيعية والز ا رعية والآثار المترتبة عليها وانعكاسات ذلك على التنمية الاقتصادية والز ا رعية

للمجتمع سعياً و ا رء التوصل إلى بعض السياسات والإج ا رءات التى يمكن معها الحد من أو

تقليل الآثار المترتبة على التلوث البيئى بما يساعد فى تحقيق معدلات مرتفعة من النمو

والتنمية الاقتصادية بصفة عامة والز ا رعية خاصة .

ولقد اعتمدت الد ا رسة بصفة أساسية على الأسلوب الاستق ا رئى الوصفى للحقائق

التاريخية والعلمية المستمدة من الد ا رسات والم ا رجع العلمية المتخصصة فى موضوع الد ا رسة .

البيئة والتلوث البيئى :

يقصد بالبيئة بصفة عامة الوسط المحيط بالإنسان ، والذى يشمل كافة الجوانب سواء

أكانت مادية أم غير مادية ، وسواء أكانت بشرية أم غير بشرية ، فهى عبارة عن الإطار الذى

يحيا فيه الإنسان مع غيره من الكائنات الحية وغير الحية فى تفاعل متبادل وفق نظام دقيق

ومثل هذا النظام يتكون من أربعة مجموعات ، Eco- System ومتوازن يعرف بالنظام البيئى

رئيسية يربط بينها صلات وثيقة ضرورية لحياتها واستم ا رر بقائها ، وهذه المجموعات الأربعة

تتمثل فى :-

Non-Living Elements ١- العناصر الطبيعية غير الحية

هذه العناصر تضم مقومات الحياة الأساسية ، وتشمل الهواء وما يحتويه من غا ا زت

(الأكسجين ، النتروجين ، ثانى أكسيد الكربون وغيرها) ، والمياه بصورها المختلفة

(بخار ماء ، وماء سائل ، جليد صلب) ، وكذلك الشمس وما ينبعث منها من ضوء منظور

-٧٣-

وغير منظور (الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحم ا رء) وما ينبعث منها أيضاً من حا ررة ، كما

تضم هذه المجموعة أيضاً كل من العناصر المعدنية والتربة .

Producers Elements ٢- عناصر الإنتاج

تشمل النباتات الخض ا رء بكافة أنواعها ، وهذه العناصر تتسم بقدرتها على إنتاج غذائها

بنفسها ، فهى تمتص غاز ثانى أكسيد الكربون من الهواء ، وتمتص الماء والأملاح المعدنية

من التربة وتصنع منهما (فى وجود مادة الكلوروفيل والطاقة الشمسية) جميع أنواع المركبات

العضوية التى يحتاجها النبات (مواد كربوهيد ا رتية، مواد دهنية ، مواد بروتينية)، وينطلق منها

فى النهاية غاز الأكسجين الضرورى لحياة الكائنات الحية.

Consumers ٣- عناصر الاستھلاك أو المستھلكون

هذه العناصر لا تستطيع وفقاً لتركيبها البيولوجى أن تصنع غذاءها بنفسها ، بل على

العكس فهى تعتمد على غيرها فى إعداده ، وتشمل هذه المجموعة الكائنات الحية (الإنسان-

الحيوان- وغيرها) .

Decomposers ٤- عناصر التحلل

تشمل كل ما يتسبب فى تحلل أو تلف مكونات البيئة الطبيعية المحيطة بها

ومن أمثلتها البكتريا والفطريات وبعض أنواع الحش ا رت التى تشترك فى تحليل أجسام النباتات

والحيوانات الميتة ، ولهذه المجموعة دور وفائدة كبيرة فى استم ا ررية الحياة حيث ينتج منها

بعض العناصر البسيطة التى يمكن أن تستفيد منها النباتات ، وذلك بامتصاصها من التربة

وتكوين غذاؤه .

وفى الواقع فإن هذه العناصر البيئية الأربعة يكون بينها كما سبق القول توازن حازم

ودقيق بحيث تعتمد كل مجموعة على المجموعات الأخرى فى تكاملية توافقية تضمن حفظ

ذى 􀑧􀑧 نع لله ال 􀑧􀑧 ص…: توازن النظام البيئى ككل ، مصداقاً لقوله عز وجل فى قرآنه الكريم

،(٢) وخلق كل شئ فقدره تقدير اً ... ، (١) أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون

. ١) سورة النمل ، الآية ٨٨ )

-٧٤-

ا 􀑧 ى وأنبتن 􀑧 ا رواس 􀑧 ا فيھ 􀑧 ددناھا وألقين 􀑧 والأرض م  ، (١)  إنا كل شئ خلقناه بقدر 

.(٢) فيھا من كل شئ موزون

ومن ثم فان أى خلل أو نقص فى عناصر أو مكونات أى مجموعة من تلك المجموعات

الأربعة من شأنه أن يؤدى إلى فقدان النظام البيئى ككل . وبالتالى حدوث

مشاكل بيئية قد تصل إلى حد نضوب وفناء المورد الاقتصادى ذاته .

فعلى سبيل المثال فإن ارتفاع درجة الحا ررة عن معدلها الطبيعى نتيجة قيام الإنسان

بإ ا زلة الغابات والغطاء النباتى للتربة من شأنه أن يؤثر فى تغيير نظام هطول الأمطار على

سطح الأرض مما قد يكون له تأثير على الإنتاج الز ا رعى فى الكثير من دول العالم .

فقد تواجه بعض الدول والمناطق انخفاضاً فى إنتاجها الز ا رعى نتيجة للتغي ا رت الحادثة

فى المناخ ومعدلات هطول الأمطار ، كما قد يتسبب هذا الارتفاع فى درجة الحا ررة فى زيادة

نسبة البخر فى مياه البحار والأنهار مما قد يقلل من كميات المياه المتدفقة فى هذه البحار

والأنهار ، ويؤدى أيضاً إلى حدوث موجات من الجفاف خصوصاً فى المناطق التى تعتمد على

هذه البحار والأنهار فى نشاطها الز ا رعى (كما هو الحال حالياً فى كثير من دول أفريقيا) .

ومن ثم يتضح لنا أن أى تدخل فى النظام البيئى من جانب الإنسان دون وعى أو إد ا رك

من شأنه أن يفسد التوازن الطبيعى فى هذا النظام ، ويؤدى إلى اضط ا ربه بحيث يصبح هذا

النظام البيئى غير قادر على إعالة الحياة بشكل عادى ، ومثل هذا الاضط ا رب سوف يعود مرة

أخرى للإنسان ، ولكن فى صورة ملوثة يترتب عليها الكثير من المشاكل والأض ا رر.

الأسباب الكامنة وراء التلوث البيئى :

يقصد به بصفة عامة كل ما يؤثر فى جميع : Environmental Pollution التلوث البيئى

عناصر البيئة بما فيها من نبات وحيوان وإنسان ، وكذلك كل ما يؤثر فى تركيب العناصر

الطبيعية غير الحية (الهواء ، البحار والأنهار ، التربة وغيرها) ، أى أنه إفساد لمكونات البيئة

نتيجة وجود أى مادة أو طاقة فى غير مكانها وزمانها ، وكمياتها المناسبة ، أو أنها عبارة

. ٢) سورة الفرقان ، الآية ٢ )

. ١) سورة القمر ، الآية ٤٩ )

. ٢) سورة الحجر ، الآية ١٩ )

-٧٥-

عن وجود أى مواد داخلية تغير من الخواص الفيزيقية أو الكيمائية أو الحيوية لكل أو بعض

مكونات البيئة بحيث تتحول من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة تفقدها دورها فى صنع الحياة

ويترتب عليها حدوث آثار ضارة على الإنسان والحيوان والنظام البيئى على السواء .

فى الواقع فإن التلوث البيئى يعد أحد صور الفساد التى يتسبب فيها الإنسان ، فلقد

سخّر الله عز وجل كل ما فى البيئة المحيطة لخدمة الإنسان غير أن الإنسان بسلوكه الخاطئ

وغير الواعى ألحق الكثير من الأض ا رر بالبيئة ، وما فيها من موارد وإمكانيات الأمر الذى

انعكس على جميع الكائنات الحية من نبات وحيوان بالإضافة إلى ذاته ، فالإنسان هو

المسئول الأول عن تلوث البيئة المحيطة بكافة جوانبها (الماء ، الهواء ، التربة) ، كما أنه

صاحب المصلحة الحقيقة فى حمايتها والمحافظة عليها من التدهور والنقصان ، ولقد صدق

اس 􀑧􀑧 دى الن 􀑧􀑧 بت أي 􀑧􀑧 ا كس 􀑧􀑧 ر بم 􀑧􀑧 ر والبح 􀑧􀑧 ى الب 􀑧􀑧 اد ف 􀑧􀑧 ر الفس 􀑧􀑧 ظھ  : الله فى قوله تعالى

. (١) ليذيقھم بعض الذى عملوا لعلھم يرجعون

وفى الحقيقة فإن التلوث البيئى أصبح اليوم ظاهرة عالمية لا تخص دولة بذاتها ، بل

على العكس من ذلك فهى ظاهرة عابرة لحدود دول العالم المختلفة ، فهو لا يعرف حدوداً

سياسية أو جغ ا رفية يقف عندها ، فآثاره السيئة تمتد إلى الدول الأخرى دون سابق إنذار ،

ومما يؤكد ذلك ما حدث للمفاعل النووى فى تشرنوبل (أبريل ١٩٨٦ ) ، وما ترتب عليه من

تعرض الكثير من الدول الأوربية ودول غرب أفريقيا وشمال أسيا .

وكذلك ما تم اكتشافه مؤخ ا رً من وجود ثقب فى طبقة الأوزون بالغلاف الجوى للكرة

الأرضية حيث إنّ مصدر هذا الثقب الأساسى هو الدول المتقدمة صناعياً ، ولكن آثاره السيئة

لم تقتصر على هذه الدول وحدها ، بل امتدت إلى جميع سكان الكرة الأرضية ، ومن هذا

المنظور فقد أصبح الاهتمام بقضية البيئة وحمايتها أما رً حيوياً يهم جميع دول العالم بغض

النظر عن انتماءاتها السياسية أو درجة تقدمها الاقتصادى ، وإن كان اهتمام الدول المتقدمة

يزداد عن مثيله فى الدول النامية ، فالدول المتقدمة تعطى حالياً أولوية فى ب ا رمجها الاقتصادية

لمشكلة التلوث البيئى بعكس الحال فى الدول النامية ، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن الدول

. ١) سورة الروم ، الآية ٤١ )

-٧٦-

المتقدمة قد وصلت إلى مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادى والرفاهية الاقتصادية لسكانها ،

مما جعلها تسعى جاهدة إلى حماية البيئة من الآثار السلبية للتقدم الصناعى والتكنولوجى

المت ا زيد الذى وصلت إليه ، بينما يتغير الحال فى الدول النامية ؛ فنظ ا رً لأنها لم تصل بعد إلى

تحقيق الحاجات والرغبات الضرورية لسكانها من غذاء وكساء فإن الاهتمام بالمشاكل البيئية

ينصب على الوسائل التى يمكن بها إشباع هذه الحاجات من ناحية والمحافظة على مواردها

الطبيعية من التدهور والنقصان من ناحية أخرى دون أى اعتبار للمشاكل البيئية التى يمكن أن

تترتب على استخدامها للمتاح من مواردها الطبيعية .

وفى الحقيقة فإن هناك نوعين رئيسيين للتلوث الذى يحدثه الإنسان فى البيئة المحيطة

: الأول يتسم بتأثيره غير المباشر على الإنسان ، ومن أمثلته ذلك التلوث الذى يحدثه الإنسان

فى مكونات البيئة المحيطة به من هواء وماء وتربة ز ا رعية ومن ثم ينعكس آثار ما أحدثه فى

تلك المكونات عليه شخصياً ، أما النوع الآخر فله تأثير مباشر على الإنسان نفسه كالتلوث

السمعى والضوضاء وغيرهما من الملوثات التى يتسبب فيها ويكون أول من يتأثر بها .

كما تختلف درجة خطورة الملوثات على البيئة المحيطة اختلافاً كبي ا رً ، وتت ا روح

ما بين التلوث المقبول ، والتلوث الخطر ، والتلوث شديد الخطورة .

فالتلوث المقبول عبارة عن التلوث الذى لا يصاحبه أى أخطار واضحة تمس مظاهر

الحياة ، وفى الحدود المسموح بها من قبل المنظمات والهيئات الدولية على سطح الأرض ،

ومن ثم فهى لا تشكل أى مشاكل بيئية ، وهذه الدرجة من التلوث كانت قائمة فى معظم دول

العالم قبل قيام الثورة الصناعية فى منتصف القرن الثامن عشر ؛ حيث كانت التقنية الذاتية

للبيئة قادرة على استيعاب هذه الدرجة واحتوائها بسرعة . أما التلوث الخطر فهو عبارة عن

الدرجة التى تتعدى فيها الملوثات البيئة حد الخط الآمن مما يؤدى إلى اختلال النظام البيئى

ككل ، وبالتالى تنشأ الأخطار على مكونات البيئة سواء الحية أو غير الحية ، ومثل هذه

الدرجة من التلوث اقترن ظهورها بالثورة الصناعية وما ترتب عليها من زيادة المخلفات

والبقايا الناشئة عن التطور الصناعى والتكنولوجى المصاحب لهذه الثورة والتى ما ا زل تأثيرها

مستم ا رً حتى وقتنا ال ا رهن . فى حين أن التلوث شديد الخطورة عبارة عن التلوث الذى تتعدى

فيه الملوثات البيئية الحد الخطر لتصل إلى حد التدمير .

-٧٧-

تلوث الموارد الطبيعية الزراعية ...أسبابه... آثاره :

لاشك أن الموارد الطبيعية الز ا رعية المتاحة فى أى مجتمع سواء الأ رضية منها أو

المائية دور بارز فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية ورفاهية هذا المجتمع ، فالأرض تعد العامل

الرئيسى للإنتاج الز ا رعى ، ولا يمكن أن نتصور إنتاج ز ا رعى بدون وجود عنصر الأرض ، كما

أن الز ا رعة لن تقوم بدون الماء ، ومن ثم فإن أى إفساد لهذه الموارد الطبيعية ، والتى يجعلها

غير صالحة للاستخدام بكفاءتها الطبيعية له مردود عكسى على النمو والتنمية الاقتصادية

بالمجتمع .

وفى الواقع فإن هناك العديد من الصور التى تبرز لنا مصادر الإفساد فى الموارد

الطبيعية الز ا رعية ، لعل من أبرزها وأهمها على الإطلاق التلوث الكيميائى الذى أحدثه الإنسان

للموارد الطبيعية الز ا رعية باستخدامه للمواد الكيماوية المختلفة كالأسمدة الكيماوية والمبيدات

والهرمونات ومنظمات النمو وغيرها كوسيلة لزيادة الإنتاج الز ا رعى دون أن يتجنب الآثار

الجانبية لاستخدام هذه المواد الكيماوية على البيئة المحيطة من نبات وحيوان وتربة ز ا رعية ،

وبالطبع على الإنسان الذى يعد المستهلك الرئيسى للإنتاج الز ا رعى بشقيه النباتى والحيوانى .

١- تلوث التربة الزراعية :

أ- المبيدات وأثرھا على البيئة الزراعية :

يعد التلوث بالمبيدات الحشرية والفطرية من أهم صور التلوث المادى للتربة والإنتاج

الز ا رعى الذى عرفه الإنسان بداية من النصف الثانى من القرن العشرين ، وبالتحديد بعد

الحرب العالمية الثانية ، وذلك عندما لجأ إليها كوسيلة للسيطرة على الآفات والأم ا رض التى

تصيب النباتات وساعد على انتشارها بدرجة كبيرة استخدام الطائ ا رت لرشها فى المساحات

الشاسعة المزروعة بمناطق مختلفة من العالم بداية من عام ١٩٢٠ ، وفى الواقع فإنه بالرغم

من الدور الذى تلعبه هذه المبيدات فى تقليل مخاطر الإصابة بالآفات التى تصيب النباتات

الز ا رعية والحش ا رت والطفيليات التى تنقل الأم ا رض المختلفة للإنسان والحيوان ، فهى كذلك تعد

فى الحقيقة أحد عناصر الإنتاج الز ا رعى الرئيسية التى لا يمكن الاستغناء عنها كاملاً كوسيلة

-٧٨-

لمكافحة الآفات والحش ا رت التى لو تركت وشأنها فسوف تقضى على المحاصيل المنزرعة ،

وذلك لأن هناك الملايين من الحش ا رت والأم ا رض النباتية بالإضافة إلى الحشائش التى يمكن أن

تصيب المحاصيل والنباتات الز ا رعية، إلا أن الإف ا رط فى استخدامها وعدم المعرفة السليمة

لنوعية ودرجة تركيز المبيد المستخدم منها ترتب عليه الكثير من الأض ا رر على صحة الإنسان

والحيوان وعلى النبات والتربة الز ا رعية ذاتها للدرجة التى دعت الكثير من المنظمات الدولية

إلى التحذير والمطالبة بالحد من استخدام الكثير من هذه المبيدات وعلى أ رسها مبيد قديم

يعرف الد.د.ت، ولعل من أبرز وأهم الآثار السلبية الناجمة عن الإس ا رف فى استخدام المبيدات

الحشرية عن معدلاتها الضرورية

ما يلى :

١- يؤدى الإف ا رط فى استخدام المبيدات الكيماوية عن الحد اللازم له إلى امتصاص النباتات

المرشوشة لجزء من هذه المبيدات وتقوم بتخزينها فى أنسجتها وجذورها وأو ا رقها مما

يسبب كثي ا رً من الأض ا رر للإنسان والحيوانات التى تتناولها مباشرة، أو تسبب أضا ر ا رً غير

مباشرة للإنسان من خلال تناوله للمنتجات الحيوانية الملوثة بالمبيدات (البيض ، اللبن ،

اللحوم ... إلخ) .

٢- يؤدى رش المحاصيل الز ا رعية بالمبيدات الكيماوية إلى القضاء على الكائنات الدقيقة

الموجودة بالتربة (عناصر التحلل كالبكتريا المثبتة للنتروجين والبكتريا العقدية) ، والتى

تسهم فى تحليل المواد العضوية الموجودة بالتربة والمعروفة بالدبال مما يكون له بلاشك

تأثير على خصوبة التربة الز ا رعية .

٣- يؤدى الإف ا رط فى استخدام تلك المواد الكيماوية إلى إحداث خلل فى التوازن الطبيعى القائم

بين الآفات وأعدائها الطبيعية ؛ حيث يساعد استخدام المبيدات الحشرية فى القضاء على

هذه الأعداء الطبيعية مما يزيد من فرص انتشار الآفات من ناحية ، ويزيد من تكاليف

مقاومتها من ناحية أخرى ، ولعل اختفاء الطائر المعروف بأبو قردان والحدأه من الريف

المصرى لخير شاهد على ذلك .

٤- يؤدى الإف ا رط فى استخدام المبيدات من ناحية واستخدامها لفت ا رت زمنية طويلة من ناحية

أخرى إلى اكتساب كثير من الحش ا رت والآفات مناعة ضد المبيدات المستخدمة ، مما يزيد

من شدة الحرب بين الإنسان والحش ا رت ويضطر العلماء إلى إنتاج أنواع أخرى جديدة من

-٧٩-

المبيدات أو إنتاج مبيدات أكثر فعالية وأشد سمية للتغلب على مقاومة الحش ا رت والآفات

لها ، الأمر الذى يزيد من درجة المخاطر والأض ا رر على صحة الإنسان والحيوان .

٥- إن كثير من المبيدات الحشرية يبقى آثارها لمدة طويلة فى التربة الز ا رعية مما يعنى

استم ا رر تأثيرها السلبى على النبات والحيوان والإنسان لمدة زمنية قد تستمر لعدة سنوات

فعلى سبيل المثال فإن الد ا رسات تشير إلى أن الأ ا رضى الز ا رعية المصرية

لا ت ا زل تحتفظ ببقايا المبيدات التى استخدمت فى مصر منذ أكثر من عشرين عام اً

٤١ % من نسبة المبيد المستخدم (محمد - مضت ، وقد ت ا روحت نسبتها ما بين ١٠

. ( أرناؤوط، ١٩٩٩

٦- لا تتوقف الآثار السلبية للمبيدات عند هذا الحد ، بل يمتد تأثيرها إلى التجارة الخارجية

للكثير من السلع والمنتجات الز ا رعية وخاصة شديدة التأثر بتلك المواد الكيماوية كمحاصيل

الخضر والفاكهة فى الكثير من دول العالم (وخاصة النامية منها) ، حيث يؤدى الإف ا رط فى

استخدام المواد الكيماوية بصفة عامة والمبيدات على وجه الخصوص إلى الأض ا رر

بسياسة تصدير الحاصلات الز ا رعية لتلك الدول وذلك عندما تتجاوز مستوى متبقيات

المبيدات والحد المسموح به لدى الدول المستوردة حيث تقوم برفضها مما يسبب خسارة

كبيرة فى الدخل القومى للدول المصدرة نتيجة تلوث منتجاتها الغذائية ، ولعل ما حدث

للصاد ا رت المصرية من البطاطس فى السنوات الماضية لخير مثال على ذلك .

ب- الأسمدة الكيماوية وأثرھا على البيئة الزراعية :

فى ظل الطلب المت ا زيد على الغذاء والكساء كنتيجة للزيادة المستمرة فى أعداد السكان

من ناحية ومحدودية الأ ا رضى الصالحة للز ا رعة وتناقص خصوبتها من ناحية

أخرى ، فقد لجأ الإنسان إلى استخدام أنواع مختلفة من المخصبات الز ا رعية بهدف العمل على

زيادة خصوبة التربة ومن ثم زيادة إنتاجها من المحاصيل الز ا رعية المختلفة . ومن المعروف

أن المخصبات الز ا رعية التى يستخدمها الإنسان فى الإنتاج الز ا رعى تنقسم إلى نوعين

رئيسيين هما :

النوع الأول : عضوى ناتج من مخلفات الحيوان والطيور والإنسان .

-٨٠-

النوع الثانى : كيماوى ناتج من تصنيع عناصر كيميائية معينة يحتاج إليها النبات والتربة

(الآزوت - الفوسفور - البوتاسيوم) .

وفى الحقيقة فإنه بالرغم من أهمية المخصبات الز ا رعية كوسيلة لزيادة الإنتاج الز ا رعى

خصوصاً فى الأ ا رضى التى تفتقر إلى المادة العضوية الأساسية (الدبال) ، إلا أن الإف ا رط فى

استخدامها (وخاصة الكيماوية منها) بدرجة تفوق الاحتياجات الفعلية للتربة والنبات، له مردود

سلبى على مكونات البيئة الز ا رعية (النبات - الحيوان - التربة) بالإضافة إلى الإنسان الذى

يعد المستهلك الرئيسى للإنتاج الز ا رعى ، ولعل من أبرز تلك الآثار السلبية الناجمة عن

الإس ا رف فى استخدام الأسمدة فى الز ا رعة ما يلى :

١- يؤدى الإف ا رط فى استخدام الأسمدة الكيماوية بكميات تفوق حاجة النبات وفى مواعيد غير

مناسبة لنموه ، إلى ت ا ركم الكميات ال ا زئدة منها فى أنسجة وجذور وأو ا رق النباتات

المنزرعة مما يتسبب فى تغير صفاتها الطبيعية والكيمائية ، فالإف ا رط فى استخدام الأسمدة

النتروجينية على سبيل المثال يؤدى إلى ت ا ركم كميات كبيرة من النت ا رت فى أو ا رق وجذور

محاصيل الخضر والفاكهة مما يتسبب فى تغير طعم ولون هذه المحاصيل ، كما أن

الإس ا رف فى استخدام النت ا رت عن المعدل الطبيعى له

١٥ مليج ا رم لكل كيلو ج ا رم من وزن الإنسان يومياً) يؤدى من ناحية أخرى إلى إصابة )

الإنسان بالعديد من الأم ا رض الخطيرة كالأو ا رم السرطانية وغيرها .

٢- يؤدى الإف ا رط فى استخدام الأسمدة الكيماوية إلى تكوين طبقة غير مسامية بين حبيبات

التربة ويكون لها تأثير سلبى على التربة الز ا رعية ذاتها حيث يؤدى إلى ارتفاع مستوى

الماء الأرضى وارتفاع درجة الملوحة بها إضافة إلى تأثيره على تهوية التربة ويؤدى إلى

موت جذور النباتات المنزرعة ، وليس هذا فقط بل إنه قد يؤدى هذا الإف ا رط إلى عجز

النبات عن امتصاص العناصر الغذائية الموجودة فى التربة والتى يحتاجها فى نموه ويقوم

بتحويل هذه العناصر الغذائية إلى مواد لا يستطيع النبات امتصاصها مما يؤدى إلى

حدوث نقص فى نمو النبات ، حيث اثبت الد ا رسات أن الإس ا رف فى استخدام الأسمدة

الفوسفاتية مثلاً يؤدى إلى ت رسيب بعض المعادن النادرة (كالنحاس) ويحولها إلى مواد لا

يستطيع النبات امتصاصها والإستفاده منها .

-٨١-

٣- إن هناك الكثير من كمركبات الأسمدة الكيماوية تعد فى الحقيقة مركبات ثابتة لايمكن

التخلص منها بسهولة وتبقى آثارها فى التربة لمدة طويلة قد تصل لمدة تت ا روح ما بين

١٠ سنوات مركبات الفوسفور مما يعنى امتداد أثرها فى التربة لفترة زمنية طويلة . -٥

٤- لا يتوقف أثر الأسمدة الكيماوية عند هذا الحد ، بل إن زيادة الكميات المضافة منها عن

الحاجة الفعلية للنبات سوف تؤدى إلى ت ا ركم جزء منها فى التربة ، وهذا الجزء المت ا ركم

سوف يذوب فى مياه الرى ويتسرب إلى المياه الجوفية فى باطن الأرض مما يؤدى إلى

تلويثها أو قد يتسرب إلى المصارف الز ا رعية والمجارى المائية المجاورة للأ ا رضى الز ا رعية

والتى تعد مصد ا رً لشرب الإنسان أو لمعيشة بعض الكائنات الحية كالأسماك مما يؤدى إلى

حدوث أض ا رر بالغة سواء للإنسان أو للكائنات الحية الموجودة بالمجارى المائية .

٥- يؤدى الإف ا رط فى استخدام الأسمدة العضوية إلى انتشار الأم ا رض الحشرية والفطرية وإلى

هدم دبال التربة مما يفقدها خصوبتها وقدرتها على الإنتاج .

ج- الملوثات الأخرى للتربة الزراعية :

لا يتوقف السلوك الإنسانى لتلويث التربة الز ا رعية عند حد تلويثها كيميائياً باستخدام

المبيدات والأسمدة الكيماوية ، بل إن إس ا رف الإنسان فى استخدام مياه الرى من ناحية وعجز

شبكة الصرف الز ا رعى على تخليص التربة من فائض المياه من ناحية أخرى أديا إلى ارتفاع

مستوى المياه الأرضى وارتفاع مستوى الملوحة بالتربة فضلاً على تأثيرها على تهوية التربة

ودرجة ح ا ررتها ، ومن ثم انعكس ذلك سلبياً على الكفاءة الإنتاجية للأ ا رضى المستخدمة فى

إنتاج المحاصيل الز ا رعية .

كما أدت عمليات ز ا رعة المحصول أكثر من مرة فى الأرض بالإضافة إلى إهمال الز ا رع

لخدمة الأرض قبل الز ا رعة إلى حدوث نقص شديد فى العديد من العناصر الغذائية بالتربة ،

وهذا الأمر انعكس فى حدوث تدهور كبير فى إنتاجيتها للمحاصيل الز ا رعية المختلفة ؛ حيث

أوضحت إحدى الد ا رسات أن العجز فى العناصر الصغرى فى التربة المصرية على سبيل المثال

% بعد إنشاء السد العالى عام ١٩٦٠ بلغ حوالى ٨٠ % فى عنصر الحديد ، وحوالى ٨٣,٤

فى عنصر المنجنيز ، وحوالى ٨٠,٢ % فى عنصر الزنك ، ونحو ٧٦,٥ % فى عنصر النحاس

-٨٢-

، الأمر الذى يبرز مدى الانخفاض فى خصوبة التربة المصرية مما أثر على قدرتها الإنتاجية

.

٢- تلوث المياه :

يعد الماء من أهم الموارد الطبيعية المتاحة فى أى بنيان اقتصادى فهو يعد وسيلة

الحياة والنماء لأى مجتمع ، ولا يمكن أن نتصور وجود حياة على سطح الأرض بدون وجود

الماء ، فكلمة الماء هى الم ا ردف الحقيقى لكلمة الحياة ، فجميع الكائنات الحية وعلى أ رسها

الإنسان تعتمد اعتماداً أساسياً على الماء كوسيلة للحياة والنماء ، فالماء يعنى الز ا رعة

والغذاء والش ا رب والطاقة ، ويكفى أن نقول بأن الماء يمثل مالا يقل عن ٧٥ % من تكوين

جسم الإنسان ونحو ٩٠ % من تكوين النبات ، فالماء ضرورة من ضروريات الحياة وكلما ا زد

تقدم الإنسان كلما ازدادت احتياجاته من الماء ، هذا ومن ناحية أخرى فإن للماء دور هام فى

قيام وازدهار الحضا ا رت الإنسانية منذ الآلاف السنين ، فالشواهد التاريخية تشير إلى أن العديد

من الحضا ا رت نشأت وازدهرت حول الأنهار ، وليس أدل على ذلك من الدور الذى قام به نهر

النيل فى قيام وازدهار الحضارة المصرية فقد ارتبطت هذه الحضارة منذ قديم الزمن ارتباطاً

وثيقاً بالنيل ، وكذلك الحال بالنسبة للحضا ا رت التى ازدهرت فى الع ا رق ، والتى ارتبطت بنهرى

دجلة والف ا رت ، الأمر الذى يبرز العلاقة الوثيقة بين الماء وتقدم ونمو المجتمعات الإنسانية .

ولا تتوقف أهمية الماء عند هذا الحد لأن الموارد المائية تعتبر المصدر الوحيد للثروة

السمكية والتى تعد أحد المصادر الغذائية المهمة فى العالم فضلاً عن دور المياه فى ربط أج ا زء

العالم ببعضها البعض من خلال وسائل النقل البحرى المختلفة . وصدق سبحانه جل شأنه فى

. (١)  وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا تؤمنون ...  قوله العزيز

ومن ثم فإن أى تلويث للمياه بحيث يجعلها غير صالحة للاستخدام أو يجعلها تفقد

بعض أو كل من قيمتها الاقتصادية يعد إفساداً لمورد مهم يختلف عن غيره من الموارد

الطبيعية فى أن الكميات المتاحة من المياه العذبة الصالحة للاستخدام على سطح الكرة

الأرضية ثابتة ومحدودة ، حيث تقدر كمية المياه المتاحة على مستوى العالم بنحو ١,٣٨٦

. ١) سورة الأنبياء ، الآية ٣٠ )

-٨٣-

مليار متر مكعب ، منها حوالى ٢,٦ % تمثل المياه العذبة فى حين أن الباقى يمثل مياه بحار

أو مياه مالحة ، فضلاً على أن حوالى ٧٥ % من حجم المتاح من المياه العذبة يوجد محبوساً

فى صورة غطاءات جليدية تت ا ركم بالمناطق القطبية الشمالية والجنوبية ، ولا يستفيد منها

الإنسان ، الأمر الذى يعنى بأن الجزء الصالح الذى يستخدمه الإنسان بأعداده الكبيرة ، والتى

وصلت فى بداية القرن الحادى والعشرين إلى حوالى ٦ مليار نسمة يقل عن ٠,٦ % من

إجمالى الحجم المتاح من المياه العذبة الأمر الذى يبرز قلة المعروض للاستخدام من المياه

العذبة على مستوى العالم ، فإذا ما أضفنا إلى ذلك التوزيع المتغير لهذه المياه العذبة على

مناطق العالم ، حيث توجد بعض الدول التى تتسم بوجود وفرة لديها فى الموارد المائية (أوربا

وأمريكا اللاتينية) فى حين يوجد العديد من الدول التى تعانى من نقص وشح فى مواردها

المائية العذبة (كما هو الحال فى معظم الدول العربية وخاصة الخليجية منها)

لا تضح لنا مدى أهمية الحافظ على هذا القدر المحدود من المياه العذبة وجعله صالحاً

للاستخدام فى الأغ ا رض المختلفة وخاصة الآدمية منها .

وفى الواقع فإنه لكى تكون المياه العذبة صالحة للاستخدام فى الأغ ا رض المختلفة فلابد

من أن يتوافر فيها مجموعة من المواصفات الخاصة التى تتمثل فى :

١- أن تكون عديمة اللون والطعم وال ا رئحة .

٢- أن تكون خالية من الكائنات الدقيقة كالبكتريا والفيروسات والطحالب وغيرها .

٣- خلوها من الكيماويات بأنواعها كالمبيدات والأسمدة الكيماوية وغيرها .

٤- خلوها من أى أثر للحموضة أو للقلوية أى متعادلة .

ومن ثم فإن أى تلويث للمياه يؤدى إلى تغير فى مواصفاتها ويقلل من قدرتها على أداء

دورها الطبيعى بحيث لا تكون مناسبة للاستخدامات الآدمية أو الز ا رعية أو الصناعية

المخصصة لها يعد إهدا ا رً لهذا المورد الإست ا رتيجى الذى لا يمكن الاستغناء عنه وإيجاد بديل له

، وفى الواقع فإن فكرة تلوث المياه لم تكن تشغل الأذهان فيما مضى ، فقد كان هناك اعتقاد

سائد فى الماضى مؤداه إن الأنهار والبحار والمحيطات وغيرها من المجارى المائية تعد من

انسب الأماكن لإلقاء البقايا والمخلفات الإنتاجية والاستهلاكية للنشاط الإنسانى ، ولم يفكر

الإنسان بأن هذه البقايا والمخلفات التى يلقيها فى المجارى المائية سوف تعود إليه مرة أخرى

-٨٤-

عند شربه أو عند ريه لمحاصيله الز ا رعية أو نتيجة استهلاك أسماكه مما يجلب له أضا ر ا رً

بالغة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .

وفى الواقع فإن هناك العديد من الأسباب التى تؤدى إلى تلويث المياه ومصادرها

الرئيسية (البحار ، المحيطات ، الأنهار ، خ ا زنات المياه السطحية والجوفية) وتجعلها غير

صالحة للاستخدامات المختلفة ، ولعل من أبرز وأهم الأسباب المسئولة عن تلويث المياه

والمصادر المائية بصفة عامة ما يلى :

١- إلقاء المخلفات والبقايا البشرية فى المجارى المائية كمخلفات الصرف الصحى ومخلفات

المصانع غير المعالجة ، والتى تحتوى فى الغالب على مواد كيماوية سامة .

٢- إلقاء الحيوانات النافقة والقمامة والعوادم وغيرها فى المجارى المائية .

٣- إلقاء بقايا السفن والبواخر وما يتسرب منها من مواد بترولية وكيماوية إلى البحار

والمحيطات .

٤- مياه الأمطار التى تكون محملة بالملوثات المختلفة من الهواء أثناء هطول الأمطار

الحمضية .

٥- الاستخدام الكثيف للمبيدات والأسمدة الكيماوية فى الز ا رعة حيث تت ا ركم الكميات ال ا زئدة

منها فى التربة وتذوب مع مياه الرى لكى تتسرب إلى المجارى المائية السطحية أو إلى

المياه الجوفية بباطن الأرض .

٦- انتشار الحشائش والنباتات المائية فى المجارى المائية مما يعوق حركة المياه ويؤدى إلى

ركودها وزيادة نمو القواقع الناقلة للأم ا رض (كالبلهارسيا وغيرها) فضلاً على استهلاكها

لكميات ضخمة من المياه كما هو الحال فى انتشار ورد النيل حالياً فى المجارى المائية

المصرية .

-٨٥-

انعكاسات التلوث البيئى على التنمية الاقتصادية الزراعية :

لقد تبين من التحليل السابق الآثار السلبية لتلويث الإنسان للمتاح من موارده الز ا رعية

سواء أكانت أرضية أم مائية ، الأمر الذى لابد وأن يكون له مردود عكسى على مجالات

التنمية الز ا رعية بالمجتمع ، فالإنسان هو غاية وهدف أى تنمية وفى نفس الوقت فهو وسيلة

تحقق تلك التنمية ، ومن ثم فإن الحفاظ على صحة الإنسان ورفاهيته يعدا من أهم الأهداف

التى تنشدها أى خطط أو ب ا رمج تنموية .

ولتحقيق الأهداف المنشودة من أى ب ا رمج تنموية فإن الأمر يقتضى ضرورة استغلال

الموارد الاقتصادية المتاحة بالبيئة المحيطة به (الهواء ، الماء ، الأرض) استغلالاً أفضل وفى

الوقت نفسه يحافظ عليها من التدهور والنقصان ، حيث من المعروف أن هناك علاقة تبادلية

متشابكة بين الموارد الاقتصادية والتنمية البيئية ، فالتنمية الاقتصادية لا يمكن أن تحدث بدون

موارد اقتصادية ، وكلما ا زد حجم الموارد الاقتصادية بصفة عامة والطبيعية منها على وجه

الخصوص ، كلما ا زدت فرص التنمية والعكس صحيح فإن أى نقص أو تدهور فى نوعيتها

يمكن أن يؤدى إلى تعثر خطط وب ا رمج التنمية الاقتصادية فى المجتمع وفى نفس الوقت فإن

الموارد الاقتصادية لا توجد إلا فى بيئة يتفاعل معها الإنسان ويسخرها لإشباع رغباته الإنسانية

، ومن ثم فإن أى تدهور فى البيئة المحيطة يمكن أن يؤدى إلى تعثر خطط وب ا رمج التنمية

الاقتصادية بالمجتمع ، وعلى المقابل فإن هناك كثي ا رً من صور التنمية يؤدى إلى استن ا زف

موارد البيئة التى من المفترض أن تقوم عليها التنمية الاقتصادية .

كل هذه الأمور تبرز لنا أهمية الحفاظ على الموارد الاقتصادية الطبيعية المتاحة

بالمجتمع خاصة وأن هذه الموارد الطبيعية بصفة عامة والز ا رعة منها خاصة تتسم بالندرة

النسبية بحيث لا تستطيع مهما عظم حجم المتاح منها بالمجتمع على إنتاج جميع السلع

والخدمات اللازمة لإشباع جميع الرغبات الإنسانية لسكان المجتمع ، ومن ثم فإن أى إهدار أو

إس ا رف فى استخدام المتاح منها فى المجتمع سوف يؤثر بلاشك فى قدرة هذا المجتمع على

إنتاج الغذاء والكساء اللازم لسكانه محلياً مما يضطره إلى الاعتماد على خارج حدوده لتوفير

هذه الحاجة الضرورية ، الأمر الذى من شأنه أن يعيق خطط وب ا رمج التنمية الز ا رعية وإنتاج

الغذاء ومن ثم يؤدى إلى عدم استق ا رر المجتمع سياسياً واقتصادياً .

-٨٦-

العلاقة بين الموارد الاقتصادية والبيئة :

فى الواقع فإن هذا الأمر لن يتوقف عند حد الأجيال الحالية فقط ، بل يمكن أن يمتد

ذلك إلى الأجيال القادمة، فالموارد الاقتصادية المتاحة فى أى مجتمع ليست حكا رً على جيل

واحد من الأجيال البشرية ، بل على العكس فهى تعد ملكاً لكافة الأجيال الحالية والمقبلة ،

ومن ثم فإن مسئولية الأجيال الحالية لابد وأن تتعدى حدود استغلالها الحالى للمتاح من

مواردها الطبيعية الز ا رعية إلى المحافظة على هذه الموا رد من النضوب أو التبديد الناشئ عن

سوء استغلالها حفاظاً عليها للأجيال القادمة ، وبناء عليه فالأسباب سالفة الذكر وغيرها تظهر

أهمية العمل على استخدام المتاح من الموارد الاقتصادية الز ا رعية استعمالاً أفضل بما يحقق

الأهداف المنشودة من التنمية الاقتصادية بالمجتمع من ناحية وحمايتها والحفاظ على نوعيتها

من التدهور والنقصان للأجيال القادمة من ناحية أخرى ، كوسيلة فعالة لضمان نجاح واستم ا رر

جهود التنمية الاقتصادية الز ا رعية فى تحقيق الأهداف المنشودة منها سواء للأجيال الحالية أو

المقبلة .

وتعد قضية حماية الموارد الطبيعية والمحافظة عليها قضية إنسانية فى المقام الأول

فالإنسان فيها كما سبق القول هو المسئول الأول عن تلوثيها وإهدارها ، وهو أيضاً المتضرر

الأول من أثارها السلبية ، وفى نفس الوقت فإن المسئولية تقع على كاهله فى حمايتها

ووقايتها من التلوث ، الأمر الذى يقتضى من الإنسان ضرورة المحافظة على هذه الموارد من

النضوب والفناء واستغلالها بحسن وعقلانية فى تحقيق رفاهيته .

وفى الواقع فإن هناك العديد من الوسائل والأساليب التى يمكن معها حماية الموارد

الطبيعية الز ا رعية على وجه الخصوص والمحافظة عليها من التدهور النوعى الناشئ عن

تلويث الإنسان لها بعض من هذه الوسائل له صفة وقائية تقوم على أساس استخدام

لا ينجم عنها انبعاث ملوثات أو انبعاث أقل Non-Wast-Technology تكنولوجيا نظيفة للإنتاج

قدر ممكن من الملوثات فى حين إن البعض من الوسائل المتبعة لحماية الموارد الطبيعية

فيتسم بصفته الإج ا رئية التى تقوم على أساس اتخاذ الإج ا رءات والقوانين والتشريعات التى من

شأنها الحد من تلويث الموارد الطبيعية المتاحة بالمجتمع .

-٨٧-

١- الأساليب الوقائية لحماية الموارد الطبيعية الزراعية :

يعد أسلوب الز ا رعة العضوية من أهم الأساليب التكنولوجية التى بدأت فى الانتشار

مؤخ ا رً فى العديد من دول العالم وخاصة المتقدمة منها لحماية ووقاية التربة والإنتاج الز ا رعى

من أخطار التلوث الناشئ عن استخدام المواد الكيماوية (الأسمدة والمبيدات) فى الإنتاج

الز ا رعى .

والز ا رعة العضوية أو الحيوية يقصد بها النظام الإنتاجى الذى يتجنب أو يستبعد إلى

حد كبير استخدام المواد الكيماوية بصورها المختلفة فى الز ا رعة وذلك بهدف إنتاج غذاء آمن

ونظيف للإنسان من ناحية والمحافظة على خواص التربة وطبيعتها وعدم تدهورها من ناحية

أخرى ، وكذلك المحافظة على البيئة المحيطة من ناحية ثالثة ، بمعنى أن للز ا رعة العضوية

ثلاثة تأثي ا رت مختلفة .

أثير الأول : يعمل على زيادة الإنتاجية والإنتاج الز ا رعى المتحصل (جانب العرض) . 􀑧􀑧 الت

التأثير الثانى : الحصول على منتج ز ا رعى يقبل على ش ا رئه المستهلك الفرد(جانب الطلب) .

التأثير الثالث : تحسين على البيئة المحيطة (التربة الز ا رعية ومكوناتها) والحفاظ عليها من

التدهور والنقصان .

وفى الحقيقة فإن أسلوب الز ا رعة العضوية يعتمد فى مضمونه على شقين رئيسيين :

ق الأول : يتمثل فى الز ا رعة بدون أسمدة كيماوية أو مبيدات حشرية والعودة إلى 􀑧􀑧 الش

استخدام الأسمدة الحيوية والعضوية بدلاً منها ، ومثل هذا الإج ا رء يتم من خلال الاعتماد على

نظام تعاقب المحاصيل (الدورة الز ا رعية) من ناحية ، واستخدام مخلفات المحاصيل ومخلفات

الحيوان من ناحية ثانية ، واللجوء إلى المحاصيل البقولية والمخلفات العضوية للمزرعة من

ناحية ثالثة ، حيث تعمل هذه المخصبات العضوية والحيوية على تحسين خواص التربة

الكيماوية والطبيعية والحيوية بما ينعكس على إنتاجية وإنتاج المحاصيل المزروعة ، كما تزيد

من ناحية أخرى قدرة التربة الز ا رعية على مقاومة بعض أم ا رض النبات الكامنة بها ، فضلاً

على أنها تخفض من التكاليف المرتبطة بإنتاج المحاصيل الز ا رعية نتيجة للإقلال من كميات

الأسمدة الكيماوية والمبيدات المستعملة .

-٨٨-

الشق الثانى : للز ا رعة العضوية فيتمثل فى التخلص الآمن من الآفات المرضية وذلك من

خلال استخدام وسائل المكافحة الآمنة التى تقضى على الآفات بكفاءة عالية وفى نفس الوقت

لا يترتب عليها أثار جانبية سواء على الإنسان أو على الحيوان أو على النبات أو على التربة

الز ا رعية ذاتها ، وهذا الشق يعتمد فى تحقيقه على العديد من الطرق التى من أبرزها على

سبيل المثال لا الحصر الطرق التالية :

١- استخدام المبيدات الحيوية التى أساسها البكتريا أو الفطريات أو الفيروسات (المبيدات

الميكروبية) .

٢- إدخال تكنولوجيا الهندسة الو ا رثية فى مجال مكافحة الآفات بإنتاج أصناف أو سلالات

نباتية لها القدرة الذاتية على مقاومة الآفات والأم ا رض المختلفة .

٣- استخدام مانعات التغذية وهى عبارة عن مركبات لا تقتل الحشرة ولا تطردها وإنما تعمل

على منعها من التغذية وبالتالى موتها، وفى نفس الوقت لا يوجد لها أثار جانبية .

٤-استخدام الموارد الجاذبة والمواد الطاردة للحش ا رت ، حيث تعمل المواد الجاذبة (الفرمونات)

على جذب الحش ا رت إلى مصائد خاصة يمكن من خلالها تجميعها والقضاء عليها. أما

المواد الطاردة فهى مركبات غير سامة وغير محببة للحش ا رت يترتب على استعمالها طرد

الحش ا رت بعيداً عن المحاصيل المزروعة.

٥- الاتجاه إلى إكثار الأعداء الطبيعية للآفات واستخدامها فى مقاومة الحش ا رت الضارة دون

الاستعانة بالمبيدات الحشرية .

وفى الحقيقة فإن أسلوب الز ا رعة العضوية يعد أسلوباً قديماً اتبعه قدماء المصريين من

آلاف السنين حيث قاموا باستخدام الأسمدة البلدية فى ز ا رعاتهم ، ولكن مع النمو السكانى

المت ا زيد من ناحية وزيادة الاحتياجات الإنسانية من ناحية أخرى ظهرت الفجوات الغذائية للعديد

من السلع والمنتجات الز ا رعية ، مما اضطر الإنسان إلى استخدام الأسمدة الكيماوية فى تغذية

النبات وإلى استخدام المبيدات فى مكافحة الآفات والأم ا رض الضارة وذلك بغرض تعظيم

الإنتاج، غير أن إس ا رفه فى استخدام تلك الوسائل بطريقة عشوائية ودون ضوابط أدى كما

سبق الإشارة إلى تعرض مكونات وعناصر البيئة المحيطة (الماء ، الهواء، الأرض) للتلوث ،

الأمر الذى دعا بالعديد من المنظمات الدولية وعلى أ رسها منظمة الصحة العالمية ومنظمة

-٨٩-

الأغذية والز ا رعة إلى التحذير والمطالبة بالحد من استخدام تلك المركبات الصناعية والعودة إلى

الطبيعة لإنتاج وتوفير غذاء آمن ونظيف لسكان المجتمع .

ولقد أصبح أسلوب الز ا رعة العضوية فى الآونة الأخيرة ضرورة ملحة لجميع دول العالم

وخاصة النامية منها وذلك بعد قيام منظمة التجارة العالمية (منظمة الجات) ،

وما ترتب عليها من استخدام نظام إدارة الجودة الشاملة (الأيزو) فى الرقابة على حركة

الصاد ا رت والواردات العالمية ومقارنتها بالحدود القصوى المسموح بها عالمياً ، الأمر الذى

سيجعل الز ا رعة النظيفة الخالية من الكيماويات أساس للتبادل التجارى بين دول العالم وسوف

ترفض الأسواق العالمية أى منتج ز ا رعى معامل بالكيماويات .

٢- الأساليب الإجرائية لحماية الموارد الطبيعية الزراعية :

تعد المحافظة على الموارد الطبيعية والوقوف بشدة حيال مصادر تلويثها من الأمور

المهمة للمحافظة على كمية وجودة تلك الموارد الطبيعية المتاحة بالمجتمع ومن المنظور

الاقتصادى فإن حماية الموارد الطبيعية ووقايتها من التلوث يعد أقل تكلفة وأكثر كفاءة من

مكافحة الأض ا رر المترتبة على تلويثها ، حيث يصعب فى كثير من الأحيان إج ا رء تقييم مالى

واقتصادى لجميع الآثار السيئة الناشئة عن هذا التلوث وخاصة ما يتعلق منها بصحة الإنسان

الذى يعد من أعز وأغلى الموارد الاقتصادية بالمجتمع ، الأمر الذى يبرز أهمية حماية الموارد

الطبيعية بالمجتمع كأسلوب للمحافظة على المتاح منها من عوامل التدهور والفناء ، ومن أجل

تحقيق مثل هذا الهدف فقد شهد النصف الثانى من القرن العشرين اهتماماً مت ا زيداً لحماية

الموارد الطبيعية وانعقدت لذلك العديد من المؤتم ا رت الدولية كان من أبرزها مؤتمر الأرض الذى

انعقد بالب ا رزيل فى عام ١٩٩٢ ، كما صدرت العديد من التشريعات والقوانين المحلية كالقانون

رقم ٤ لسنة ١٩٩٤ ، بشأن حماية البيئة المصرية وغيره من القوانين التى استهدف حماية

الموارد الطبيعية بالدول من الأفعال والتصرفات غير الواعية للإنسان ، غير أنه على الرغم من

أهمية وضرورة تلك القوانين والتشريعات إلا أن متابعة تنفيذ تلك القوانين والتشريعات من

ناحية وتشديد العقوبات على المخالفين من ناحية أخرى بالإضافة إلى ضرورة زيادة الوعى

البيئى لدى الأف ا رد من خلال الحملات الإرشادية المكثفة فى أجهزة الإعلام المختلفة وعقد

-٩٠-

المؤتم ا رت والندوات المختلفة ، وقيام المنظمات الأهلية الحكومية وغير الحكومية بدور أكثر

فعالية فى نوعية الأف ا رد بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية ، كل تلك الأمور وغيرها تعد أكثر

فعالية من مجرد إصدار ال

المصدر: م/ مصطفى هاشم
mhae2016

م/مصطفي هاشم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 4834 مشاهدة
نشرت فى 5 ديسمبر 2013 بواسطة mhae2016

م/مصطفى هاشم

mhae2016
خريج بكالوريوس مكتبات وتكنولوجيا التعليم كلية التربية »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

431,468

تحت رعاية م/مصطفى هاشم

رأيت العلم صاحبه كريمٌ......ولو ولدته آباءُ لئِـامُ
وليس يزال يرفعه إلى أن......يُعظم أمره القوم الكرامُ
ويتبعونه في كل حالٍ......كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ماسعدت رجال......ولاعُرِف الحلال ولا الحرامُ