كيف تحصل على الحقيقة من اى شخص يحاول خداعك

أسس كشف الكذب

كيف تصبح جهاز بوليجراف متنقل لمنع الغير من خداعك

كتبت : امانى حسين

قد تكون بدايات علم كشف الكذب ترجع إلى أصول عسكرية أو بوليسية منذ عهود سحيقة عندما كانت أجهزة المخابرات الحربية بكل الدول تحصل على اسري فتقوم باستجوابهم بهدف الحصول على معلومات دقيقة أو عند التحقيق مع المشتبه في ارتكابهم الجرائم ولكن فما مضى كان الكثير من المحققين يلجئون للعنف لاستخلاص الحقيقة في أسرع وقت ولكن مع توقيع اتفاقية جنيف عام 1929 في بدايات القرن الماضي التي منعت تعذيب الجنود الأسرى واتفاقيات حقوق الإنسان ، بدأ الجميع في البحث عن وسائل أخرى لاستخراج المعلومات التي تفيد الجيش من هؤلاء الأسرى الذين يحاولون حماية زملائهم وأوطانهم بعدم قول الحقيقة على الأعداء من وجهة نظرهم ، فظهرت العقاقير وظهرت أجهزة كشف الكذب "البولى جراف" التي تم تطويرها من جيل إلى جيل إلى أن ظهرت مجموعة من الأساليب الجديدة التي تسبر أغوار الشخص وتدفعه إلى قول الحقيقة أو إظهار كذبه بشكل واضح أمام المحقق

 

وكانت في مقدمة هذه الأساليب هو علم الاستجواب واستخلاص المعلومات الحقيقية من الشخص والذي يعتمد في الأساس على أن الإنسان بطبيعته ميال إلى قول الحقيقة دون تحريف كغريزة موجودة فينا جميعا فلو لاحظنا نجد أن الحيوانات لا تكذب في مشاعرها لو غضبت أظهرت الغضب ولو فرحت أظهرت مشاعرها الحقيقية دون اى تغيير إلا أن الإنسان سواء كان رجل أو امرأة أو حتى الطفل عندما يكذبون يشعرون بالتوتر لمخالفتهم تلك الغريزة وهنا سألت د. محمود الفولى مستشار التنمية البشرية والتطوير الذاتي عن كيفية قيام الناس بالكذب على بعضهم البعض؟ فقال أن البشر بشكل عام أيا كانت ثقافتهم أو البلاد التي يأتون منها يتفقون في طرق كذبهم التي يمكن تلخيصها في أربع طرق رئيسية

الأولى وهى أكثرها شيوعا والمعروفة باسم الكذب الأبيض وهى التجميل اى أن يقوم الشخص بتجميل الحقيقة ووضع الواقع في صور تبدو للمستمع أفضل وتعطى انطباع أحسن عن المتحدث ،

الطريقة الثانية هي الاختلاق من العدم وهى الكذب المحض وتكوين صورة جديدة قد تعتمد أصولها على بعض الحقائق وخصوصا إذا كان المتحدث الكاذب يعرف تماما انه لا سبيل للمستمع لمعرفة الحقيقة ويحدث ذلك عن لقاء مجموعة جديدة من الناس فيقوم الكاذب منهم باختلاق ما يرتأى له لغرض في نفسه نتعرض له لاحقا

وهنا نأتي للطريقة الثالثة وهى المحو بان يقوم المتحدث بمحو حقيقة أو مجموعة من الحقائق لا تتفق ما يريد إيصاله للمستمع فيسرد القصة الحقيقية ولكن منتقصة بعد حذف بعض الإحداث من الصورة المنقولة.

أما الطريقة الرابعة وهى تغيير الحقائق التي تتلخص في قيام الشخص الكاذب بتغيير الحقيقة أو استخدام واقع الآخرين ونسبه لنفسه قد يكون ذلك لإحساسه بصغر حجمه في مقابل الصورة التي يريد نقلها أو طمعا في تسريع الوصول لشئ يحتاج لمؤهلات لا يمتلكها فيستعير واقع يتمناه من احد المعارف أو الأقارب يتناسب تماما مع ما يريده بحجة انه لا فرق بينه وبين قريبه أو أيا كانت الأسباب التي يسوقها الكاذب لنفسه قبل الآخرين فبمجرد قيامه بإقناع نفسه أن هذا هو الواقع يبدأ في عملية إقناع الآخرين بالواقع الجديد

وهنا قفز إلى ذهني سؤال أخر هو: لماذا يقوم الناس بالكذب من الأساس ؟

فجأتنى إجابة غير متوقعة بالمرة حيث قال : " انه لا يوجد احد ممن يعيشون على كوكب الأرض لا يسعى إلى النجاح أيا كان الهدف الذي يسعى إليه ولتحقيق هذه الغاية فلابد من التواصل مع الآخرين من المحيطين فالإنسان حيوان اجتماعي ولا حياة بلا تواصل وقد يحدث نتيجة الاختلافات الكثيرة فيما بينا أن يحدث توافق أو تعارض في المصالح الأمر الذي قد يستدعى قيام البعض بتغيير الحقائق أو ما نسميه ببساطة الكذب

الشخص الكاذب هو شخص مثلى ومثلك وقد يكون أنت أو أنا أيضا وقد يكون زوج يخفى أمر ما عن زوجته أو ابن لا يريد أن ينال عقاب والديه أو موظف يسعى لنيل وظيفة مرموقة بشركة كبيرة أو مدير يسعى لتهدئة الأجواء داخل الشركة كل تلك ما هي إلا نماذج مختلفة من الأشخاص التي نراها حولنا والتي تقوم بممارسة الكذب للنجاح في تحقيق ما تفكر فيه

وقد يعتبر معظمنا الكذب واحدة من أبشع العيوب وهو الأمر الذي حرمته جميع الأديان السماوية بينما وقد يرى البعض الأخر أن الكذب مثله مثل الصدق تماما انه منجى هو الأخر من المواقف المهلكة ويستشهد بذلك العديد من مواقفه الحياتية الشخصية التي لو لم يقم بالكذب فيها لهلك أو لنابه فيها من الأذى الكثير. ويتعلل بذلك أن الناس هي التي تحب أن نقوم بخداعها فلا توجد سيدة مهما بلغت درجة قبحها تسألك كيف تبدو وهى تنتظر أن تقوم أنت من باب الكياسة والذوق بتحيتها ومجاملتها بلطف والتعبير عن شعورك بالانجذاب نحوها بمجرد رؤيتها وأنت تعرف أن ذلك يسعدها رغم تأكد وتأكدها بمخالفة ما تقوله للواقع بل نجدها تبحث بداخلها عما يؤكد كلامك ونجد انك تحث أولادك منذ الصغر على ذلك بحجة أن ذلك من الذوقيات ومن قواعد الأدب !!

وقد نجد العديد من أصحاب المناصب الرفيعة بانتظار مديح المحيطين اعترافا بانجازاتهم وتخليدا لمجهود اتهم بهدف تلميع صورتهم على الملأ وهذا ما يسمى بالكذب الاجتماعي الذي يقوم الكثيرين منا بممارسته ليلا ونهارا دون استحياء وحتى الشخص الذي نكذب عليه نجده يصدق كذب الآخرين لأنه يريد تصديقه بل قد يصل الأمر إلى قيامه بالكذب على نفسه هو الأخر وتصديق تلك الكذبة والتعامل معها على أنها واقع .

وهنا نصل إلى الكذب المرضى قال بعض الحكماء: (من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه). حيث يكذب الشخص بدافع العادة ويشب على هذه العادة السيئة أو بدافع الطمع في الحصول علة منافع له أو للمحيطين به وقد يكون ذلك عداءا وحسدا مثل تلفيق التهم والافتراءات والأكاذيب على من يعاديهم أو يحسد ما لديهم من خير لا يناله

 وهنا سئلت د. محمود الفولى عن الكيفية التي يمكننا بها تحرى الصدق فيما يقال لنا ومعرفة الحقيقة والتخلص من محاولات الآخرين لخداعنا لإيذائنا أو لتحقيق مأربهم الشخصية فأجاب :

 

الشخص الكاذب كما ذكرنا يشعر في داخله بالتوتر نتيجة مخالفة طبعه وغريزته التي تحثه لقول الحقيقة لذا وجب علينا : مراقبة مظاهر التوتر لديه عن المعتاد أو عن الطبيعي وخصوصا إذا كان الشخص من الأقرباء فنعرفه حين يضطرب وحين يهدأ أما إذا كان من الغرباء فمظاهر التوتر معروفة التي يساعدنا في كشفها علم لغة الجسد الذي يبحث الرسائل التي يبعثها كل جزء من أجزاء جسدنا لتأكيد المعنى المتلفظ به أو نفيه فقد يستطيع الشخص التحكم في لسانه ولكن قلة قليلة هي التي تستطيع التحكم في جسدها لا تتعدى نسبة 2% من البشر وباقي الناس جميعا نجدهم يتصرفون على طبيعتهم تماما اى أن جسدهم يقول الحقيقة لو استمعنا إلى ما يقوله هذا الجسد مثل حك الوجه أو الأنف عند الكذب والتهرب من الاتصال العيني المباشر والكثرة الرمش بالعين بشكل ملحوظ ومحاولة تغيير الموضوع أو الكلام بشكل عام أو تقديم قشور تدور حول الموضوع لا لبه أو استخدام أدوات دفاعية مثل الكتب والأقلام والأكواب التي يصر على الإبقاء عليها في يده أو يدها إثناء قيامهم بالكذب حتى لو لم يكن يحتاجون لتلك الأدوات فقد يكون انتهى من شرب الشاي مثلا ويظل يحمل في يده أو يدها إثناء الكذب الكوب الفارغ بحجة انه لا يزال يحتاج لاى حجة أيا كانت وهى فعليا ما هي إلا وسيلة دفاعية يصورها له عقله الباطن أن يحتاج للحماية لأنه في داخله يعرف عدم صحة الكلام المتلفظ به

وقد نجد من الناس المتمرسين في الكذب من هم يستطيعون لثقتهم الزائدة في أنفسهم أو لإعدادهم العدة للخداع بالكذب في وجهك وفى حضور جمهور وتجدهم قد يستطيعون النظر في عينك إثناء ذلك وللتعامل مع هؤلاء يجب استخدام أساليب أخرى والتي تتلخص في الاتى

الاستفسار عن تفاصيل ما يحكيه: الكاذب المحنك يضع قصة ويبنى لها أركان ولكن يختلف شخص لأخر في مقدار التفاصيل التي استعد بها لمواجهتك لذا قم بالسؤال بلباقة وذكاء وبشكل وموزع على الحوار الدائر بينكم عن تفاصيل الزمان متى حدث كذا؟ وتفاصيل المكان أين ؟ وكيفية الوصول للمكان والأشخاص الموجودين والغير موجودين والأشياء التي احتكت حواسه بها هناك اى ما رآه سمعه تذوقه شمه أسئل عن الملمس ناعم أم خشن أو كل الأشياء التي قد لا يكون قد استعد بها لتصوره أنها تفاصيل صغيرة

الأمر الذي يجعله يضطرب ويبدأ في الاختلاق اللحظي أو ما يسمى بالارتجال وهنا نجد أن توتره قد زاد أو أنه قد بدأ في التهرب من الموضوع فأبدى اهتماماك كما لو أن الفكرة تثيرك وتود التعرف على المزيد منها

مما يزيد الضغط عليه فقد ينفعل فتكثر أخطائه ويقل حيطته فيقع بلسانه ويقول الحقيقة أو جزء منها كطرف خيط تبدأ منه ولتأكيد أو نفى شكوك لديك حول موضوع ما ويعد موضوع الأسئلة موضوع يبدو سهلا رغم صعوبته فلو شعر الكاذب المحترف بما تحاول أن تفعله باستدراجه إلى الحقيقة فقد ينسحب بلباقة ويضيع عليك الفرصة وهذا ما يفتح السبيل لدورات كشف الكذب المحترفة التي بدأت مؤخرا في مصر بعض شركات التدريب المتخصصة في نشر علومها للناس للاستخدام المدني للتخلص من خداع المحيطين والتي يتم في تلك الدورات تعريف المتدربين بكيفية مراقبة الإشارات الجسدية المختلفة ومراعاة التوقيت والإعداد لذلك وكيفية تقسيم الموضوع على حلقات والحذر من ذكاء وإدراك الشخص الكاذب مع السيطرة على الموقف والحفاظ على التواصل في نفس الوقت وهو أمر غاية في صعوبة دون فهم لأسسه التي تزلل الصعب وتجعل منك جهاز متحرك لكشف كذب الآخرين أيا كانوا سواء رجال أو نساء أو أطفال أقرباء أو غرباء وذلك عن طريق سلسلة من الأسئلة المتنوعة التي تنتمي إلى 12 أسلوب مختلف يتم التدريب عليهم في ورشه عمل خاصة لأسس استخراج الحقيقة ممن يحاولون خداعنا والاستهانة بعقولنا أيا كانت أهدافهم أو إغراضهم بالتعرف على الأسباب الحقيقية لقيامهم بالكذب قبل البدء بأي شئ حتى لا يؤدى بحثنا عن الحقيقة إلى الوصول إليها وفقدان أو خسارة علاقتنا بهم في المقابل وكيفية تطبيق تلك الوسائل في الحياة المنزل أو العمل بشكل مهذب ومحترف في نفس الوقت.

وفى نهاية احترافك لأساليب كشف الكذب فستتمكن من التعرف على حقيقة ما تشتريه ومن نتعامل معهم وتجنب الوقوع في المشاكل من البداية  والتعرف على حقائق الأمور لاتخاذ القرارات الصائبة تحديد هل يكذب الموظف بخصوص موضوع معين ، هل يكذب الرئيس بخصوص العلاوة ، هل يكذب البائع بخصوص المنتج أو السلعة ، هل يكذب الطفل هل يكذب الزوج أو الزوجة الأمر الذي سيقودنا إلى مرحلة اتخاذ قرار بشأن الكاذب الذي تم فضحه هل سننذره لمرة أخيرة ونعطيه فرصة أخرى أم سنعاقبه بشدة أم سنسامحه الوضع يختلف تماما تبعا للموقف وتبعا لكلا الطرفين وتبعا للتوقيت فما اقبله ألان قد لا اقبله غدا أو بالأمس.

 

المصدر: مقال نشر فى مجلة روز اليوسف لمستشار التنمية البشرية الاستاذ محمود الفولى

ساحة النقاش

Haneenloyalty
<p>very good</p>

عدد زيارات الموقع

14,541