المقدمة
مع ظلال الحياة
كما تشتار جماعة النحل الشهد والرحيق من قلوب الأزهار ، وكما تعزف الأطيار والرياح والأشجار على أروع قيثار ، وكما يسبح المصطافون بين أمواج البحار أول الليل وأطراف النهار ، وكما تهمس العطور بشذاها يتغنى الشعراء برياها تعيش مع (ظلال الحياة) وفيها قصة الغراب الذى علم ابن آدم ما قاله الحق جل وعلا فى سورة المائدة (31) "فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليُريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلنا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين"
وكما قال فقيد الفكر والأدب والفلسفة والحضارة والاجتماع الراحل (أنيس منصور 1924 ـ 2011) فى مقاله بالأهرام 25 /10/2011 م : "لم أجد صوت الغراب قبيحا إنه صوت غليظ ليس مزعجا ، صحيح أنه يخطف الأشياء من الناس ومن الصور الأخرى ... ونعيق الغراب مثل هديل الحمام لغة"
ولعلك أيها القارىء العزيز تفاجأ بهذا الفيض الروحانى والعشق الصوفى لهذه الظلال التى تشدنا من الريف ملهم الشعراء إلى الربيع النابض بالحب والأشواق ، وتنتقل من لغة الزهور فى رحلة على شاطىء الأحلام إلى عزف الطيور التى تسبح بحمد ربها "وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" (آية 44) الإسراء ، وقد تنعم بهذه التسابيح منتشيا مع أيتام وأعلام قدوتنا إمامهم نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم) ، وربما تتأمل جامع المال الذى فقد الحرام والحلال ، وتسمع مواء القط والطفلة فى نبضة شاعرة تدعونا إلى الإحسان فى كل شىء ، متأملا بديع صنع الخلاق ووجه الأديب ووجدانه حينما يمسك بالقلم فيخط أول حرف حتى يصل إلى النهاية من رسالة الأسير الذى يمضغ آلامه وراء الجدران فى ليل لا يظن له آخر يتقلب فى الهموم والأشجان ، وقلما يلتفت إليه سجان !!
وقد تدوى صرخة من الأعماق معلنة فى شموخ : أنا الحياة تشدو فى ينابيع الفكر وعلى خطى العبقرية البانية للأجيال ناقضة روح الذئاب التى لا تهتم إلا بنفسها ، ولا تأبه بعابر سبيل ، ولا تحس بنبضات المحسنين فى تجليات الفكر المعطاء وأنوار الحقيقة التى تبهرنا أينما نسير !!
وفى هذا الفيض النورانى صاغه قلم عاشق للفكر والأدب حيث خاض ينابيع العاطفة والوجدان متحدثا بأفصح لسان فى نثر شاعرى له أوزان وشعر تقلدته الحور الحسان والولدان ، إنه قلم الأستاذة الدكتورة (مرفت محرم) التى قدمت لنا من أعمالها الأدبية ديوانين من الشعر بالفصحى والعامية ، وهما (مصر التى) احتفاءً بثورة 25 يناير 2011 م التى عانقها الملايين فى الداخل والخارج ، وأشفقوا عليها من الفلول ـ جمع فَل ـ والتى تندس هنا وهناك ، وديوان (بهجة الروح) 2010 م ، وهى نموذج واع للأم العاملة المشاركة فى جامعتنا من الشمال إلى الجنوب ، كما تدل على عشق البحر وعروسه (الأسكندرية) التى تحدث عنها الشعراء مثل (عبد العليم القبانى 1918ـ 2002) ، والروائيون مثل (إبراهيم عبد المجيد) وغيرهما ، وشهدت حياة الكاتبة ـ ولا تزال ـ حيث طافت أرجاء المعمورة سابحة مع النجوم فى أفلاكها ، تعانق الضعفاء واليتامى فى خلواتهم وجلواتهم ، ومع الطبيعة التى "تتمايل بإعجاب يسحرها هواء الربيع الجميل وهواء البحر العليل إنهما الربيعان الأخضر الأرضى والأزرق المائى... سكر واحد من الطرب والعزف والعجب فكأس الحب قد وجب"
تحية إلى الأستاذة الدكتورة مرفت محرم على إسهاماتها الشعرية والنثرية ، ومزيدا من العطاء فى بحر الكلمة الوضاءة
ساحة النقاش