جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
رسالة من أسير
أنا السجين بين القضبان ، بعيد عن الأهل والجيران ، والصحب والخلان ... غابت شمسى ورحل قمرى ، فأظلمت سمائى ، واغبر أفقى ، وغاض مائى ، وتكدر هوائى ، وتجسم الذل والهوان ، والقهر والحرمان ، وتمحضت السلطة إلى آلة عنف وشر وعدوان.. وهاهى السماء أراها من زنزانتى الآن ، يغطى وجهها الغمام المكفهر ، وتحجب عنى كل ما أريد ، من عالم البشر السعيد ، فلا أتوهم لى من مجيب ، يأتينى صوته من بعيد ، غير عواء الذئاب ، ونباح الكلاب ، الطالبة لفريسة واحدة ، هى هذا الأسير هنا ، الذى هو أنا
ورغم كثرة الدعاء ، تقطع الأمل والرجاء ، وخنقنى اليأس والغم ، وأحمى فؤادى الهم ، وفارقنى النوم المكين ، وأنا الصحفى المسكين ، تنسب إلىَّ أعمال بالظلم والبهتان ، لم تكن فى الحسبان ، يوماً من الأيام
لقد يبست أشجارى ، وهمدت ثمارى ، وها أنذا أحاول تسلق النوائب ، لأفرج عن نفسى بالمباهج ، التى ما عاد منها إلا الذكريات ، فغمست قلمى فى محبره ليفصح بالكلمات ، عن ما ألم بى من هم وغم ومعاناة
رسالة حروفها الألم الذى تفيض به مشاعرى ، معبرة وعابرة ، لتلك الحدود الجائرة ... تخاطب كل قلب ودود ، وتنتظر الردود ، بلهفة وصبر ، على أحر من الجمر ، فى هذا القفر الفارغ من أى ونيس ، الخالى من أى جليس ، البعيد كل البعد عن مظاهر الحياة ، الموحى باستحالة الخروج والنجاة
فالرسالة بمثابة شابكة ، تخترق الأسلاك الشائكة ، وتطير إلى الأحباب ، فتطرق الأبواب ، الموصدة بأقفال اليأس وانشغال البال ، فيستقبلونها بمشاعر تفوق الخيال ، وكأنه المحال ، يتجدد الأمل وينتعش الرجاء ، كالظمآن فى صحراء قاحلة ووجد ماء ، فهم فى شوق لو فرق على القلوب الخالية لاشتغلت ، ولو قسم على الأكباد الباردة لاشتعلت ، فالفراق قد استفحل واستحكم ، وامتدت أيامه وطالت مدته وأُحكم ، واشتد إجحافه ، واتصلت معرته ، ودامت مضرته ، وبلغ ذروته ، وافترس بباطش قوته ، أهلاً هم كالأهلة ..... فجاء منهم الرد ، الذى على البعد ، يحيى الأمل فى نفسى ، فلعل غروس التمنى قد أثمرت وليالى الحظ قد أقمرت ، ورسالتى من الأحبة قد حضرت ، فاخضرت وأورقت ، وربيعها فاح ، وعطرها لاح ... رسالة إلىَّ قد وصلت ... رسالة إلىَّ قد وصلت
لكنها لن تأخذ طريقها ـ للعبد لله ـ إلا بعد رحلة معاناة ، تتمثل فى المرور ، على طابور الأشقياء ، من الاعتقاليين الأعداء ..... خلال هذه الأيام التى تمر على الأسير وكأنها أعوام ، يشعر الإنسان بالمرار ، وهو فى وضع خطير يوشك على الانفجار
فالأسير لا تصله الرسالة إلا بعد فض مظروفها والأمن اللاأخلاقى هتك عرضها ، تصل إلى يد الأسير كالوردة المخذولة التى أكثروا شمها ، فذهب عبقها وعطرها ، ومن كثرة التداول والتناول تساقطت بتلاتها
تصل إلى يد الأسير فى حالة من المهانة ، وزوال الهيبة والمكانة ، بعد أن يتم احتجازها ، وفحصها ، واعتقالها ، لفترات طويلة .... وهى لا تملك من وسيلة ولا حيلة للفكاك فتضحى مقهورة ذليلة
وكأنى بضابط الأمن يوجه الدبابة والمتفجرات ، المحشوة بالرصاصات ، نحو سطور الرسالة المشحونة بعبارات الصمود والأمل المعقود ، فيحاول قتلها ، فيسيل دمها ، وتتبعثر عواطفها ، ويعدم مشاعرها فيكعكعها ..... فالأمن يعلم علم اليقين أن العواطف المشحونة بالود والإخلاص ، والوفاء والتقدير ، هى سلاح الأسير فى مواجهة واقع الأسر المرير
فيالها من استهانة ، بحقوق الإنسان ، وياله من هوان ، أن تنتهك الخصوصية التى تحفظها وتحض عليها جميع الأديان
...........
موقعى الشخصى على الرابط :
http://drmervat.blogspot.com/
ساحة النقاش