صادفني اليوم جانب من سلوك الزوجة اليابانية في تعاملها مع الزوج. فهي تتعامل معه بلغة الزهور بدلا من العتاب الكلامي او الدعوة الصريحة للحب. فالزوجة تخصص مكانا مميزا في مدخل بيتها تحتفظ فيه بمزهرية هي اول ما يري الزوج حين يدخل بيته. فان رأي زهرة واحدة مائلة الي اليسار ورأسها منكس الي الاسفل فهي رسالة الي الزوج تقول ان زوجته حزينة لأنه خرج في الصباح ولم يطبع علي جبينها قبلة كما تعود قبل الخروج. وان دخل الرجل بيته فرأي المزهرية تحمل زهرة حمراء يانعة وشهية فهم رسالة زوجة تقول: احبك واشتاق اليك.
اكاد اجزم بأنني لو حذوت حذو اليابانيات لما لاحظ زوجي وجود الزهور وان لاحظ لابد ان يقول لي: لماذا تحمل المزهرية زهرة واحدة؟زهرة واحدة لا تكفي. اتحبين ان اخرج الي السوق فاشتري باقة؟
فهل يذهب معني الحب هباء منثورا؟ لا اعتقد . فلكل علاقة لغة مشتركة يفهمها الطرفان. لأن الحب هو القيمة الكبري التي تضفي علي سائر مناحي الحياة ما لها من قيمة. وقد قرأت ذات مرة ان الفيلسوف الالماني هيجل استشهد بأبيات من شعر جلال الدين الرومي لكي يؤكد ان الحب حل لا مشكلة وانه لا يصبح مشكلة الا حين يفشل الانسان في تنظيم حياته وفقا لقوانين الحب.
قد يقرأ بعضكم هذه السطور ويقول ان فوزية فايقة ورايقة والعالم يحترق ... مدن بأسرها دكت دكا والدبابات والرصاصات تحصد ارواح التواقين الي الحرية والصراعات الطائفية تنهش قلوب المسالمين. أروبا تحتضر تحت ثقل نظام رأسمالي يحابي الاغنياء علي حساب الفقراء.وهذه فوزية تشغل نفسها بفلسفة الحب.
والحقيقة هي انني ادركت اننا استبدلنا الحب بالخوف, وان نسبة كبيرة من البشر تعيش علي العدوان والكراهية والرغبة في الانتقام واشتهاء الثروة واشتهاء القوة.
ولكني لا استطيع تغيير هذا الواقع بيدي او بقلمي فاحاول تغييره بقلبي وهذا اضعف الايمان.
اكتفي اليوم بالنظر الي الزواج كنموذج للعلاقات الانسانية وامكانياتها. وفي رأيي ان الزواج لا يمكن ان يستمر وفقا لقانون الحب اذا ما هيمنت عليه مرادفات الحاكم والمحكوم, الظالم والمظلوم. فالسجين لا يمكن ان يحب السجان. والسجان لا يحب السجين لأنه يخاف مكره ويخشي من تبعات هروبه.
فهل يمكن لحاكم ان يحب من يحكمهم اكثر من حبه للسلطة وللجاه والصولجان ؟ وهل يمكن ان يحب الرجل بيته وزوجته واولاده اكثر من حرصه علي امتيازات توفرها له ثقافة ذكورية توهمه بأن كل ذنب مغفور فيهدد كل متمرد علي سلطانه بالويل والثبور وعظائم الامور؟
اتمني ان تقدم كل زوجة لزوجها وردة بدلا من كشف حساب الاخطاء. واتمني الا يكون انتصار الزوج علي الزوجة في معركة الرئيس والمرءوس غاية يسعي اليها الرجال اعتقادا بأنها تزيد من احساسهم بالرجولة.
بالامس ناقشت زوجي في تلك الامور فقال ان شجاعة الرجل وقدرته علي الصمود في احرج الاوقات تعتمد بالدرجة الاولي علي جدعنة زوجته واستعدادها للوقوف الي جواره. فهو يستمد الشجاعة من شجاعتها ويستمد اطمئنانا من يقينه بأنها تقبل بمبدأ : ع الحلوة والمرة.
في تلك الحالة يسري مفعول قانون الحب ويدرك الرجل انه يحب تلك المرأة وتدرك المرأة انها تحبه بالقدر نفسه. ومن يراهما يدرك ان كليهما يحب الحياة.
ساحة النقاش