إذا كان لا بد لنا من معرفة أقسام وأنواع الأمراض العقلية ، فخير طريق نتبعه هو معرفة الأسباب الرئيسية التي ينشأ عنها المرض العقلي ، لذا بمقدورنا أن نقسم الأمراض العقلية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي :
1ــ الأمراض العضوية : وهي التي تعود إلى اضطراب في تكوين المخ وأوعيته وأنسجته .
2ــ الأمراض الوظيفية : (( وهي التي يرافقها عجز عضو من الأعضاء عن القيام بوظيفته .
3ــ الأمراض التسممية : وهي التي يصحبها تسمم في بعض أعضاء الجسم .
المعالجة النفسانية ومرتكزاتها :
يؤكد علماء النفس بعد التجارب العديدة الطويلة التي أجروها خلال حياتهم العلمية أن فهم المرتكزات العلاجية النفسية يتطلب معرفة الأسس العلمية التي يقوم عليها العلاج بالطرق النفسية المختلفة ، سواء أكان علاجا لأمراض نفسية أم كان علاجا لأمراض جسمانية .
وتنطلق هذه الأسس من العلاقة بين الجسم والعقل ، لأن الرابطة بينهما وثيقة ، أي بين الحالات الجسمانية المادية والحالات النفسية . وقد أدرك هذه العلاقة أرسطو وأقرها أبقراط ، وشرحها جالينوس ، وأفاض في بيانها وشرحها فلاسفة العرب .
ولما كانت الأحداث العقلية تؤثر في الأحوال الجسمية ، وبالعكس ، أي الأحداث الجسمية تؤثر في أحوال العقل ، فالمرض الجسماني يؤدي إلى مرض عقلي من نوع ما . والأمراض العقلية تنشأ عنها أمراض جسمانية . كما أن صحة الجسم تؤدي إلى سلامة العقل ، فإن صحة العقل تؤدي إلى سلامة الجسم وخلوه من الأمراض .
وسنذكر مجموعة من الأدلة تؤكد تأثير الأحوال المادية الجسمية في سير العقل ، والأعمال العقلية ، ثم نقدم أدلة أخرى تثبت العكس ، أي تدل على تأثير الأحوال العقلية في الجسم والوظائف الجسمانية .
من النوع الأول : أن أي خلل مادي مباشر ، أو ضعف ، أو اضطراب في الجهاز العصبي المركزي يتبعه خلل في العقل أو التصرفات العقلية .
من الثابت لدى العلماء أن الأغذية والعقاقير الطبية ، والإفرازات الضدية ، والمواد المخدرة ، تأثر في العقل ، لأن التجارب التي أجراها هؤلاء العلماء على تبديل الأغذية تبديلا خاصا قد أحدث تبدلا كبيرا في الأمزجة . وقد لاحظ بعض العلماء أن طعام القتلة المجرمين نوعا خاصا من الطعام يخفف من ميلهم إلى الإجرام ، وأن تناول بعض العقاقير والأدوية باستمرار يؤدي إلى تبديل محسوس في الأمزجة ، وتقدم في الأخلاق والسلوك ، وبعد عن الإجرام .
من النتائج التي توصل إليها العلماء في هذا العصر أنه من الممكن تنظيم الإفرازات الغدية ، وتكميل ما فيها من نقص ، ونقص ما فيها من زيادة ، وذلك بحقن الدم بمواد تقوي الضعيف ، أو تضعف القوي من تلك الإفرازات ، واستدلوا من ذلك على إنه يمكن تعديل الأمزجة ، وتغييرها إلى حد كبير جدا .
ويلاحظ أحد علماء النفس أن لكل نوع من أنواع الجنون سببين أو أكثر من أسباب ثمانية هي : 1ــ تناول المواد السامة .
2ــ ضعف الأعضاء التي تقاوم تأثير هذه المواد السامة .
3ــ عدم تناول مواد زلالية ذات قيمة غذائية عالية أو عدم هضمها .
4 ــ اختلال وظائف الهضم .
5 ــ عدم وجود كميات كافية من الفيتامين في أنسجة الجسم
6 ــ قلة الأملاح المعدنية في الأنسجة .
7 ــ اختلال وظائف الغدد الصماء .
8 ــ أسباب أخرى متنوعة ، كارتجاج المخ ، وضربة الشمس ، وتناول المخدرات .
وتقول العالمة النفسية اليزابت سيفرن : (( إن التجارب الخاصة التي قمت بها في تشخيص الأمراض العقلية قد أقنعتني بصحة قاعدة عامة هي : أن لجميع الاضطرابات التي تحدث في الوظائف العقلية سواء منها ما كان شعوريا وما كان غير شعوري علاقة وثيقة باضطرابات جسمانية خاصة )) .
وهي ترى أن كل عضو من أعضاء الجسم يصحب مرضه مرض نفسي ، إذ أن هناك علاقة بين مرض القلب والاضطرابات الوجدانية ، وبين مرض الطحال والكسل ، وبين اضطرابات المعدة والكآبة وضيق الصدر ، وبين مرض الكلية أو عجز الأمعاء عن القيام بوظيفتها والتراخي في السلوك وعقم التفكير وضيق الأفق ، وبين مرض الكبد وسوء الظن والخشونة في معاملة الناس ، وبين وجع الركب والتردد ، وبين وجع القدم أو الساق وعدم القدرة على الإبداع ، وبين الروماتزم والعناء والتراخي في تحديد الغرض من العمل والسعي نحوه .
ساحة النقاش