كتبت: د. عبير بشر

ينطبق المثل الصينى القائل " كلما امتلئت السنبلة إنحنت" على العالم الأستاذ الدكتور مصطفى السيد المصرى الأصل, الذى منحه الرئيس الأمريكى أرفع وسام علمى فى الولايات المتحدة يوم 29 سبتمبر 2008، فى إحتفال خاص بالبيت الأبيض ضمن الجوائز التى تمنحها المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم للعلماء الذين يسهمون فى التنمية التكنولوجية، تقديرا لأبحاثه المبتكرة فى مجال الجسيمات متناهية الصغر "النانو تكنولوجى".

لذلك كان واجبا علينا الاقتراب من هذا النموذج المشرف لتهنئته على إبداعه العلمى المتميز وللتعرف على مسيرة حياته العلمية والخاصة بوصفه قدوة حسنة ونموذجا يحتذى به لكل الشباب المصرى. وتشعر من اللحظة الأولى أنك أمام عالم متواضع بسيط عازف عن وسائل الإعلام.

ولد د. مصطفى السيد فى 8 مايو 1933، فقد والديه فى سن مبكرة فتولى رعايته أخوه الأكبر محمد الذى يرجع إليه الفضل فى تربيته والتأثير فى شخصيته. عقب حصوله على شهادة التوجيهية إلتحق بمدرسة المعلمين العليا سنة 1949، والتى أصبحت فيما بعد كلية العلوم التابعة لجامعة عين شمس، وكان ترتيبه الأول على أول دفعة تتخرج منها عام 1953.

سافر إلى الولايات المتحدة فى فبراير 1954 ضمن منحة لدراسة الدكتوراه بجامعة فلوريدا الأمريكية، حيث إلتقى مع العالم الشهير "مايكا كاشا" الذى يعتبره الشخصية الأكثر تأثيرا فى حياته العلمية. وعقب حصوله على الدكتوراه عمل باحثا فى جامعتى "هارفارد" "وييل" قبل أن يلتحق بجامعة كاليفورنيا فى لوس انجلوس عام 1961، وهو الآن عضو مجلس إدارة معهد جورجيا للتكنولجيا ويرأس معمل ديناميكيات الليزر به.

ويؤمن د. مصطفى أن العمل الجاد والقدرة على الابتكار وحب العمل والتفانى فيه هو سر نجاحه، ويؤكد أن الإنسان عندما يتقن عمله يجد متعة كبيرة فيه.

زوجتى وأبحاثى

ولأن وراء كل عظيم امرأة، التقى د. مصطفى مع "جانيت" وهى أمريكية من أصل إيطالى، بولاية فلوريدا وتزوجها عام 1957، وقدمت له دعما كبيرا وأساسيا فى مسيرته العلمية، وإليها يرجع الفضل فى تولى أعباء الأسرة والأولاد، فقد تحملت وحدها مسئولية تربيتهم، وشجعته على التفرغ لأبحاثه والتركيز فى عمله ورحلاته العلمية خارج الولايات المتحدة، وإستمر زواجهما 47 عاما حتى توفيت منذ سبع سنوات أثر إصابتها بسرطان الثدى.

ويقول د. مصطفى "لقد قامت زوجتى بمهمة تربية أولادنا الأربعة على خير وجه بفضل الله، وحرصت أن تجعلنى مثلا وقدوة لهم لتحثهم على إدراك قيمة العلم والتعليم المستمر. لذلك حصل اثنان من أبنائى هما ليلى وطارق على الدكتوراه العلمية فى الهندسة، كما حصلت ابنتى درية على ماجستير إدارة الأعمال، ويعمل أيمن أستاذا لجراحة الأورام فى جامعة كاليفورنيا، كما أن لدى ثمانية أحفاد: خمسة أولاد وثلاث بنات جميلات".

وكانت وفاة زوجته بسرطان الثدى دافعا لتوجيه أبحاثه فى النانو تكنولوجى لعلاج السرطان باستخدام جسيمات متناهية الصغر من الذهب، وتوصل مع فريقه العلمى بمعهد جورجيا للتكنولوجيا إلى أسلوب أكثر فعالية وأمنا لتتبع الخلايا السرطانية والقضاء عليها عندما تكون مختبئة تحت سطح الجلد، كما فى حالة سرطان الثدى، وتدميرها بشكل انتقائى بواسطة شعاع ليزر طاقته نصف ما هو مستخدم لرفع حرارة الخلايا المصابة وإذابتها.

ومن المعروف أن الخلايا السرطانية يغطى سطحها نوع معين من البروتين لا يوجد على سطح الخلايا السليمة، وبواسطة تزاوج جسيمات الذهب متناهية الصغر مع أجسام مضادة لذلك البروتين، استطاع د.مصطفى جعل تلك الجسيمات تستهدف الخلايا السطانية وحدها وما يميز تلك الطريقة أنها تتيح علاجا للسرطان أكثر أمنا وعمقا لأنها تتجنب غزو الخلايا السليمة أو الإضرار بها.

لغة عالمية

الجميل والجديد فى الأمر أن يشارك الإبن الأب العالم فى أبحاثه المتميزة، وقد قام د. أيمن مصطفى السيد أستاذ جراحة الأورام بجامعة كاليفورنيا بتطبيق النتائج التى توصل لها الأب على خلايا سرطانية من حيوانات التجارب وحقق نسبة نجاح وصلت إلى 100%.

وعن علاقته بالدكتور أحمد زويل، يقول د. مصطفى نحن أصدقاء وقد كنت بمثابة الناصح المرشد له، ودعتنى لجنة جائزة نوبل لأقول كلمة عنه وعن انجازاته، ولقد أثنيت على أبحاثه العظيمة لأنها بالفعل عظيمة وتستحق الإشادة.

ويؤكد د. مصطفى أن العلم لغة لا وطن لها،لذلك يحرص على زيارة العديد من دول العالم لإقامة علاقات تعاون علمى مع مراكز بحثية فى جميع أنحاء العالم، ولا ينسى هنا بلده مصر. فهو على اتصال وتواصل مع معهد الليزر بجامعة القاهرة والمركز القومى للبحوث وكليات العلوم بجامعة القاهرة وعين شمس والاسكندرية والمنصورة وأسيوط بهدف عقد مؤتمرات وورش عمل علمية.

جدير بالذكر أن الأوراق البحثية التى يقوم بها العالم الأستاذ الدكتور مصطفى السيد تتصدر دائما قائمة أفضل عشرة بحوث علمية فى الكيمياء فى الولايات المتحدة وتنشر فى الدوريات العلمية فى جميع أنحاء العالم. وعن أبحاثه فى مجال تطبيق تقنيات التحليل الطيفى لليزر فى دراسة خواص وسلوك الجسيمات المتناهية الصغر تم انتخابه للأكاديمية الدولية للعلوم عام 1980.

وفاز بجائزة ايرفينج لانجمير فى الفيزياء الكيميائية عام 2002 كما حصل على جائزة  الملك فيصل الدولية فى العلوم عام 1990 وأهداها إلى أخيه الأكبر محمد، والذى توفى فى العام نفسه، إعترافا منه بفضله عليه، ورأس تحرير دورية الكيمياء الفيزيائية من عام 1980 وحتى عام 2004 وهو عضو بالأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون.

ويشتهر د. مصطفى بقاعدة التحليل الطيفى التى توصل إليها وسميت باسمه.