منذ ديوانه الاول (مولد ) وصبحي سعيد يواصل خطه البياني الصاعد فى فضاء شعر العامية المصرية هذا الشاعر المفعم بالحلم والبراءة والشفافية والعذوبة .
الغارق فى تفاصيل الحياة اليومية لحظة بلحظة وساعة بساعة يسجلها ويحسب دقائقها وثوانيها ويباغتنا بأنه بين الحين والحين يفيض به الكيل ويستشعر حجم المأساة الفاجعه فيطلق صرخته كلمات حادة مدَببه ويعري الاشياء من أقنعتها الزائفة ويحاول دوماً ان يوقظ فينا حقيقة الانسان 0
صبحي سعيد فى هذا الديوان (ميت جديد) يصوغ ملحمة بكائية هائلة ويتشبث كالغريق بوجه واحد للحقيقة ليطلق من خلال ذلك الوجه صور لا تزال تسري فى العروق وتحرك الناس للثورة والمقاومة والتمرد 
فقد أن الاوان لليقظة والافاقة ونفض الابتذال وبدء الصحوة والحياة .
الجديد واللافت فى ديوان (ميت جديد) هو قدرة الشاعر والانسان _ المضفورين معاً فى تكوين صبحي سعيد بصورة مدهشة على معايشة التفاصيل اليومية والحضور والتسجيل الدقيق للحالة والموقف .
هنا ينفرد الشاعر بمغامرة شديدة الجدية والحساسية .
خاصة وريشة صبحي سعيد تتدفق بالالوان والصور ومساحات الضوء والظل وهى تقدم لوحات قلمية شعرية بديعة ومتفردة يقول صبحي سعيد .
كونك تكون 
فزز جنون الكل 
وياما تحت الزوم 
سلط عليك الكل 
يا تعيش بلا مضمون 
يا تشب رغم الكل 
الذل مش قاصدك 
لكن قصدت الذل 
اقصد عزيز يجبرك 
راح تعلى فوق الكل 
هذة العدسة اللاقطة المسلطة على الشخوص والوجوة وتعاسات البشر واحازن المطحونين المهمشين هى التى تجعلنا نعانق انسانية صبحي سعيد فى اكثر صورها تفجراً وحيوية وانتماء لهذا العالم الذى يفتقد الامان واللقمة والمأوى .
هنا نجد شاعرنا فى افضل حالاته الفنية لانه يجسد بلغة الشعر اروع لحظاته الانسانية ويصبح الابداع الشعري متوهجاً بقدرة الشاعر الفذة على التصوير والتجسيد كما صنع هذة اللوحة النادرة المفعمة بالشاعرية والحنو الانسانس والرؤية العميقة من غير صخب أو جلبة أو زعيق أو لغة خطابية 
يقول صبحي سعيد 
يا حبيبة قلبي لابيض 
قلبك انتى زى قلبي 
ولا ابيض 
ياما أسى 
ياما ناسي 
ياما اخضر حبه ابيض 
هاتى قلبك 
حضن قلبي يطرحولنا بكره ابيض 
ياما نار الدنيا عاجزة تشب فيه 
أو تمطر بين جوانحة 
سم ابيض 
أو تقول محض ادعاء 
ان ليها جرح ابيض 
ياما أسفلت وسرابة 
فوقة ابيض 
عمر عيني ما خانها لونه 
رغم زيف الظلم لابيض 

هذا هو السهل الممتنع فى ابداع صبحي سعيد يظن الجاهلون أنهم يستطيعون تقليده ومحاكاته وهم واهمون لانها السهولة الظاهرية الخادعة التى تخفى وراءها مخزوناً هائلاً من الخبره الحياتية والفنية والتمرس بالشعر والاغنية والسرد كل ذلك معجون فى شعر صبحي سعيد ومن المستحيل الوصول الى اكتشاف سره لانه بعض سماته وملامحة وشخصيته والا فكيف يمكن تفسير مصدر المعاناه التى تعتصرنا اعتصاراً ونحن نقرأ لصبحي سعيد مثل هذا النص 
(محدود فى نظر البعض )
يقول فية الشاعر.
محدود فى نظر البعض 
لكن بعضك بامتداد الكون 
بيعصر فى الحياة 
تمتد فيك 
الكل ضدك 
رغم انك نبضهم 
شايل بروحهم همهم 
ومعدى بيك 
ممنوعه صورتك م الظهور 
الا ف صفحة معينه 
تحت ميكروسكوب وحيد
حق امتيازة عندهم 
ديما معاند صمتهم 
بتقول هتعتزل الوجود 
اثبات وجودك 
قام دليله خلاص عليك 


وانظر ايضاً حين يقول فى قصيدة (بلاش ترحل ) 
انا منك ....... ومنك اية هايتبقى 
تخيل لو خدوك منك 
انادى عليا فين تانى 
ونبضك فيا عنواني 
اكون جانى بدون ما ادري 
اكون مجني عليه سامع 
لصوت الحق بيهزك 
غريب عنك 
يا طول بالك على نهارك 
وهما بيسرقوه منك 
اذا كان الشاعر يتعذب بكتابة القصيدة فانه يتعذب ايضاً لتوصيلها فالتشكيل والتوصيل هما القطبان الرئيسيان فى بنية التوازن لدى شاعر يمزج الخاص بالعام ويدمج بيت الفردى والجماعى .
لان صبحي سعيد يقوم بحذف الذات فى اتجاه البحث عن الاصول ولتكن هذه الاصول فى تضافر عناصرها 
( الكونية - الانسانية - الثقافية - التاريخية )
ما تكون ولكنها دائماً تجمع بين طياتها الانا والاخيرين فى حزمه واحدة 
وهذا ما يؤكده الشاعر من خلال الديوان والتى تتعطر لوحته الكبرى بمجموعه من المشاهد التى اعتمد فيها الشاعر على استخلاق نوعاً جديداً ولوناً اخر من الوان الكتابة لوناً خاصاً بصبحي سعيد مثل فن الرباعيات لصلاح جاهين , وفن الواو لعبد الستار سليم 
لقد اعتمد الشاعر فى بناء مشاهدة على تكثيف المعنى وابتكار الحدث وهما ما يمحنان الشاعر صلابة ليستكمل رحلته عبر عشرين مشهداً ليختتم مشاهدة بــــــــــــ
ليه لما نكتم همنا بنبوح
نظلم ما نظلم نفسنا وننوح 
نتدارى ياما فى جلدنا ونروح 
نضحك ولكن 
من حلاوة الروح 
توأم الكينونه هى رغبة احتواء الوجود فى الذات واحتواء الذات فى الوجود 
وهو ما اراد ان ينهى صبحي سعيد به ديوانه من خلال قصيدة غاية فى الابداع ( يا انا ) 
يا انا المفروض عليا 
عدى فوقى بأى صورة 
موتى اصبح ماله ديه 
يا انا الواقف ببابهم 
بوست أعتابهم .... ترابهم 
جرجروك تمسح فراغهم 
سجلوك كلاف غضبهم 
يا انا الموصوم بجرحى 
وقت نوحي ويا فرحى 
وقت بوحي عند شرحي 
وقت تفريقي ما بينهم 
فى تابوت راسم ملامحى 
يا انا اسكت بقى 
ساوي الفراق فيك اللقي
كنت منى صرت منك 
بعتي وبعتك سدي 
يا انا اسكت بقي 

هنا يلفحنا مس كهربائي يشعل فينا القلق والتوتر والشعور بالوحدة لا ندرى له تفسيراً ولا ندرك بدايته أ نهايته لكننا نكاد نلمس صورة الشجن باليدين ونكاد نعانق الاحساس مجسداً فى صورة كائن حى ونكاد ونكاد والفن الحقيقي هم الذى يتركنا فى منطقة (نكاد )
هذا الديوان الجديد لصبحي سعيد 
اسعدنى واطربني بقدر ما اشجانى وطحننى واعتصرني وهذا الشاعر المبدع والانسان الجميل واحد ممن نؤمل ان تتحقق هذة العودة على ايديهم حتى نقضى على حالة الاغتراب التى نعيشها والقطيعة التى نمارسها عن عمد مع واقع التدنى والاسفاف 
فاهلاً بصوتك الشجى أيها الشاعر الكبير 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 100 مشاهدة
نشرت فى 29 يوليو 2011 بواسطة melsawy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,392