جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
|
لم أصدق ما قرأت على صفحات النت، من دعوة وتحرك الإخوة السلفيين في الإسكندرية، لإقناع أهالي الشهداء بقبول الدية، والعفو عن القتلة من الشرطة، وهي دعوة، تحتاج إلى مراجعة، بل إلى تراجع من الإخوة السلفيين، لعدة أسباب:
أولا: لم يعرف بعد تحديد القتلة، وتقديمهم للمحاكمة، سواء بالإدانة من عدمها، فكيف نقدم على خطوة قبل استتباب الأمر، وليس المجال هنا أن نقول: خيركم من قدر وعفا، أو: العفو عند المقدرة. فأين القدرة التي امتلكها أهالي الشهداء، حتى يعفون، لقد كان العفو يا سادة في الحكم الإسلامي، بأن يمكن المظلوم من حقه أولا، ثم يخير بنفسه بين العفو أو القصاص، وما حادثة ضرب أبي موسى الأشعري لأحد جنوده على ملأ من الجند، ببعيدة عنكم، حين أجلس عمر بن الخطاب أبا موسى، وقال للجندي: اقتص من قائدك، فجثا أبو موسى على ركبتيه، وهم الجندي بضربه كما ضربه، ثم قال الجندي: عفوت عنه لوجه الله. فهنا التمكين أولا من الحق، ثم بعد ذلك يكون الحوار والكلام هل يعفو ولي الدم أم لا؟ أما قبل ذلك فهو هراء، وضياع للحقوق، ويطمع كل متجبر أنه سوف يلعب على وتر المشاعر والعواطف، وأنه لا عقاب بعد اليوم.
ثانيا: رجال الشرطة والأمن والداخلية القتلة الذين قتلوا الشهداء، ارتكبوا أكثر من جرم، وليس جرما واحدا، وتورط معظمهم تورطا واضحا، سواء من سيبرر لهم فعلتهم، بأنهم عبد المأمور، أو أنهم مضطرون لذلك، أو أنهم مجبرون، كل ذلك لا يعفيهم من القصاص العادل، وهو كلام مردود عليه شرعا.
نسي الإخوة السلفيون أمورا مهمة في الفقه الإسلامي، هي قمة العدل والرحمة في آن واحد، فالتشريع الإسلامي يقسم القتل إلى أقسام: القتل المباشر، والقتل بالسببية، والقتل بالتمالؤ، فالقتل المباشر، هو من قتل بنفسه، وجها لوجه، أما القتل بالتمالؤ فهو اجتماع أكثر من واحد بهدف القتل، والذي قال فيه عمر بن الخطاب في قضية اجتمع أكثر من واحد على قتل، قتله واحد فقط، واجتمع الباقون على التخلص من جثته بالتقطيع، فحكم عمر بن الخطاب بقتلهم جميعا، وقال قولته المعروفة: والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا. وهو إجماع الصحابة جميعا، أن جماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به جميعا. والتمالؤ على القتل حتى نعرفه: هو توافق إرادة الجناة على الفعل دون أن يكون بينهم اتفاق سابق، بحيث يجتمعون على ارتكاب الفعل في وقت واحد دون سابقة من تدبير أو اتفاق، بل اعتبر الإمام مالك كل من حضر القتل ولو لم يقتل وكان مستعدا لفعل ما فعله القاتل، فهو ممالئ أي مشارك في القتل، وحده القتل.
أما القتل بالتسبب، فهو من يكون أمره أو فعله، سببا في قتل إنسان. ومحصلة الأنواع الثلاث للقتل، والتي لا تخلو منها حالة قتل واحدة لشهداء الثورة، فحكمها الإعدام شرعا، وفي ميدان عام، كي يكون نكالا لغيره.
كما نسي الإخوة السلفيون أمرا شرعيا خطيرا، غاب عن أذهانهم هنا: وهو ما حكم ولي الدم، لو لم يصل القضاء إلى حكم الله العادل في قضيته؟ وما الحكم لو قام بأخذ حقه بنفسه، وهو عالم بمن قتل ابنه أو أخاه يقينا بلا شك، ما قولهم لو أخرجنا لهم مثل هذا الحكم، والذي ينطلق من قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) الإسراء: 33، أي أن ولي الدم من حقه قتل قاتل وليه، أعتقد ستكون فوضى لا حل لها، فلنترك بيننا وبين الجناة حكم القانون بالعدل والحق، بلا محاباة أو ظلم.
بل حتى عند الدفاع عن النفس، بين الفقه الإسلامي أنه لو كان من يهاجمك يندفع عنك بأقل جهد، فقمت بقتله، فأنت هنا قاتل عمد، يقتص منك، فما بالنا وهم عزل وبرآء، خرجوا يقولون كلمة حق في وجه سلطان جائر؟!
ثم لماذا نتذكر القاتل بالرحمة، ولا نتذكر المقتول المسكين، الذي فجع به أهله وذووه، والله عز وجل تشريعه كله حكمة ورحمة وعدل، لماذا نشفق على اللص، ولا نشفق على المسروق المسكين الذي يتضور جوعا من جراء سرقة ماله، وهل سرقة المال أقل من سرقة العمر بالقتل، والقتل جريمة وكبيرة من أكبر الكبائر، هدم الكعبة أخف عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق.
ثالثا: حتى لو سقط حق أولياء الدم بالعفو، فلا تنسوا يا سادة، أن هناك حقوقا أخرى، وهي: حق المجتمع الذي روع، وحق الدولة التي انتهكت هيبتها وقانونها، وهذا لا يعفيهم من العقاب، وهو يدخل في باب الحرابة.
رابعا: وإذا وافق أولياء الدم على قبول الدية، من سيدفع الدية إن قبلها أهل الشهداء، النصف مليون جنيه؟ من مال الشعب الذي سرقه رجال الشرطة القتلة، فمن يقتل لا شك أنه يسرق، ولا يصل إلى درجة القتل إلا من تعدى كبائر أخرى، أم من مال الداخلية الذي هو من ضرائبي وضرائبك، وينطبق علينا المثل المصري القائل: خد من ذقنه وافتل له.
خامسا: الأمر المهم هنا أيضا، حتى بعد العفو عن هؤلاء القتلة، إن رضي أولياء الدم، وعفا عنهم القانون، أو عاقبهم بعقوبة مخففة، هنا أمر مهم يغيب عن المتناقشين في هذه القضية، هل يصلح مثل هؤلاء أن يكونوا بشرا أسوياء أم يحتاجون إلى تأهيل كي يصبحوا بشرا يشعر ويحس بالناس، وبعد علاجهم هل يصلحون لتبوأ مكانتهم السابقة في الأمن، وهل يؤتمن إنسان تجرد من إنسانيته، وضميره، وقتل، والقتل أعلى درجات القسوة وفقد الرحمة والإنسانية، كيف نقبل بعودة مثل هذا إلى سابق عمله، وهو أمر غير مقبول، وهم غير مؤتمنين تماما.
ختاما: نحن نعلم أن في كل جهاز، وفي كل مكان، الشريف والخائن، وكل يجب أن يلقى جزاءه، من العقوبة والمثوبة، من الحساب والتكريم، وإلا لاختلط الحابل بالنابل، ولغاب العدل عن الحياة.
أما رسالتي للإخوة السلفيين: فأرجوكم لا تكونوا مطية لفكر يسيء إليكم، وإلى دعوتكم، وقبله إلى الإسلام بعظمته وعدله، فالناس لا تفرق بين الإسلام والناطق به، فإن وراء الأكمة ما وراءها، وأظن أن مثل هذه التحركات مقصودة، لتكون تمهيدا للعفو عن المسؤولين الكبار، من أمثال مبارك وزبانيته، فإذا كنا سندعو اليوم للعفو عن القاتل المباشر، فكيف سيكون الحال بالقاتل من خلف ستار، أو الآمر بالقتل؟!
|
|
أهلا بكم فى موقع ميت الحلوج - موقعنا كلنا
ساحة النقاش