خالد مصطفى

لعقود طويلة في مصر شن النظام حملات أمنية شرسة ضد التيار السلفي بدعوى أنه يساند أعمال العنف التي شهدتها البلاد في بعض الفترات, وكانت تلك المزاعم في غاية السقوط رغم ترويجها على نحو واسع في أجهزة الإعلام التابعة للدولة؛ لأن التيار السلفي كان على العكس من ذلك، فقد كان موقفه معارضًا تمامًا لاستخدام العنف، وتسبب هذا الموقف في خلاف شديد مع الجماعة الإسلامية والجهاد قبل قيامهما بالمراجعات الأخيرة.

 

لقد اتخذ التيار السلفي اتجاهًا واضحًا في الدعوة والعلم، والتركيز على قضايا العقيدة ونبذ الشرك والخرافات, ولكن النظام كان يريد التخويف من مختلف التيارات الإسلامية في محاولة لتغييب المجتمع عن هويته الحقيقية، وإشغاله بالكرة واللعب من جهة, والجري من أجل الحصول على لقمة العيش من جهة أخرى.. لقد كان التيار السلفي عاصمًا لعدد كبير من الشباب المتدين من الوقوع في دوامة العنف التي اجتاحت البلاد، وأدت إلى تصاعد المد العلماني المتطرف داخل مؤسسات الدولة وخصوصًا المؤسسات الإعلامية، والتي استغلت الفرصة لضرب كل توجُّه إسلامي يظهر تحت لافتة "محاربة التطرف والإرهاب"، حتى وصل الأمر لإنكار فرضية الحجاب والاستهزاء به من قبل مسئولين رسميين في الدولة في بلد تتباهى بأنها "قلعة للإسلام وحامية له"!!

 

وبدا الأمر في أواخر عهد مبارك أن البلاد تتجه إلى تطبيق النظام التونسي -إبان عهد زين العابدين بن علي- الذي كان يحارب الحجاب والملتحين في الشوارع ويحرم تعدد الزوجات, وظهر ذلك جليًّا في دعوات بعض المثقفين المحسوبين على النظام السابق, وعندما قامت ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك تفاءل الإسلاميون بمختلف توجهاتهم، وخصوصًا التيار السلفي الذي كانت قدرته على المناورة مع النظام السابق ضئيلة لأسباب عديدة من أهمها قلة عدد أتباعه نسبيًّا بالمقارنة بجماعة كبيرة مثل جماعة الإخوان, وانعزاله عن الحياة السياسية والاجتماعية، وتركيزه على الدعوة من خلال المساجد.

 

توقع السلفيون أن يجدوا مكانًا يتحركون فيه على الساحة والمشاركة في قضايا المجتمع مثلهم مثل التيارات الأخرى، وبدءوا بالفعل في إبداء وجهات نظرهم في قضايا البلاد -وهو حق يفترض أنه مكفول للجميع كما صدع العلمانيون رءوسنا به دائمًا- إلا أن هجومًا شرسًا قوبل به التيار السلفي من خلال وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الليبراليون واليساريون، وأصبح من الأسئلة المعتادة في أي برنامج حواري "ما رأيك في التيار السلفي؟".

 

وطبعًا السؤال جميل لو تم طرحه على أطراف مختلفة، ولكن السؤال يطرح دائمًا لشخص معادٍ للتيار الإسلامي بجميع اتجاهاته، حتى وصل لكاتبة شيوعية وضعت الحزب الوطني والإخوان والسلفيين جميعًا في سلة واحدة! وأصبحت أي مشاجرة بين المسلمين و"المسيحيين" السبب فيها السلفيون, وتنتشر الشائعات عن إعلان التيار السلفي معاقبة غير المحجبات وإقامة الحدود على العصاة, ورغم تكذيب هذه المعلومات من مصادر سلفية رسمية إلا أن حالة التربص ما زالت قائمة، والتجاهل التام لتصريحات السلفيين التي يوضحون فيها مواقفهم هو سيِّد الموقف.

 

يبدو أن التيار العلماني فوجئ بعد الاستفتاء الأخير على تعديل الدستور بحجم التأثير السلفي على العامة، والذي اكتسبه في السنوات الأخيرة من خلال القنوات الفضائية التي وضعت عددًا من مشايخ التيار السلفي في واجهة المشهد الإعلامي، وأكسبتهم شهرة كبيرة وثقة في نفوس الناس, في وقت كان النظام والسرب العلماني منشغل بمعركته مع الإخوان.. الآن السهام أصبحت مسلطة أكثر على التيار السلفي باعتباره هو الأخطر والأكثر تطرفًا -على حسب اعتقادهم- والخوف أن يتم جرّ الإخوان للمعركة مستغلين الخلافات المعروفة بينهم وبين السلفيين، وبعد ذلك يستديرون على الإخوان.

 

التيار الإسلامي يحتاج إلى الحيطة والحذر خلال الفترة القادمة، ورأب الصدع في صفوفه، وليس من المعقول أن نرى جماعة الإخوان ترحِّب بالانضمام لبعض التجمعات التي يسيطر عليها العلمانيون، ثم يرفضون أن ينضموا إلى تجمع إسلامي كبير يضم مختلف الجماعات التي تتجه للعمل العام حاليًا تحت دعاوى أنها الأكبر والأقدم، وهي دعاوى قديمة تجاوزتها الأحداث وسبَّبت الكثير من الشقاق، ولم يستفد منها إلا أعداء التيار الإسلامي.

 

كما أن على التيار السلفي أن يعيد صياغة أفكاره بشكل عملي ومناسب للواقع، ويحدد الثوابت التي سينطلق منها، والتي يمكن أن تمثل أرضية مناسبة للالتقاء مع بقية التيارات الإسلامية... الخوف كذلك أن يتم جرّ المجلس العسكري الحاكم للمعركة، وهو هدف أساسي للعلمانيين استخدموه دومًا بتحريض الأنظمة على الإسلاميين لتخلو الساحة لهم, وليس من المستبعد أن يتم افتعال بعض أحداث العنف لتوريط السلفيين فيها وإلقاء التهمة عليهم، كما فعل النظام السابق في تفجير كنيسة القديسين.

 

المصدر: موقع المسلم.

meetelhaloog

أهلا بكم فى موقع ميت الحلوج - موقعنا كلنا

  • Currently 40/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 7 إبريل 2011 بواسطة meetelhaloog

ساحة النقاش

ميت الحلوج

meetelhaloog
لكى يعلم الناس ان كلماتنا كالعرائس اذا عشنا من اجلها ومتنا فى سبيل تحقيقها دبت فيها الحياة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

38,252