كشفت الثورة عن معدن أصيل لشعب مصر، ومع انطلاق الثورة ومرورها بمراحل مختلفة، ومضي قرابة الأسبوعين على بدايتها سجلت الصور والأقلام الكثير من المواقف التي أذهلت العالم، وشكلت لديه حالة من الإبهار التي أحيت لدى المصري في أي مكان بالعالم ثقته بنفسه مرة أخرى، بعد أن أصبح الحديث عن موتها يصيب صاحبه بالملل والإحباط.
وقد تنوعت تلك المواقف بين ما يعكس الاعتزاز والانتماء والحب للوطن، وكذلك ما يعكس روح الإقدام والشجاعة والتضحية في سبيله، وأخرى تكشف العلاقة الأصيلة بين أطياف الشعب المصري على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وأفكارهم ودياناتهم.
وخلال حضوري -كغيري من المصريين- لأكثر أيام تلك الثورة توقفت أمام عدد من المواقف المؤثرة التي أظهرت تمسك أصحابها بالإيمان في صورته الشاملة كعامل رئيسي لنجاح ثورتهم وثباتها وسرعة تحقيق أهدافها، أوجز لكم بعضًا منها:
الصلاة خير من النوم
تمتلئ صفحات الإنترنت والصحف وكذلك شاشات التلفاز بصور صلوات الجماعة التي يقيمها أهل ميدان التحرير، حيث يتسلل شعور النشوة إلى قلب كل محب لدينه عند رؤيتها، ولا أراني قد لمست جديدًا حين أحكي أثر ذلك في نفوس الموجودين والمتابعين لهذا المشهد، لكن ما توقفت أمامه هو نداء مؤذن صلاة الفجر "الصلاة خير من النوم"، لأجد بعدها المضاجع قد أخليت والصفوف قد ارتصت، في مشهد يذكرك بجموع المصلين في أحد الحرمين.
تجد الملبين لذاك النداء بين حالتين.. من أقلق البرد القارس منامه فهو لا يكاد يجمع ساعة من النوم، فكانت الصلاة خيرًا له من هذا النوم المقلق، وبين من ذاق حلاوة النوم بعد أن استغرق فيه ليجد لمسة حانية من أحد إخوانه المشاركين يوقظه للصلاة، فكانت له خيرًا بما تحمله له من أجر وفضل.
كما تحب لنفسك
مشاهد الإيثار وإنكار الذات والعمل على راحة الآخرين شكلت روحًا أظلت ساحة الثورة في ميدانها التحرير، فهذا الذي ما إن تحصل على شربة ماء بعد جهد في خدمة أو حراسة أو نحوها، تلمح عينه نظرة عطش من مجاور له ليمد يده بالماء سريعًا، ويشدد العزم على صاحبه ليشرب، ثم يسعى مرة أخرى ليحصل على شربة تروي ظمأه هو، بعد أن اطمأن على ارتواء صاحبه، وذاك الشاب قد كشف عن نفسه الغطاء ليزيد في غطاء كبير في السن أدركه المبيت في الميدان، وفضّل قرصات البرد الموجعة ليزيد في دفء ذاك الكهل، كما سترى تلك الفتاة التي آثرت أخواتها على نفسها في استغلال مكان للجلوس أو النوم.. كلها وغيرها تكشف جانب الإيثار وحب الآخر.
وبرغم كون العلم بالإخلاص شيئًا لا يعلمه إلا المعبود، إلا أن له علامات تكشف عنه؛ فحين ترى الشاب قد آثر الوقوف في ميدان حراسة الثورة والمدافعة أمام محاولة إجهاضها غالب أيامه، عن الوقوف أمام مكبرات الصوت، أو محاولة الظهور في شاشة هذه الفضائية أو تلك، تسأل الله له القبول ولنفسك الإخلاص.
وحين تشهد تلك الفتاة التي كان همها الأكبر تمريض الجرحى والوقوف على حاجاتهم معظم وقتها، وجُلّ مساحة مشاركتها في الاعتصام، مفضِّلة ذلك على مسامرة الصديقات أو ترصد المشاركين من المشاهير أو متابعة فعاليات الثورة الممتعة، تعلم أنك أمام إرادة صافية وقصد سليم بإذن الله.
مواقف مختلفة
هذه المواقف لا تنحصر في فئة دون الأخرى؛ فالطبيب الذي يملأ فراغ وقته حين قلة الجرحى بتلاوة آيات من المصحف، والمرأة التي لم يصرفها الإرهاق والتعب عن توزيع الطعام والماء على المنشغلين بأدوار مختلفة في الميدان، والعجوز الذي أحنى ظهره لجمع القمامة والقاذورات من ساحته، والقبطي الذي ارتقى الربوة أو العمود ليساعد في إبلاغ الصفوف المتأخرة من المصلين بحركات الإمام، والذي ساعد كذلك أخاه المسلم في إتمام الوضوء بسكب الماء له، والمسلم الذي شهد قداس أخيه القبطي في احترام وأدب، كل تلك المواقف وغيرها شهدتها ساحة التحرير التي نقلت الشعب المصري إلى مرحلة جديدة تبعث الأمل لنهضة قوية، تأتي ثمارها قريبًا إن شاء الله.
المصدر: موقع أون إسلام.
ساحة النقاش