ما غيرته الثورة المصرية التي أطاحت بجزء من نظام الرئيس المصري السابق مبارك في وجدان وشعور الشعب المصري، والتركيبة الحاكمة له، والحراك الإعلامي والفكري الذي لا يهدأ، دعا الجميع في مصر والعالم العربي إلى الفأل، واستدعى الكثير من الملفات الملحة التي عرفت طريقها من عالم الأحلام إلى الواقع الممكن.
وحالة النشوة التي انتابت الشعب المصري بكل طبقاته وفئاته فرحًا بالانتصار في أصعب معارك الثورة لا ينبغي أن تنسي المصريين ضرورة التعاطي الجاد مع استحقاقات ما بعد مبارك، والتي لم تكن أقل أهمية لدى الثائرين من خلع مبارك، إذ إن تلك الخطوة لم تكن إلا وسيلة لإزاحة عقبة كأداء أمام انطلاقة الشعب المصري وحريته.
والحق أن إزاحة مبارك كانت هدفًا ظاهرًا للثائرين، لكن أهدافًا أخرى أكبر أهمية تتعلق بالبناء يمكن أن يتم الالتفات عليها من دون أن تثير حفيظة كثيرين من جماهير الشعب، وهو ما يمكن أن نلمسه من بعض الإجراءات التي أثارت حفيظة بعض الساسة والمفكرين والنشطاء في مصر، ولعل أهمها هو ما يؤشر لوجود يد قد تكون غربية وراء حصول أشياء تثير التكهنات حول القادم الذي ينتظر النظام السياسي القادم في البلاد.
وغير غائب عن الأذهان أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا مستعدتين لأن يرحل مبارك في آخر الأمر لكنهما لم ترغبا في ذهاب نظامه بالكلية، وهما حريصتان على بقاء المكتسبات التي تحققت لهما في مصر، وتريدان في تلك الفترة الحرجة القادمة الحصول على ضمانات أكيدة بضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على المصالح الأمريكية الأخرى في مصر، وكلا الأمرين يستوجب بقاء بعض الوجوه من النظام السابق سواء بشكل مباشر أو من خلف أقنعة أكثر قبولاً لدى الشعب المصري، علاوة على عدم التفريط في التزامات معينة لا يضمنها إلا وجود نظام سياسي لا يسمح بنقض تلك الالتزامات، وهو ما يعني أنهما ستقاومان بكل قوة طموحات الشعب المصري في بناء نظام سياسي وقضائي واقتصادي عادل.
كما أنهما سيعملان بكل قوة على استغلال ما قد فرض عليهما من واقع تلك الثورة، وما تفرزه من خطوات يراها الثوريون إيجابية في صعيد الحقوق والحريات في العمل على الإضرار ببنى المجتمع المصري لا سيما في مسائل تتعلق بهوية الدولة وطموحات الأقليات، وتشجيع بعض الممارسات التي لا تتسق وثقافة وقيم المجتمع المصري تحت طائلة الانفتاح المتوقع.
وما يواجه الثورة في صعيدها المحلي هذا الحجم الهائل من الفساد وقوة نفوذ أقطابه الأساسية، وتغلغله في دواليب الحكم الرئيسية والتي لا زال هؤلاء فيها مؤثرين ويحتلون مساحة شاسعة من الصورة السياسية والاقتصادية للبلاد..
هؤلاء لن يستسلموا في حقيقة الأمر بسهولة، وهم قد بدأوا بالفعل في محاولات لتوجيه الدفة باتجاههم لا سيما مع استمرار الحكومة الحالية التي عينها مبارك ولفظتها الجماهير قبل رحيله وفور تشكيلها، والواقع أن ما جرى حتى الآن في تتبع ملفات الفساد هو ضئيل جدًّا مقارنة بما يتوجب فعله من قبل الممسكين بسدة الحكم الآن، خصوصًا أن احتمالية هروب الفاسدين السابقين بأموالهم إلى خارج البلاد آخذة في الازدياد، هؤلاء الذين يعتبرون بقاءهم على مسافة غير بعيدة من دائرة الحكم القادمة مسألة مصيرية تتعلق بمستقبلهم الشخصي لتجنب ملاحقتهم قضائيًّا، بالإضافة إلى أن بعض هؤلاء لم يكونوا قريبين من دائرة مبارك فحسب وإنما كانوا قريبين كذلك من الولايات المتحدة، والإبقاء على عدد منهم قد يكون مهمًّا لتلك الدولة التي انتهكت الشأن الداخلي المصري إبان حكم مبارك بشكل صارخ.
الزمن كذلك، يبقى التحدي الثالث للثائرين، وهو لا يجري في صالحهم لكيلا تبرد ثورتهم ويتم إجهاضها أو توجيهها بحسب ما يريد بعض النافذين، وقد بدا أن عددًا من الأسماء الكريهة للمصريين قد تم جس النبض بطرحها على الرأي العام لاستمزاج إمكانية توليتها بعض المهام الحساسة والمؤثرة في النظام الحكومي الذي سيناط به تهيئة البلاد لنظام ديمقراطي.
وكثير من التحديات الأخرى التي تتعلق بتفاصيل تكوين النظام الجديد يمكن أن تؤثر على شكله القادم بقدر لا يستهان به، تجعل من الضروري الالتفات إليها جيدًا، وقد يكون قليل من القلق والحذر واجب للحفاظ على ثورة ما يُعلن من مفجريها يدعو إلى كثير من الفأل والأمل.
المصدر: موقع المسلم.
ساحة النقاش