جمال سلطان

سيكون أمرًا محزنًا جدًّا أن يتورط بعض أبناء الثورة المصرية في "ابتذال" أهم أسلحة الثورة، وهو سلاح النزول إلى الميادين والتظاهر بشكل اعتباطي ومتعجل، وفي "الهايفة" والبطالة أحيانًا.. وعندما يكون معك سلاح فعال وله هيبة، فلا يصح أن تسيء استخدامه، أو تضرب به عشوائيًّا في كل موقف صغيرًا كان أم كبيرًا.. هذا هراء، ويضر بذلك السلاح، وفي النهاية قد يفقده قيمته وهيبته، وقد تخسر التعاطف معه.

 

لا أعرف سببًا منطقيًّا لتلويح البعض بمظاهرات كبيرة بدعوى أن مطالب الثورة لم تتحقق، وفي التفاصيل يقول لك: إن أحمد شفيق ما زال موجودًا في رئاسة الوزراء. ومع احترامي للفريق شفيق ولرئاسة الوزراء في مصر الآن، لكن ما هو وزنه السياسي في حسابات السلطة في مصر، هو في النهاية "إدارجي" لا يملك سلطة حقيقية وإنما يستمدها من آخرين. لقد كان هدف الثورة الأسمى هو إسقاط مبارك ونظامه، وقد انتهى النظام فعليًّا، وبقيت عملية تصفية فلوله، وهي مسألة -كما أكدت من قبل- تحتاج إلى وقت..

 

بعضهم أرسل لي يقول إنه حتى الآن لم تتم محاكمة أركان النظام، وتعبير "حتى الآن" يوحي لك بأنه مضى ستة أشهر أو سنة على الثورة ولم تتم محاكمة أحد، هذه اندفاعة عاطفية غير عاقلة ولا حصيفة، ومسألة "الدلال" الزائد في المطالب السياسية حتى في "الهايف" منها، ضررها أكثر من نفعها، أنا شخصيًّا أتمنى أن لا أرى شخصًا واحدًا كان في أي حكومة في عهد مبارك؛ لأنه يذكرنا بتلك الأيام السوداء، وأطالب مع الجميع بإبعاد أحمد أبو الغيط وأحمد شفيق ووزير العدل الكئيب، وهم الثلاثة الباقون تقريبًا من "حزمة" الوزراء القدامى، ولكن اعتراضي على هذا الأمر شيء، وأن أدعو إلى حشد مائة ألف متظاهر مثلاً أو الاعتصام في الميادين من جديد من أجل إقالة أحمد شفيق أو أحمد أبو الغيط، أتصور أنه "ابتذال" لسلاح التظاهر وامتهان له.

 

كما أنه لا يليق بنا أن نسلم عقولنا وعواطفنا لبعض الشخصيات التي شاخت أفكارها، وإن كانت تجيد اللعب بالكلام وصك العبارات واختراع السيناريوهات، على النحو الذي حدث مع "هيكل" في حديثه إلى التليفزيون المصري، وهو نفس الرؤية التي يسرِّبها ويجرعها لمريديه من كُتَّاب الزميلة "الشروق"، الذين تتلمذوا عليه في الأهرام قديمًا، طوال الأسبوع الماضي..

 

هيكل محدود المصادر جدًّا من سنوات طويلة، هيكل أرشيف تاريخي لا أكثر، وعندما يخوض في قضايا اللحظة يأتي بالعجائب، ولولا ما تبقى لديه من "هيبة" إعلامية لاتّهمه الناس بالسخف الشديد، على النحو الذي حدث معه عندما علق على أحداث سبتمبر وتدمير برجي التجارة الأمريكية فقال: إن معلوماته أن المتطرفين من صرب البوسنة هم الذين قاموا بالعملية!! ومثل إيحاءاته التي أراد بها أن يقول: إن مبارك ما زال يحكم مصر أو يتآمر عليها من شرم الشيخ، ودبج خرافة أن الأوامر والتكليفات تصدر من هناك إلى قصر العروبة، وهو محض هراء وسخف، وقد ردّ عليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكلام رادع ومهين أيضًا، وإن كان مصاغًا بأدب.

 

والحقيقة أن خبرة التاريخ تعلمنا في أهم دروسها أن بعضًا ممن يحسنون الهدم والإزالة للماضي والفساد والاستبداد لا يحسنون بنفس الدرجة والكفاءة البناء والتكوين الجديد، ومشكلة هؤلاء أنهم يتصورون أن وجودهم مرتبط بتواصل رحلة الهدم دون أي رؤية لمرحلة البناء، وأحيانًا دون ثقة في قدرتهم على أن يتواصلوا مع مجتمعهم بمشروع بديل متكامل ومقنع، بل إن بعضهم يتوجس خيفة من قرب استحقاق أن يواجه الأمة في انتخابات حرة، أو أن يتحمل أمامها أي مسئولية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، وهؤلاء من الطبيعي والمفهوم أن يفزعوا إلى الهياج والصراخ والتظاهر المستمر، في الهايفة والبطالة، كما يقولون، وهي مسألة تحتاج منا إلى مراجعة مع النفس، وإحساس أعلى بالمسئولية تجاه الوطن.

 

المصدر: صحيفة المصريون الإلكترونية.

meetelhaloog

أهلا بكم فى موقع ميت الحلوج - موقعنا كلنا

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2011 بواسطة meetelhaloog

ساحة النقاش

ميت الحلوج

meetelhaloog
لكى يعلم الناس ان كلماتنا كالعرائس اذا عشنا من اجلها ومتنا فى سبيل تحقيقها دبت فيها الحياة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

38,255