مجدي سعيد
أما وقد نجحت الثورة المصرية في تحقيق مطلبها الأول الذي عبر عنه الهتاف المدوي: الشعب يريد إسقاط النظام، فإنه قد آن للشباب والشعب المصري الذي صنع هذا الانتصار التاريخي أن يعلم أن القادم لا يقل أهمية، وإن فاق في تطلبه لطول النفس واستمرار الروح الثورية المتطلعة لمستقبل أفضل لمصر؛ فالقادم هو المطلب الذي قامت من أجله تلك الجماهير الغفيرة، وهو أن نرى غدًا أفضل لمصرنا ولأمتنا جميعًا.
الغد المصري الذي نتمناه
هذا الغد الذي نتمناه يقتضي من الشباب والشعب القيام بالمهام التالية بنفس الروح الجميلة التي سادت أيام الثورة المجيدة:
أولى تلك المهام: استكمال مهمة تحرير المجتمع والشعب المصري حتى نحظى بوطن حر لمواطنين أحرار، وطن حر لا يخضع إلا لما تمليه عليه مصالحه المشروعة وأمنه القومي والإقليمي، القائم على الحق وليس على العدوان، ومواطنون أحرار يطوون صفحة الفساد والاستبداد إلى الأبد، ويبنون دولة حديثة متحررة الإرادة أفرادًا وجماعات، ويبنون وطنًا للعدالة يستوي فيه الجميع في الحقوق والواجبات، وطنًا يعلي من كرامة الإنسان.
ثانية تلك المهام: ألا ينسى صناع الثورة في غمرة فرحتهم أن هناك أناسًا طال انتظارهم للحرية والعدالة والكرامة أكثر من غيرهم، أناسًا طالما تعرضوا للقهر والظلم والتهميش، أناسًا من أبناء الطبقة الدنيا من الفقراء والمستضعفين الذين طالما استخدمتهم عهود الفساد والاستبداد أداة لقمع المتطلعين للحرية والعدالة والكرامة من أبناء الطبقة الوسطى.
ثالثة تلك المهام: عنوانها التعمير والنهضة، فلطالما ديس على أكتاف وطننا حتى لا ينهض، ولطالما تغلغل الفساد والإهمال وتغلغلت الفوضى في كل مفصل من مفاصل البلاد، حتى قلنا يومًا: إن مصر كألف سفينة "بتنخرم"، لم يكن فيها جانب من جوانب الحياة إلا طاله العطب، وعلى شباب وشعب ثورة 25 يناير أن يخوضوا معركة طويلة وصعبة لإصلاح ما فسد طوال العقود الماضية، وأن ينهضوا بإنسان هذا الوطن، ومجتمعاته المحلية (أحياءه وقراه)، وأن ينهضوا بهذا الوطن جميعًا حتى يأخذ مكانته التي تليق به بثرواته الطبيعية والبشرية التي يزخر بها، فلسنا أقل من البلدان التي نهضت وتقدمت.
المهمة الكبرى
لعل الدرس الأهم الذي نتعلمه من التاريخ المصري الحديث ليس على مدار الـ 30 عامًا الماضية، بل طوال الـ 60 عامًا الماضية، هو أن أول الخطوات التي اتخذت لسلب حرية وعدالة وكرامة هذا الوطن، كانت هي تأميم مؤسساته وتنظيماته وحركاته الأهلية، وإدماجها في بيروقراطية وفساد وإهمال الجهاز الحكومي، ومن ثَم فإن تحرير المجتمع الأهلي هو العمق الذي ينبغي أن ينتبه له شباب وشعب الثورة المصرية:
- تحرير الأوقاف: حيث كانت الأوقاف هي أول ضحايا عهد الثورة التي صادرت الأوقاف الأهلية والخيرية؛ لتعبث وتعيث فيها فسادًا ونهبًا وتبديدًا.
- تحرير حركة التعاونيات: حيث كانت التعاونيات هي ثانية الضحايا، التي ذهبت إلى بطن الحكومة المصرية في غمرة قوانين ما سمي بالإصلاح الزراعي.
- تحرير النقابات العمالية والمهنية: والتي طالما صودرت حرياتها وألحقت بأنظمة الحكم، صودرت حرياتها من حيث التأسيس، ومن حيث الممارسة، ونذكر هنا بحاجة "الأرزقية" إلى تكوين تنظيماتهم الخاصة بمعاونة الشرفاء، خاصة بعد أن غابت "طوائف الحرف" عن المشهد المصري منذ قرن ونيف، وخاصة بعد أن ازدادت طوائف الأرزقية في مصر بعد تبني الدولة لسياسات التكيف الهيكلي وانحيازها لرجال الأعمال على حساب تلك الفئات المهمشة.
- تحرير سائر الجمعيات الأهلية: من كل إرهاب وخوف وسلطان إلا سلطان المجتمع والرقابة المالية للدولة كتلك الرقابة التي تمارسها على سائر مؤسساتها.
تحديات أمام الثورة
الأيام والشهور القادمة لن تكون سهلة، بل إن مهمة الشباب والشعب المصري سوف تواجه -بلا شك- عددًا من التحديات:
- الحفاظ على مكاسب هذه الثورة من أن تختزل أو تختطف أو يختلف على ثمراتها، فكما قال الثائر العالمي تشي جيفارا: الثورات يصنعها الشرفاء ويسرقها الأوغاد.
- أن يتوقف وقود الثورة على إصلاحات سطحية أو شكلية تطال الأعراض وتعالج الأوراق، ولا تطال الأسباب ولا تعالج الجذور.
المصدر: موقع أون إسلام.
ساحة النقاش