الزلزال المصري.. انعكاسات وتبعات

 

 

د. ياسر سعد

إذا كانت ثورة تونس قد أطلقت شَرَارة البداية لمرحلة التغيير العربي والذي كان في عُرْف كثيرين مع تطاول حكم الطغاة أشبه بالمستحيل، فإنَّ ثورة مصر قد أسّست لمرحلة تاريخية أصابت المنطقة العربية, لا بل والعالم بما يُشْبِه الزلزال السياسي، والذي قلب الأمور رأسًا على عقب مغيرًا كثيرًا من المسلمات ومرسخًا لحقائق جديدة.

 

فبعد أن كان يتمّ التعامل مع الرأي العام العربي محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا باستهتار ولا مبالاة وكأن الشعوب المنشغلة بلقمة العيش الصعبة في غالبية البلدان العربية أو بالحياة الاستهلاكية في بلدان أخرى، غدت بلا رأيٍ أو أنها وصلت إلى مرحلة من السذاجة والسطحية بحيث يتم تسويق البضائع السياسية الفاسدة عليها، وتحويل المشاعر الوطنية إلى ملاعب الكرة أو لحشد الدعم لفناني البلد في برامج تلفزيونية هابطة.

 

جاءت ثورة الشباب المصري وبعد التغيير التونسي لتعيد للرأي العربي مكانته وكلمته، فهؤلاء الشباب أجبروا الطغاة -والذين كانوا يتلقون دعمًا دوليًّا كبيرًا- على التنحي والخروج من المشهد السياسي بذلة وصَغَار.

 

نجاح ثورة مصر يؤذن بمرحلة من الاستقلال والسيادة عن الاستعمار الغربي غير المرئي، والذي يتدخل في شئون بلادنا بشكل سافرٍ وفجٍّ، إما من خلال فتات المساعدات المالية والتي لا تعادل شيئًا في مقابل الاستيلاء على ثروات بلادنا ومقدراتنا في صفقات مشبوهة، أو من خلال رفع فَزَّاعة التطرف الديني والإرهاب أو حماية أمن الدول العبرية أو استقرار الأنظمة الصديقة.

 

المواقف الغربية من ثورة مصر هي مخادعة وغير صادقة على الإطلاق، وهي محاولة لإعادة الإمساك بخيوط اللعبة وإيجاد رجال ودُمَى للمرحلة القادمة, فلولا الدعم الغربي والأمريكي للنظام المصري وتزويده بأدوات القمع والتعذيب، ومده بالغطاء السياسي، لم يكن لنظام مبارك أن يحكم ويتحكم بالبلاد والعباد لأكثر من ثلاثة عقود.

 

وإذا كانت إدارة أوباما جادة في دعمها لنقل السلطة لحكومة منتخبة، فإنّ عليها أن تعتذر للشعب المصري عن دعم الإدارات الأمريكية غير الأخلاقي لنظام مبارك الفاسد والمفسد، وأن تدفع التعويضات لمصر على ما سبّبته لها من تخلف ومعاناة, أليسَ من السخرية أن يكون الهاجس الغربي الأكبر هو في الحفاظ على معاهدة السلام مع الصهاينة دون أن يطرح التساؤل المشروع: إذا كان على الحكومة المصرية مثل هذا السخط الشعبي الكبير، فهل كانت حكومة شرعية بالعُرْف الديمقراطي؟ وهل اتفاقياتها ومعاهداتها ملزمة لشعب لم يكن له رأي فيها؟

 

الدولة العبرية تعيش أصعب أيامها، فكما قال نائب رئيس وزرائها سيلفان شالوم -بعد أحداث تونس- بأن انتقال الثورة والديمقراطية للدول المجاورة لها سيكون له تبعات على أمنها القومي.

 

الاحتلال الصهيوني يدرك تمامًا أنه أضعف من أن يواجه الخيارات الشعبية وأن الشباب العربي الحرّ والذي يصنع التغيير، يرفض أن تقوم بلاده بدور الحارس للاحتلال والراعي لجرائمه, إنّ الكيان العبري الذي يقف عاجزًا عن حسم مواجهته أمام حركات مقاومة لا تملك من القدرات المادية إلا الشيء اليسير، لهو أعجز من أن يتعامل في المنطقة بلغة الآمِر الناهي على قيادات تعكس المزاج الشعبي وتستمدّ قوتها من دعمه واختياره لها.

 

الشباب المصري والذي عكس في أيام الثورة حسًّا وطنيًّا عاليًا، وتعاملاً أخلاقيًّا راقيًا وهو يتنسم نسائم الحرية، قادر على جعل بلاده تركيا أخرى اقتصاديًّا وتقنيًّا وسياسيًّا تحت قيادة وطنية أمينة وصادقة, ولتقود مصر الدول العربية إلى مرحلة العمل الجادّ والاقتصاد المنتج بعيدًا عن ثقافة النفاق والشعارات والإنجازات الزائفة كروية كانت أم صناعية أم اقتصادية بأرقام وهمية أو شهادات دولية خادعة أو تقارير إعلامية مفبركة.

 

الزلزال المصري سيكون له انعكاساته الارتدادية في المنطقة العربية سياسيًّا واقتصاديًّا، فصاحب القرار في الدول العربية سيحسب للرأي العام حسابًا جديًّا بعد طول إهمال واستهتار، إن كان في الشئون الداخلية أو الخارجية، وسترتفع الأصوات المطالبة بالحق البديهي في المشاركة والمحاسبة وهو ما شهدنا كثيرًا من بوادره في غير دولة عربية.

 

لن يكون مقبولاً بعد اليوم خصوصًا بعد أن أصبح الحديث عن ثروات رجال النظامين التونسي والمصري موثقًا وعلميًّا، أن ينعم رجالات الحكم العرب وأقرباؤهم بمليارات السحت الحرام خصوصًا إذا كانت الغالبية من الشعب تشتكي فقرًا مدقعًا أو بطالة منتشرة مع غياب كبير للخدمات الأساسية والبنية التحتية.

 

على الأنظمة العربية المبادرة للقيام بإصلاحات جدية عناوينها رفض التوريث المقيت وإدانة مقترفيه، والتداول السلمي على السلطة، وتعزيز ثقافة المساءلة والمحاسبة والشفافية، واحترام كرامة المواطن وحقوقه وعلى الأخص في التعبير والمشاركة السياسية.

 

إنّ التأخر في الإصلاحات الجدية يعني نهاية وشيكةً وبائسة لتلك الأنظمة القمعية بعد أن تحطم حاجز الخوف عند المواطن العربي، وذاق طعم الحرية والكرامة، والقدرة على هزيمة الطغاة وأجهزتهم التسلطية وأدواتهم القمعية.

meetelhaloog

أهلا بكم فى موقع ميت الحلوج - موقعنا كلنا

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 65 مشاهدة

ساحة النقاش

ميت الحلوج

meetelhaloog
لكى يعلم الناس ان كلماتنا كالعرائس اذا عشنا من اجلها ومتنا فى سبيل تحقيقها دبت فيها الحياة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

38,278