هل يؤسس السلفيون حزبا سياسيا في مصر ؟
علي عبد العال
تمثل المشاركة السياسية أحد أهم الإشكاليات التي يواجهها السلفيون من وقت لآخر؛ فباعتبارهم أحد أكبر مكونات العمل الإسلامي في مصر، ومع رفضهم المتكرر للانخراط في أي مشاركة سياسية ظل السلفيون -بين حين وآخر- يواجهون تهمًا بالسلبية والتخاذل عن المشاركة العامة.
وخلال الحراك السياسي والمجتمعي الذي شهدته البلاد في السنوات القليلة الماضية، لوحظ خروج حركات شبابية احتجاجية من الأوساط السلفية رافضة لمنهج الشيوخ المتحفظ على أي مشاركة، وبرز من بينها حركة "حفص" التي يتزعمها رضا صمدي، وكانت قد شاركت في عدد من التظاهرات والوقفات المنددة باعتقال كاميليا شحاتة، إلى جانب عدد آخر من الحركات الشبابية.
وفي ظل المتغيرات التي باتت تشهدها الساحة المصرية في أعقاب ثورة الشعب (25 يناير) التي أدت إلى رحيل نظام الرئيس مبارك، طالب الشيخ محمد حسان علماء الدعوة السلفيَّة بإعادة النظر في كثير من المسلمات، كمسألة الترشح لمجالس الشعب، والشورى، والرئاسة، والحكومة. وخلال مؤتمر سلفي حاشد شهدته محافظة المنصورة (الجمعة 18 فبراير) قال الداعية الإسلامي البارز: "لا ينبغي أن نكون سلبيين (...) أطالب شيوخنا أن يجتمعوا وأن يؤصلوا ليخرجوا شبابنا من الفتنة ومن البلبلة التي عاشوا فيها طيلة الأيام الماضية".. وتساءل "إن لم نوجد الآن على أرض الساحة لنوجِّه شبابنا وأولادنا، فمتى سنخرج؟".
وهي دعوة غير مسبوقة، لم تكن لتخرج من أحد أبرز الدعاة السلفيين، لولا المتغيرات التي ساهمت بشكل كبير في أن تتطلع كافة مكونات الحركة الإسلامية التي كانت مطاردة في السابق (بين المنع والاعتقال) للمشاركة من خلال كيانات قانونية معترف بها.
فبعد يوم واحد من حصول حزب "الوسط" ذي المرجعية الإسلامية على ترخيص قانوني بمزاولة نشاطه، قال د. محمد بديع -المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين-: إن مكتب الإرشاد اتخذ قرارًا بالبدء في الإعداد لإنشاء حزب سياسي للجماعة تحت اسم "الحرية والعدالة"، وهي خطوة طالما أحجم عنها الإخوان -الفصيل الإسلامي الذي يشارك في الحياة السياسية- في ظل النظام السابق.
وهي أيضًا خطوة سبقتهم إليها "الجماعة الإسلامية" التي كانت تحمل السلاح لمواجهة نظام مبارك قبل أن تجري مراجعات فقهية لم تنه حالة الحظر السياسي التي فُرضت قصرًا على قادتها وكوادرها بعد خروجهم من السجون.
لكن لم يعلن السلفيون حتى الآن موقفهم من هذه الخطوة. وتريد الدعوة السلفية -على ما يبدو- أن تمنح نفسها مزيدًا من الوقت لتراقب الوضع على مهل، من حيث تعديل القوانين المانعة ونوايا القوة الحاكمة حديثًا في البلاد، غير مطمئنة إلى كل هذه التحركات التي باتت تدلل بقوة على تغيير جذري في المنظومة السياسية في مصر.
وتعليقًا على دعوة الشيخ محمد حسان كتب أحد الشباب السلفيين على شبكة الإنترنت، قائلاً: ما تفضل الشيخ بإيراده لا يكاد يختلف عليه علماء الأمة "شريطة أن نجد على الأرض تلك الوعود والآمال التي ما زالت في إطار الأحلام؛ من انتخابات نزيهة، وعدالة اجتماعية، واحترام لكرامة الإنسان". بينما كتب آخر: "إنه لمن التهور والطيش أن نقرر تقريرات لمرحلة إلى الآن لم تتضح معالمها، وإن كان المؤول خيرًا إن شاء الله"، وأضاف "هذا العصر لم تتحدد بعدُ ملامحه على وجه اليقين".
وكانت الدعوة السلفية -التي تضع كثيرًا نصب عينها انقلاب النظام الجزائري على الانتخابات التي فازت بها "جبهة الإنقاذ الإسلامية" أوائل تسعينيات القرن الماضي، وممارسات القوى الدولية والإقليمية والمحلية ضد حركة "حماس" بعد فوزها بالانتخابات الفلسطينية- تدفع في السابق بأن معطيات اللعبة السياسية في ضوء موازين القوى عالميًّا وإقليميًّا وداخليًّا لا تسمح لها بالمشاركة "إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم" لا يقبل السلفيون أن يضحوا بها في سبيل الحصول على وضع سياسي، على حد قول الشيخ ياسر برهامي في مقابلة سابقة لنا معه.
كما يتخوف قادة التيار السلفي من أن تشن حملة تشويه بحقهم، من قبل قوى سياسية وثقافية ومجتمعية معادية لوجود الإسلاميين على الساحة، في حال أعلنوا خوضهم غمار العمل العام والمشاركة السياسية؛ ففي تصريح خاص سألنا الشيخ عبد المنعم الشحات: إلى أي حد يمكننا أن نرى تغيرًا في مواقفكم من العمل السياسي، في حال جرى تنظيم انتخابات حقيقية، بحيث يكون الفيصل بين قوى المجتمع هو صندوق الانتخابات؟ فأجاب بأن "عدم نزاهة الانتخابات لم يكن المانع الوحيد من المشاركة"، هو بالفعل أحد هذه الموانع، لكن هناك أسباب أخرى منها ما وصفه بـ"الإرهاب الفكري العلماني".
إذ يعتقد السلفيون أن القوى العلمانية تمارس إرهابًا فكريًّا بحقهم؛ وذلك بسبب توجهاتهم الدينية، حيث تعد مسألة التخويف من بروز الإسلاميين على الصعيد الداخلي والخارجي في أعقاب أي عملية انتخابية يفوزون بها، أو ما يعرف بـ"فزاعة الإسلاميين" أحد أهم العوامل التي تحول بين الإسلاميين وبين انخراط قوي من قبلهم في الحياة السياسية، ما يجعل هؤلاء يتحاشون أي وجود لهم قد يثير قوى معادية ويدفعها لشن حملات إعلامية بسبب توجهاتهم.
وكان الشحات قد اعتبر في مقال له هذه "الفزّاعة" أحد الأسباب وراء عدم مشاركتهم بقوة في التظاهرات التي أنهت حكم الرئيس مبارك؛ فالسلفيون "هويتهم مميزة"، لأنهم يحافظون على الهدي الظاهر، المتمثل في اللحية والثياب الذي يميزهم. و"ظهور السمت السلفي" بين المتظاهرين "ربما أدى إلى فقد الضغط العالمي نحو عدم استعمال القوة" من قبل النظام لمواجهة المتظاهرين، فكان غياب السلفيين -على حد قول الشيخ عبد المنعم الشحات- "يصب في حماية المظاهرات في الحقيقة لا في إجهاضها".
وأضاف الشحات -وهو أحد أبرز وجوه الدعوة السلفية في الإسكندرية- أمرًا آخر داخليًّا يمنعهم من المشاركة السياسية "يتعلق بترتيب الأولويات من وجهة نظر الدعوة، وكيف تقدم الدعوة حراسة الدين على سياسة الدنيا بالدين عند التعارض مع اعتقادها وجوب الأمرين".
لكن وبالرغم من كل ذلك، يرى مراقبون أن دعوة الشيخ محمد حسان لم تكن لتصدر بهذا الشكل ما لم يكن الأمر مطروحًا بقوة للتفكير فيه وبحثه بين دعاة التيار السلفي، وربما اتخاذ موقف عاجل حياله، في ظل المتغيرات الحاصلة التي تدعو كافة القوى الموجودة في المجتمع إلى العمل من خلال كيانات قانونية معترف بها، خاصة بعد إزالة الكثير من الحواجز التي كانت تحول بينها وبين ذلك في السابق.
ومن جهة أخرى، ربما يحرص السلفيون على الاستفادة من هذه المتغيرات للحصول على صفة "القانونية"، ولإثبات كونهم قوة شرعية لها حق الوجود كغيرها من باقي القوى السياسية والاجتماعية، خاصة إذا كانت دوافع العمل السري تكاد تكون منتفية لدى هذه الجماعة السلمية الدعوية، إذا ما قورنت بغيرها من بعض القوى الإسلامية وغير الإسلامية. وهو ما قد ينتهي بهم إلى الإعلان عن تشكيل حزب سياسي، أو ربما جمعية خيرية يزاولون من خلالها أنشطتهم الدعوية.
ساحة النقاش