<!--<img src="http://s7.addthis.com/static/btn/v2/lg-share-ar.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border:0" />--> <!-- AddThis Button END -->

معركة مباحث أمن الدولة الأخيرة

محمد عبد السلام

اسم ظل لعهود طويلة مصدر رعب وفزع في نفوس كثير من المصريين، ظل قرينًا ومرادفًا لكل أنواع الظلم والقهر والجبروت، فزّاعة الشعب المصري على مر العصور بكل جدارة واستحقاق، حتى إن الناس كانوا يخشون ذكر اسمه على ألسنتهم، أو حتى المرور في الشوارع أو الطرق التي توجد بها مقراته، ومن اضطر للمرور من أمام إحدى هذه المقرات كان عليه ألا يصوب بصره تجاه مبنى الجهاز، أو يحد البصر في أحد من حراسات هذا المبنى الرهيب.

 

باختصار شديد إنه جهاز مباحث أمن الدولة، هذه الفزاعة الرهيبة اليوم تتهاوى تحت ضربات الثورة المباركة، التي كان ظلم وجرائم أمن الدولة أحد أهم أسباب اندلاعها واشتعالها، وهذا الجهاز يخوض اليوم معركته الأخيرة من أجل البقاء.

 

لماذا أنشئ جهاز أمن الدولة؟

كثير من الناس لا يعرفون أن الإنجليز هم أول من أنشأ جهاز أمن الدولة في مصر، وذلك في سنة 1913م، وكان يُطلق عليه اسم القلم المخصوص، ويتبع المندوب السامي البريطاني مباشرة. والهدف من إنشائه متابعة نشاط الأحرار والمجاهدين الساعين لاستقلال البلاد عبر كل الوسائل المتاحة عسكريًّا وسياسيًّا، وقد استعان الإنجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولى إدارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان أحد رجال الانجليز في مصر.

 

وبعد توقيع معاهدة 1936م تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخرى للإسكندرية، إضافة إلى "قسم مخصوص" يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية على هذا القسم؛ حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك، ورغم أن هذه الأقسام كلها كانت لخدمة الاحتلال الإنجليزي، إلا أن العاملين في هذه الأقسام الثلاثة كانوا من المصريين، سواء من الضباط أو المحققين أو المخبرين.

 

بعد ثورة 52 تغيرت كثير من الأوضاع والهياكل التنظيمية داخل مصر؛ بدعوى أنها من العهد البائد ولا بد من التخلص منها، ما عدا هذا الجهاز حيث لم يطله التغيير أبدًا، والتغيير الوحيد الذي طرأ عليه هو الاسم فقط، فقد أصبح اسمه "المباحث العامة"، ثم أصبح اسمه أيام السادات "أمن الدولة"، واكتسب هذا الجهاز سمعته المخيفة في عهد جمال عبد الناصر، الذي كان لا يطيق فكرة وجود أدنى معارضة لسياساته الاستبدادية خاصة من جماعة الإخوان المسلمين، وفي عهده امتلأت السجون أو قُل "المسالخ الآدمية" بعشرات آلاف من الأبرياء والمظلومين، غالبيتهم لم يَرَ النور بعدها وقُتل أو مات تحت وطأة التعذيب. وكان المصريون يطلقون على مباحث أمن الدولة لقب "زوّار الفجر"، وكان الذي يزار من قبل هؤلاء الأشباح أو يستدعى لمبنى أمن الدولة، يودعه أهله؛ لأنه أغلب الظن أنهم لن يروه مرة أخرى.

 

ونظرًا لشهرة هذا الجهاز وشراسة ودموية القائمين عليه، فقد أصبح من الأمور المقطوع بها في الحياة السياسية المصرية البوليسية في مجملها منذ ثورة 52؛ إذ إن قيادات أمن الدولة عندما تنهي عملها المفزع بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولي مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية، فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمي، وممدوح سالم (وزيرًا للداخلية ثم رئيسًا للوزراء) وسيد فهمي، وحسن أبو باشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي، وهذه المناصب السيادية والحساسة أوجدت نفوذًا ضخمًا لأمن الدولة في كل مفاصل الحياة المصرية بشتى تفريعاته، وأصبح مثل الأخطبوط أو الورم السرطاني المنتشر في جميع أجزاء الجسم، يقتله ببطء ويسيطر عليه بالتدريج.

 

الجهاز يضم ضمن تركيبته المعقدة التي تشبه "الخلايا العنقودية" مكاتب رئيسية منفصلة تشمل: وحدة جمع المعلومات، مكتب مكافحة النشاط الإخواني، مكافحة النشاط السلفي، مكتب مكافحة الطوائف الذي يختص بنشاط الجماعات الصوفية والبهائيين والنوبيين، مكتب مكافحة النشاط الشيعي، إضافةً إلى مكاتب متخصصة في متابعة الأحزاب والنقابات والجامعات والحركات العمالية والنوادي الرياضية والاجتماعية والجمعيات الخيرية، ومكتب متخصص في متابعة أحوال الكنائس المصرية، وقسم مكافحة النشاط الطلابي بالجامعات، ومكتب النشاط الديني وهو مخصص لمتابعة أئمة الأوقاف وشيوخ المساجد وكتاتيب تحفيظ القرآن، والهيئات والمصالح الحكومية.

 

نفوذ هذا الجهاز يطول كل شبر على أرض مصر، وكلمتهم هي الفاصلة في اتخاذ غالب القرارات السياسية وغيرها في البلاد، حتى وصل نفوذ أمن الدولة للتجسس على قيادات الجيش المصري نفسه، كما كشفت آخر التحقيقات مع الطاغية حبيب العادلي.

 

أوهام الهيكلة

هذه الحقائق التاريخية والحالية عن جهاز أمن الدولة، نضعها كما هي أمام المطالبين ببقاء جهاز أمن الدولة، وتعديل سياساته وأنظمة ومجالات عمله؛ فالجهاز ما أُنشئ في الأساس إلا لقمع المعارضين وتعقب الأحرار، فهو لم يكن يومًا جهازًا لأمن الدولة أو حماية الوطن، بل جهازًا للتعذيب والتنكيل والترويع لكل الشرفاء والدعاة والمتدينين وأصحاب الآراء المعارضة؛ فالجهاز لم يضطلع على الحقيقة بدور وطني أو أمني للبلاد، حتى يظن منه أن يقوم به الآن. كما أن حجم الملفات والاختصاصات والمجالات التي يعمل فيها -أو قُلْ يخرب فيها أمن الدولة- أكبر وأعمق وأخطر مما يظن إن هذا الجهاز سيعدِّل سياساته أو أساليب عمله.

 

إن حجم الملفات التي كان يديرها أمن الدولة طيلة عقود تجعل من الصعب السيطرة عليه أو تفكيكه، كما أن تركيبته الضخمة وحجم الامتيازات والرواتب الكبيرة التي يحصل عليها جميع من يعمل داخل هذا الجهاز تجعل من قياداته فوق الدولة وفوق القانون وفوق الوطن، ويبدو أن الحديث عن إعادة هيكلة الجهاز وإحداث تغييرات جذرية في قياداته، هو نوع من الثورة المضادة والترتيب السري لتدارك آثار الثورة والضربات المؤلمة التي نالها الجهاز على يد الثوار، فثمة خطة إنقاذ لهذا الجهاز يشرف عليها القائمون عليه لاستعادة نفوذهم وهيمنتهم على المشهد السياسي والاجتماعي في مصر.

 

المعركة الأخيرة

شغب في سجن دمنهور يسفر عن مصرع وإصابة العشرات، محاولة لاقتحام سجن شبين الكوم، رفض من كافة ضباط الشرطة في شتى المدن المصرية للنزول والعمل في الشارع، وعدم الاستجابة لنداءات المواطنين بإنقاذهم من هجمات المجرمين، تأجيل الدراسة مرة بعد مرة؛ بسبب عدم توافر الحماية اللازمة للطلاب والطالبات، هجمات منهجية ومنظمة من المجرمين والبلطجية في استراتيجية واحدة وثابتة، تقوم على بثّ الرعب والفزع وترويع الآمنين، وجرائم تكاد تكون متطابقة؛ هذا هو عنوان المشهد الأمني في مصر هذه الأيام، وهو مشهد لا تخطئه عين المحللين والمتخصصين حتى رجل الشارع العادي؛ فالكل في مصر الآن قد ارتفع وعيه السياسي، وأصبح يعرف سر هذه الفوضى الخلاّقة، وأن جهاز أمن الدولة هو العقل المدبر الذي يقف وراء كل هذه المشاهد الفوضوية.

 

فثمة اعتقاد راسخ نما وترعرع في الشعور الجمعي لضباط الداخلية أنهم فوق الجميع وأسياد البلاد، وأنهم مواطنون درجة أولى وغيرهم من الدرجة الثانية، ولعل الفيديو المشين الذي أظهر مدير أمن البحيرة وهو يصف الضباط بأنهم أسياد الناس، وأنهم سوف يقطعون يد من يتطاول على سيده، يلخص ويترجم هذا الشعور. بل إن هذا الشعور يتلقاه طالب كلية الشرطة ويتشربه في كليته منذ السنة الأولى لدراسته، وهي المعضلة الحقيقية وراء الأزمة الأمنية في مصر الآن؛ فضباط الداخلية لن يقبلوا أبدًا العمل تحت شعار (الشرطة في خدمة الشعب)، فهم قد تربوا واعتادوا على أن الشرطة هم أسياد الشعب، وقد استغل جهاز أمن الدولة هذا الشعور جيدًا، فأزكوا مخاوف باقي ضباط الداخلية وأزكوها بقوة، حتى أصبحنا أمام فراغ أمني خطير يشعر به الجميع في مصر الآن.

 

ورأيي أن القائمين على جهاز أمن الدولة الآن في مصر يقومون بمعركتهم الأخيرة من أجل البقاء، من أجل الحفاظ على هياكلهم وأنظمتهم وسياساتهم القديمة، هذا الجهاز كان يمسك بأطراف الحياة المصرية بأسرها، وقياداته الآن تحاول الدفاع عن هيبتهم ومكانتهم حتى النهاية، تحاول ترتيب صفوفها، وترميم المقار التي تعرضت للحرق، واستعادة الملفات المفقودة، وصياغة خطة إعادة انتشار وتغلغل جديدة لعملاء الجهاز في كافة أنظمة التيارات السياسية والجماعات الإسلامية والحركات الاحتجاجية، على أن يتم التركيز خلال الفترة المقبلة على بحث كيفية التصدي لمستجدات ما بعد الثورة.

 

لذلك فالثوار لا بد أن يكونوا على بصيرة -وهم كذلك- من خطورة بقاء هذا الجهاز وضرورة إلغائه مهما كان الثمن، ويتحتم عليهم أن يبقوا في الميدان حتى يستأصل هذا الورم السرطاني الذي نخر في جسد الوطن البلاد طيلة قرن من الزمان، وأن أي حديث عن إعادة الهيكلة وتعديل السياسات أو حذف بعض التخصصات، فكل هذه الدعاوى ما هي إلا إهدار للوقت وتضييع للفرصة والتفاف حول المطالب العادلة والشرعية للشعب، وإعطاء الفرصة لهذا الجهاز ليلمَّ أوراقه وينظم صفوفه ويرتب أوضاعه المهتزة، ويعود بكل قوته كما كان في الأيام السالفة. ولكن كل هذه المكائد والدسائس سيتم إبطالها وتذهب أدراج الرياح، ذلك أن الشعب لن يسمح أبدًا بعودة الأوضاع في مصر كما كانت قبل 25 يناير.

meetelhaloog

أهلا بكم فى موقع ميت الحلوج - موقعنا كلنا

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 65 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2011 بواسطة meetelhaloog

ساحة النقاش

ميت الحلوج

meetelhaloog
لكى يعلم الناس ان كلماتنا كالعرائس اذا عشنا من اجلها ومتنا فى سبيل تحقيقها دبت فيها الحياة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

38,279