العلمانيون واختطاف الثورة

 

 

تميزت ثورة يناير المباركة بأنها صهرت كل أطياف الشعب المصري في بوتقة واحدة جعلت هذه الأطياف تتغاضى عن عناصر الاختلاف فيما بينها، وتتجمع على المشترك؛ لذا شهدنا توحدًا وانصهارًا وخليطًا يجمع الكل محجبة وغير محجبة ومنتقبة، وإمام مسجد وقس مسيحي، ومحافظ في سلوكياته، وفنانًا، وشبابًا من طبقات ثرية مع فلاحي الأرض الأُصلاء، وربات البيوت مع العاملات، على غير هذه التنويعات الموجودة في بنية الشعب المصري.

 

لم يكن أحد من هذه الجموع يفكر في أيديولوجية خاصة ولو كان من ذوي الأيديولوجيات خارج الميدان، ولكن لم يكن من معاني ذلك أن هذه الجموع تفكر بانصهارها ذلك في الثورة في التخلي عن ثوابتها؛ المتمثلة في دينها وعروبتها وحريتها ومدنيتها.

 

لذا فقد ساء الجميع ما وجدوه من انتفاضة مشئومة لشرذمة من العلمانيين الذين دأبوا خلال فترة النظام السابق على إثارة الفتن بين فئات الشعب: مسلمين ومسيحيين، متدينين وغير متدينين، والذين كانوا من أبواق النظام الحاكم، وحاولوا التلون بعد الثورة ليصبحوا بين عشية وضحاها من الثوريين الأصلاء على النظام الفاسد المخلوع، انتفاضة كان غرضها الأساسي خطف الثورة بل خطف الوطن كله..

 

هذه الانتفاضة المشئومة كان قوامها شيئين: الأول: الدعوة للتخلي عن أهم ثوابت مصر وهو دينها، من خلال الدعوة لحذف المادة الثانية من الدستور والتي تنصُّ على أن دين الدولة هو الإسلام، وأخذوا يروجون أن هذه المادة تخالف حق المواطنة الذي ينبغي الأخذ به، ورددوا نفس الدعاوى التي كانوا يرددونها أيام النظام السابق.

 

ولا جديد فيما يقولونه؛ فهم أنفسهم الذين كانوا يشعلون الفتنة في السنوات الماضية، ولكن من خلال أحداث الثورة فهم الجميع: مسلمون ومسيحيون أن هؤلاء العلمانيين كذّابون أفَّاقون, لعبتهم التي يجيدونها إثارة الفتنة؛ فقد وجدنا خلال أحداث الثورة أنه لم تحدث حادثة طائفية واحدة، ولم نجد إلا التلاحم والمودة بين المسلمين والمسيحيين، ولم نجد إلا الخوف المشترك على الوطن، والرغبة في تحريره من الظالمين وأذنابهم من مثيري الفتن بين عنصري الأمة.

 

ونحن الآن ندرك أن تلك الدعوات التي أطلقها العلمانيون لا تعبر عن خوفهم على المواطنة كما يزعمون، ولكنه تعبر عن كراهية عميقة للدين، ولاستقرار الوطن أيضًا.

 

إن فلول العلمانية البائسة رأت في صلاة الجمعة التي أمَّها الشيخ القرضاوي حفظه الله في ميدان التحرير خطرًا يهدد البلاد؛ وما ذاك إلا لكراهيتهم لأسس الدين وثوابته؛ فهم لم يجدوا مظهرًا سياسيًّا يخوفهم فيهاجمونه ونلتمس لهم العذر، وإنما هي صلاة فرضها الله تعالى، وهم يبغضون كل ما يمت للدين بصلة، وكيف يقبلون بالصلاة وتجمع الشباب فيها، وهم الذين نادوا بمنع الأذان في مكبرات الصوت، وسعوا في إغلاق المساجد، ومنع بنائها.

 

ثم نددوا بما ادعوه من منع وائل غنيم من المنصة, بينما شهد الأستاذ وائل الإبراشي -في مقابلته ببرنامج العاشرة مساء مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة- بأنه لم يُمنع من المنصة، وأن الإخوان لم يفعلوا ذلك.

 

إن وطننا وطن عميق التاريخ، له ثوابت لا يستطيع هؤلاء الأقزام أن يتطاولوا عليها، وهذه الثوابت هي التي تحفظ للوطن هويته واستقراره؛ فبوجود الإسلام تُحفَظ حقوق المسيحيين وغير المسلمين عمومًا، وهو ليس دينًا فقط، وإنما هو حضارة تظلل الجميع، وتاريخه في ذلك معروف؛ حتى إن القطب السياسي المصري المسيحي الكبير الأستاذ مكرم عبيد كان يقول: أنا مسلم وطنًا، ومسيحي دينًا.

 

أما الشيء الثاني من قوام انتفاضة العلمانيين المشئومة التي تريد خطف الثورة والوطن فهو تكرار الدعوة إلى الاستئثار بالسلطة والحياة السياسية وإقصاء ما لا يريدون من قوى، وقد تمثل ذلك في لقاء الصحفيين والكتَّاب مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذين رأينا فلول العلمانيين الذين كانوا يتصدرون الجرائد والمجلات، وينافقون النظام الفاسد المخلوع، ويروجون له أفكاره، ويجمِّلون صورته؛ فهم في الواقع أعداء للشعب، وأصدقاء حميمون ومستفيدون لأعداء الوطن والشعب.

 

وجدنا هؤلاء في ذلك اللقاء يحرضون –وهذه هي حرفتهم- المجلس الأعلى على استبعاد قوى وطنية كالإخوان المسلمين من العملية السياسية، ويحاولون تكرار أسلوبهم القميء الذي استخدموه مع النظام السابق في تخويف المجلس الأعلى من تلك القوى.

 

هذه الطريقة وذاك الأسلوب الذي انكشف كذبه وضلاله يفصح عن محاولة واضحة لاختطاف الثورة بكل السبل؛ فهم -على عكس شباب وجموع الثورة المنفتحة على بعضها- يريدون إعادة البلاد للديكتاتورية ومنهج الإقصاء السياسي والاجتماعي؛ حيث يقصي النظام من يخالفه.

 

وقد وجدنا أصداء ذلك المنهج في حوار الشاعر عبد الرحمن الأبنودي مع الأستاذ وائل الإبراشي، والأبنودي المعروف بيساريته، والذي تجاوب مع نظام مبارك، وكان من أبواقه، وغنَّى لمشروع توشكى الذي جرَّ الخراب على البلاد حتى الآن؛ فهو يهاجم الإخوان ويتهمهم بمحاولة سرقة الثورة رغم أن الإخوان كانوا من أعمدة الثورة بأفرادهم دون أن يعلنوا عن أنفسهم كجماعة، وتلك قمة إنكار الذات، والرغبة في التلاحم والانصهار مع الجموع.

 

إن إقصاء أحد الأطراف الوطنية من العملية السياسية هو رِدَّة لزمن الديكتاتورية التي لا يستطيع العلمانيون الحياة في غير أجوائها؛ فالعلمانيون –كما يدل تاريخهم في بلادنا- لا يرتعون وينتشرون ويُثرون إلا في أزمنة الديكتاتورية، وإن تظاهروا بإنكار ذلك؛ وما ذاك إلا لأن جموع الشعب ترفضهم وتنبذ أفكارهم؛ لذا أرجو من شباب الثورة وكل من شاركوا فيها، بل ومن جموع الشعب أن يحذروا محاولات العلمانيين لاختطاف الثورة، ولإنكار وتقويض ثوابت الأمة، ولإعادة أجواء الديكتاتورية والإقصاء السياسي والاجتماعي إلى بلادنا الحبيبة، وأسأل الله أن يتم لنا نجاح الثورة، ويحقق أهدافنا منها، ويرتقي ببلادنا، إنه سميع مجيب.

meetelhaloog

أهلا بكم فى موقع ميت الحلوج - موقعنا كلنا

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2011 بواسطة meetelhaloog

ساحة النقاش

ميت الحلوج

meetelhaloog
لكى يعلم الناس ان كلماتنا كالعرائس اذا عشنا من اجلها ومتنا فى سبيل تحقيقها دبت فيها الحياة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

38,319