دموع الأمل… فراق يوسف

أحب النبي يعقوب (عليه الصلاة والسلام) ابنه يوسف (الصديق) حبّا شديدا، الأبوّة في ذاتها تحمل حبا قويا، وإضافة لوفاة والدة يوسف صغيرا تعزز هذا الحب

حاول يعقوب الحفاظ على يوسف، حتى عندما إستأذنه أبنائه في اصطحاب يوسف ليلعب شأنه شان أي طفل (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، تردد يعقوب، فهو لا يحب حتى أن يغيب يوسف عن نظره فترة ذهابهم إلى اللعب (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ) وهوبالطبع يخاف على صغيره (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)

يعقوب يحب يوسف بشدة، يحب بقائه جواره ويخاف عليه ويفكر قبل أي قرار يخص ولده، حتى يضمن سلامته واستمرار صحبتهما في الدنيا

——-

يدخل الأبناء الأحد عشرا على يعقوب يبكون وفي أيديهم قميص يوسف ملطخا بالدم

(وجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)

الأبناء يقولون أن الذئب أكل يوسف، وفي أيديهم دليلا ماديا - وإن كان ملفقا!- على ذلك، وهم يبكون أخاهم

هناك الآن دليلا عقليا وماديا وعاطفيا أمام يعقوب على أن يوسف فارقه للأبد

أحد عشر شخصا يخبرونه بأن يوسف مات بعدما أكله الذئب، حاملين دلائل متنوعة على ذلك، ويعقوب يرفض تصديق ذلك

  (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا)

ومنذ علمه بالخبر، يتولد لديه أمل على الاجتماع مع حبيبه يوسف ثانية

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ )

بكل ثقة يخبر الأبناء وفي أعينهم الدمع وفي أيديهم الدليل أنها مسألة وقت إذا اصطبروا سيجدوا يوسف

وهو وقت يعرف أنه سيمر عليه عصيبا، لا يهوّنه إلا أن يهوّنه الله الرحيم … حتى إذا صدق ما يقولونه

(وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )

—-

تمر الأيام والسنين ولا يأت يوسف، الاستنتاج المنطقي أنه هلك، إن كان أكل الذئب له إدعاء من إخوته

لكن يعقوب لا يفقد الأمل، لا ينس يوسف، يحتضن أخيه الشقيق بنيامين، يتصبّر على الفراق بأمل أن يجمعهما الله

لكن المشيئة الإلهية أخذت بنيامين إلى مصر، ليفقد يعقوب ولدين، يوسف وبنيامين الذي يحمل ذاكره…

وإجابة يعقوب هذه المرة هي ذاتها التي قالها قبل أكثر من ثلاثة عقود عندما فقد يوسف

(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)

الفقد للمرة الثانية لم يزحزح أمل يعقوب، بل ضاعفه، هو الآن يأمل في لقاء يوسف وبنيامين

(عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا)

——

يعقوب نبي الله ابن وحفيد أنبياء، وهو يؤمن أن الفراق قدر وألمه اختبار، وأن كل القدر خير وأن للإختبار حكمة…

(إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )

وهو بشر، ينعزل ويبكي

(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ )

دموع يعقوب الكثيرة التي أخذت بصره ليست حزنا على خسارة أو تألما لفقدان، إنما دموع أمل … دموع متشوّقة لغاية لا يبلّغها إلا صبر يعينه الله عليه

(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)

فهو لا يندب يوسف، إنما يذكره  بعد أن يتولى عنهم، في لحظات مناجاته لربه يخبره بالألم الذي تركه فراق يوسف في نفسه

(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ)

——

في الوقت الذي تلقى فيه يعقوب خبر-كاذبا- بفراق يوسف الأبدي له، كانت القافلة تلتقط يوسف من البئر وتنقذه

بينما كان يعقوب يبكي يوسف، كان الفتى يكبر في بيت ملك مصر

عندما فقد يعقوب بصره بكاءا على فراق يوسف، كان يوسف ملكا على مصر

في لحظة اجتمع ثلاثتهم، وتحقق أمل يعقوب الذي لم يكن له أي دليل عقلي أو مادي… وآمن إخوة يوسف، ورفع الصديق أبويه على العرش…

———

لا تيأس أن تأمل … استمر في هز جذوع النخيل حتى لو يساقط عليك الرطب

أنا

 

المصدر: نهى عاطف
mazlom

MaZlOoOoM

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1356 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2012 بواسطة mazlom

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

499,735

دعاء الزواج

  • اللهم ارزقني بزوجه صالحه ..تقيه ..هنيه ..عاشقه لله ورسوله .. ناجحه في حياتها ... اكون قرة عينها وقلبها وتكون قرة عيني وقلبي ..
  • اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين زوجه تكون غنيه بدينها واخلاقها ومالها وتهنيني وتسعدني وتفرح قلبي

    Mohamed Mazlom