الأستاذة: نبيح آمنة-  جامعة الجزائر-فيفري 2009

تمهيد

يعرف عالم اليوم تطورات سريعة في ميدان الاتصال، انعكست بصورة كبيرة على ميدان الإعلام عموما، وعالم الصحافة المكتوبة بصفة خاصة، فالنظام الرقمي جمع بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، مما أدى إلى ظهور سوق حقيقي للوسائط المتعددة، التي تسمح بإدماج الكثير من المعطيات من مصادر مختلفة، كالنصوص والصور والأصوات والبيانات والرسومات والفيديو، هادفة بذلك إلى تطوير الأشكال الجديدة والجذابة لمنتجات الوسائط المتعددة التفاعلية، ودفع المستخدم لاقتنائها في وقت كان استعماله يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية، في ظل بحث المستخدم على فضاءات أفضل للتعبير والاتصال. وهذا، أيضا، بالفعل، ما خلقته هذه الثورة من أنماط إعلامية جديدة، في مقدمتها الإعلام الإلكتروني على شبكة الانترنت.

في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن تطور تكنولوجيات الاتصال الجديدة يساهم مساهمة فعالة في تكريس حرية الصحافة وحرية التعبير، اللتين مازالتا تشكلان إشكالية بالنسبة للكثير من البلدان سيما في البلدان النامية وهذا رغم صدور الكثير من المواثيق والقرارات الدولية، ولكنها كانت غير كافية لضمان حقوق الإنسان وتطبيقاتها في مجال الإعلام، الذي ارتبطت نشأته بتطورات تكنولوجية لوسائله ورسائله. وهذا بالفعل ما شهدته الألفية الثالثة من نمو متسارع في المعطيات المعرفية والتقنية، وخلق فضاءات جديدة للتعبير الحر.  وبالتالي تغيرت أشكال تواصل الإنسان التقليدي، حيث أن هناك علاقة جدلية بين المجتمع ووسائل الاتصال.

       لقد باتت حرية التعبير واحدة من لوازم الحديث عن حاضر ومستقبل العالم العربي. فجتمع المعرفة مبني على إنتاج ونشر المعارف والمعلومات وتوزيعها بكل حرية لاستخدامها في جميع ميادين نشاط المجتمع، فهي الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف العليا والقيم النبيلة للإنسانية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق هدف المعرفة بدون فتح مجالات الإبداع بكل أشكاله لأفراد مجتمعه.

      في ظل هاته الظروف اكتسحت التكنولوجيا الحديثة عملية الإنتاج والتحرير، وظهرت بذلك مفاهيم جديدة بميلاد النشر الالكتروني الذي قلب كل المعايير الإعلامية التقنية منها والعملية إذ تعتبر الانترنت أكثر هذه الوسائط إثارة للجدل، حيث واكب ظهور انتشارها مظاهر شديدة التغير عصفت بالمبادئ التقليدية للإعلام. كل هذه العوامل جعلت الموجة الجديدة من الكتاب والصحفيين تحتضن تقنية المعلومات وتمارس مغامراتها في حرية لم يعهدها المثقف العربي،  فكانت البداية بمواقع بسيطة شكلت قوة دافعة للعديد من الكتاب للخروج من القوالب التقليدية للصحافة والإعلام، بحكم أن الإعلام كانت أسواره عالية، بينما الإعلام الجديد المتحرر، والمسمى بالإعلام البديل يفتح أبوابه للجميع ليكتبوا أو يرسلوا ما يريدون في ديمقراطية إعلامية غير عادية. كما أن الكثير من القراء في يومنا هذا استطاعوا من خلال إدمانهم على الكتابة في مواقع المنتديات أن يحققوا تأثيرا كبيرا يزيد على تأثير الكثير من الصحافيين، وأحدث خدمة تم التوصل إليها هي المدونات الإلكترونية.

        إننا سنحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على ظاهرة المدونات الالكترونية عموما وظاهرة المدونات الالكترونية العربية بصفة خاصة، مما جعلها تسمى بالصحافة الالكترونية أو الإعلام البديل أو الصحافة البديلة لدى الكثير من أصحاب الاختصاص، وهذا بسبب ما تتمتع به هاته الخدمة من حرية مطلقة على مستوى الشبكة العنكبوتية، في ظل فقدان المجتمع العربي الثقة في وسائله الإعلامية خاصة منها الصحافة المكتوبة من جهة؛ وفي ظل تقييد الحريات الفردية من جهة أخرى.  

    وانطلاقا مما ذكرناه سلفا، سنحاول معالجة إشكالية حرية التعبير الفردية في المدونات الالكترونية العربية وعلاقتها بالعملية الإعلامية، وهذا من خلال محاولة الإجابة عن التساؤل الجوهري التالي: هل المدونات الالكترونية العربية تعبير حر أم صحافة بديلة؟ وسندعم الإجابة عن السؤال بنتائج دراسة تطبيقية لعينة من المدونات العربية المكتوبة.

ماهية المدونات الالكترونية

          لقد تعددت واختلفت تعاريف ومفاهيم ظاهرة المدونات،هناك من عرفها حسب اختصاصه، وآخر حسب مفهومه العام واطلاعاته. ولحد الآن لم نتوصل إلى تعريف توافقي لهذه الظاهرة، لأنها في حقيقة الأمر لم تجد بعد مستعمليها بمعنى الكلمة في الوطن العربي. وهي حسب ما اتفق عليه بين العديد من المهتمين والباحثين  موقع إلكترونيا للكتابة، يتألف من رزنامة من الأحداث والسيرة الذاتية والرأي بأشكال مختلفة، باختلاف دوافع المدونين السياسية منها أو الذاتية، هذا الفضاء الحر الذي ظهر في التسعينيات من القرن الماضي، كإعلام بديل يحمل في طياته بوادر منافسة للإعلام التقليدي المهيمن. هذه الخدمة التي شكلت في السنوات الأخيرة ظاهرة قوية وفاعلة سواء على المستويين الإعلامي أو السياسي وذلك للأثر الذي أحدثه المدونون،  لتكون  هذه الظاهرة محل جدل حول الأثر الذي يمكن أن يلعبه التدوين.

     والمدونات لا تقف عند نوع معين، بل لها أشكال و أنواع و صيغ مختلفة و عديدة. فمن ناحية المضمون نجد فيها الاقتصادية و الإخبارية و الرياضية و الدينية و الترفيهية و السياسية و المحلية و التقنية. و نجد أن أشهر نوعين منهم هما السياسية و الرياضية و تأتي في المرتبة الثالثة التقنية. أما من ناحية الشكل فيوجد عدة أنواع مختلفة من المدونات الالكترونية، ويمكنك زيارة المواقع الالكترونية التالية لتجد المئات من: المدونات الالكترونية التي تحتوي على الروابط أو الموصلات التشعبية Link Blogs، المدونات الالكترونية التي تحتوي على المذكرات اليومية On diary blogs،  المدونات الالكترونية التي تحتوي على مقالات Article blogs،  المدونات الالكترونية التي تحتوي على الصورPhoto blogs، المدونات الالكترونية التي تحتوي على مقاطع البث الإذاعي  Pod casts blogs، المدونات الالكترونية التي تحتوي على مقاطع البث المرئي Videocassettes Blogs،  المدونات الالكترونية المنوعة، المدونات الالكترونية الجماعية.

         وفي قراءة تاريخية مختصرة لنشأ المدونات، يمكن القول أنها ظاهرة تطورت عبر ثلاثة مراحل حسب الباحث "جمال الزرن" وهي كالأتي:[1]

المرحلة الأولى: انطلقت المدونات في منتصف تسعينيات القرن الماضي، على يد المدون الأمريكيGeorge Gervais Bar عام 1994 مع موقع Drahj Report، وهو الذي كان وراء نشر فضيحة     Monika Liven ski السكرتيرة الخاصة للرئيس الأمريكي الأسبق Linton  Belk.[2]

المرحلة الثانية: أو الميلاد الحقيقي للمدونات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ففي هذه المرحلة دخل الصحفيون إلى معترك التدوين، كما كانت الحرب على العراق سنة 2003 سببا آخر في انتشار المدونات،  وفي ذلك الوقت كان البعض من المهتمين قد أطلقوا عليها البعض اسم "مدونات الحرب العنصرية". ومنذ ذلك الحين انتشر التدوين وأصبح شكلا من أشكال الاتصال ذا شعبية وتأثير معتبرين.

     أيضا، في عام ‏2003‏، أصبحت المدونات وسيلة للعديد من الأشخاص المناوئين للحرب في الغرب، للتعبير عن مواقفهم السياسية، ومن بينهم مشاهير السياسة الأمريكية من أمثال  Howard Dean كما قامت مجلات شهيرة على غرار مجلة FORISSE بتغطيات صحفية لظاهرة المدونات.

المرحلة الثالثة: هي مرحلة النضج ومؤشراتها بدأت في النصف الثاني من عام 2004، وتحول التدوين إلى ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ابتداء من 2005. إذ بدأت تظهر مجموعة جديدة مميزة على شبكة الإنترنت، تختلف عن بقية المواقع الكلاسيكية ومواقع الدردشة والبوابات والمواقع الشخصية، وبها وصلات مشتركة استطاعت أن تفرض نفسها. ولقد تكاثرت بسرعة ملفتة للنظر، حيث كان عددها يقدر في نوفمبر 2000 بما يساوي 1.2 مليون مدونة وأكثر من 50 مليون مدونة في العالم عام 2006.[3]

     ولقد جاء في موقع   Zdnetالألماني حسب دراسات سوق تمت في هذا الميدان: "أن عدد هذه المدونات الشخصية التي يتم إنشاؤها يتزايد بشكل سريع حول العالم، حيث تشير آخر إحصائية أن هناك الآن ما يقرب من 27 مليون مدونة شخصية حول العالم، أغلبها أشبه باليوميات الشخصية التي تجذب قليلاً من القراء."[4]

عوامل نشأة المدونات الالكترونية.

أ- عولمة الإعلام: وهذا بتراجع مقولة الاتصال الجماهيري والتي كانت مقدمة للصناعات الإعلامية، ولمكنها غدت رغم نبلها مقولة في القهر والتضليل واغتصاب العقول، أما الصناعات الثقافية فهي الاحتكار والتنميط الذي تفرضه الشركات المتعددة الجنسيات التي تستهدف الربح، ويعتقد صاحب مدونة "جحا كوم" أن المدونة اختراع رائع، يستطيع الفرد من خلالها أن يتفاعل من دون وسيط مع الأحداث ومع الآخرين، فهي أداة  التواصل الإنساني الحر الذي سيكنس تدريجيا وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية، التي صودر معظمها من قبل القوى السياسية الشمولية وقوات التحالف بكل أنواعها.[5]

ب-تراجع الثقة في الصحافة التقليدية: يعتبر فقدان الثقة في وسائل الإعلام التقليدية نتيجة حتمية لظاهرة عولمة الإعلام وبروز أقطاب إعلامية دولية كبرى  تديرها مجمعات إعلامية أخطبوطية عملاقة، وتحكمها رهانات مالية وسياسية يصعب كشف تمثلاتها.[6] وفي الأصل تعتبر المدونات رد فعل قد يكون في نفس الوقت عفوي وواع عن تقلص حضور المواطن في قضايا الشأن العام، وتأكيد لحالة من التشكيك في مصداقية الصحافة، وهي بذلك تعكس ظرفا حرجا من عدم الثقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجيل الجديد من مستخدمي الانترنت والإعلام الالكتروني. واستطاعت المدونات أن تنافس المعلومة الرسمية التقليدية التي تبثها الصحف والإذاعات والمحطات الفضائية.

     ج- دور الشباب: تكاد تكون ممارسة التدوين حكرا على الشباب، وقد يكون وراء هذا الانخراط العفوي صلة بفقدانهم الثقة في وسائل الإعلام التقليدية. ويمكن القول أن ظاهرة المدونات ساهمت في تحديد وتشكيل ديمغرافيا الانترنت، وخاصة الإجابة على ذلك السؤال القديم المحير: من هي الشريحة الأكثر حضورا في شبكة الانترنت كفضاء افتراضي يصعب تقييمه ومتابعته؟[7]

د- الخلفية التسويقية: لا يمكن تجاهل الخلفية التسويقية والتجارية التي يقف ورائها موفرو خدمة التدوين في شبكة الانترنت وشركات الاتصال. فالمدونات –رغم مجانية توطينها – تحولت إلى مدخل لترسيخ ثقافة الإبحار على شبكة الانترنت والاعتماد عليها في البحث على المعلومة والخبر في مجالات أخرى مختلفة. فاستثمارات القرن الجديد، انصبت في معظمها نحو الاستثمار في تقنية المعلومات، وهو ما يستدعى مزيدا من التنوع والخلق والإبداع في خدمات شبكة الانترنت حتى تكون مربحة. فالمدونات لا يمكن عزلها عن الخلفية التسويقية،  وهي أحد مجالات اقتصاد الشبكة الجديد.

ه-النكبات: من بين العوامل غير المباشرة التي سارعت في تفعيل انتشار ظاهرة المدونات، يمكن ذكر الحرب على العراق التي جذبت اهتمام المدونين وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث بدأ الجندي الأمريكي"جاسون" في تدوين مذكراته أثناء الحرب ووضع عينة من الصور الرقمية المعبرة عن مآسي الحرب في مذكراته الالكترونية، واستطاع أن ينقل معاناتهم وآمالهم ونجح في تقديم ما لم يلفت إليه الإعلام الأمريكي الانتباه، أي وجهة نظر المدنيين العراقيين ومعاناتهم. فخلال الأسبوع الأول للحرب على العراق كانت مواقع المدونات أفضل المواقع التي قدمت تغطية مثيرة للحرب، مقارنة بجهات ومواقع إعلامية أخرى. وقد قدم بعضها تأريخا يوميا للحرب ووقائعها بالاعتماد على معلومات من شهود عيان و يوميات لأشخاص عايشوا الأحداث.

      كما برز تفوق المدونات، أيضا، خلال إعصار "كاترينا" المدمر في 28 افريل 2005 الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية وكارثة "تسونا مي" في جنوب شرق آسيا يوم  26 ديسمبر 2004. حيث كان لكتاب المدونات السبق في تغطية أطوار هذه الكارثة بالتفصيل وبالصور وما خلفته من دمار. حتى أن العديد من القنوات التلفزيونية قامت بنقل تفاصيل الحدث عن هذه المدونات. بكل تلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة أصبحت صفحات المدونة أقرب إلى الجريدة أو الصحيفة الالكترونية، أو إلى ما يمكن أن نطلق عليه يوميات On line.

دوافع المدونات الالكترونية العربية

       من خلال مراجعة الكثير من المدونات الالكترونية العربية، توصلنا إلى تكوين فكرة عامة عن أهم دوافع انتشار هذه الظاهرة التي تتنوع بتنوع ظروف البلدان العربية ولمتغيراتها الديمغرافية، على سبيل المثال: هناك مدونات دافعها النقد والتعليق على الأحداث، ودوافع ذاتية كمشاعر الحب، والمذكرات الشخصية. وعليه، إذا ما حاولنا تصنيف الدوافع الكامنة وراء المدونات الالكترونية العربية فيمكن تلخيصها فيما يلي:

                 أ- حرية التعبير: يعتبر التضييق المتواصل على حرية التعبير من طرف الحكومات العربية وبعض الجماعات غير الرسمية، دافعا أساسيا لانتشار ظاهرة التدوين. فالمدونات الالكترونية العربية تميل إلى التعبير عن المسكوت عنه وتنشغل بالقضايا التي لا يسمح بالتعبير عنها في الفضاء العمومي ولا تتناقلها وسائل الإعلام التقليدية. بلغة يطغى عليها الطابع النقدي والجرأة. فالحكومات العربية التي تعتمد خطابا سياسيا مغلفا بشعار الدفاع عن حرية الرأي والتعبير سرعان ما تلجأ إلى فرض القيود على حرية الصحافة والتعبير، بحجة مراعاة التقاليد والآداب العامة والقيم الدينية و الحفاظ على أمن الدولة، الخ من التعلات الواهية.

ب- سهولة النشر الإلكتروني: تعد صعوبة النشر بالطرق الكلاسيكية أحد أهم دوافع التدوين، فالمدونات تعتبر عند المدونين إعلانا عن نهاية صحافة الطباعة والنشر بمفهومها الكلاسيكي الورقي، الذي مازالت تقننها قوانين المطبوعات  ذات الروح الرقابية كما هو الحال في جل الدول العربية. ومن هنا تظهر أهمية المدونة كالوسيلة الأسرع والأسهل والأكثر أمنا لنشر المواضيع، خصوصا تلك التي تمنع من النشر في الوسائل التقليدية بسبب العادات والتقاليد، أو بسبب الأنظمة والقوانين التي تمنع نشر كل ما لا يعجبها.

ج- قضايا الشأن العام: تكاد تكون المدونات عبارة عن صورة سوسيولوجية حية، تعكس الواقع الدولي والعربي في كل قطر، وهي ليست بالضرورة فضاءا اتصاليا يقبل ثقافة الإجماع. فهي تأخذ من قضايا الشأن العام مجالا للتأمل والتحليل والنقد، ولقد ساعدت المدونات في إظهار مسألة الشأن العام على السطح الافتراضي، لارتباطها بالحركات السياسية الداعمة للديمقراطية في العالم العربي، من أجل توفير سقف أعلى من التفاعل الاجتماعي والسياسي  الديمقراطي على شبكة الانترنت. فشعارها لا إدارة للصالح العام بعيدا عن مبدأ الديمقراطية وحرية التعبير.

 د- إظهار القيم الفردية: إن طبيعة الكبت والعنف والقهر الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يعيشه الشباب العربي على وجه الخصوص، والفراغ القيمي الذي يعانون منه مع وجود استثناءات، مكن التدوين من إظهار عدة قيم، كونها تسجيلا للسلوك اليومي الفردي فهي منهل خصب لاتجاهات غير مألوفة في المجتمعات العربية. بالإضافة إلى كون الإنترنت فضاء للتواصل والأخبار والتجارة والعلوم وغيرها من المعارف والخدمات، وهي في نفس الوقت فضاء اتصالي لدعم حرية الفرد وذاتيته، وبذلك فقد أصبح بإمكان الفرد أن يتحول إلى مؤسسة اتصالية مستقلة عن المؤسسات التقليدية الرسمية المتعارف عليها (صحافة، تلفزيون، إذاعة).[8]

     مميزات المدونات الالكترونية العربية المكتوبة

    رغم حداثة ظاهرة المدونات العربية نسبيا، وقلة الأدبيات حولها، إلا أن هناك من اجتهد من الباحثين في وضع بعض الخصائص التي تميز المدونات العربية. وإضافة إلى ما توصلنا إليه من خلال دراستنا توصلنا إلى النقاط التالية:

- وسيلة بسيطة و مجانية للنشر و الدعاية و الترويج للمشروعات و الحملات المختلفة، أدت إلى زيادة دور الواب باعتبارها وسيلة للتعبير و التواصل أكثر من أي وقت مضى.

فليست اللغة المستخدمة لغة فصيحة بالضرورة، وإنما قد تكتب في شكل مزيج بين العربية وغير العربية.    - تعمل المدونات العربية على رد الاعتبار للغة العربية ويتميز الحوار فيها بمناخ صريح وحضاري.

- تحمل المدونات العربية مواضيع حميمية يتقاسم فيها المدونون  تجاربهم  اليومية.

    - تعطي المدونات العربية لنا مؤشرا عن مدى التجاوب مع الاختلاف الثقافي الأجنبي.

   - تبدو كإعلام بديل، من خلال السبق في تقديم بعض المعلومات التي قد لا يقدمها الإعلام الرسمي وغير الرسمي.

   - تبدو أكثر أنماط النشر الالكتروني التصاقا بالواقع الحقيقي، حتى وإن بدأت من الواقع الرقمي.

-وسيلة مهمة لتجاوز حاجز التقوقع و الرقابة في نشر المعلومة، وبالتالي، فهناك نوع من دمقرطة المعلومات على الصعيد العالمي. فهي وسيلة تعمل على كشف المسكوت عنه.

- تعد الآراء والأفكار التي يتم التعبير عنها بقدر كبير من الحرية والصراحة والجرأة ملمحا بارزا، وهي أحيانا تشبه المذكرات الخاصة التي تكتب بيد صاحبها سرا.[9]

- تجسيد حرية الرأي و التعبير بشكل يجعل الكلمات أقرب للجمهور، و الأخبار و الأفكار التي تنشر أدق و أصدق في الكثير من الأحيان من الوكالات الإخبارية و أشهر الجرائد.

- المدونات تعبر عن صوت رجل الشارع أو الشاب العادي بصراحة شديدة، ويمكن من خلالها استنباط نبض فئة الشباب، الذي يتعامل مع شبكة الانترنت و الموصوف بالمتعولم إن جاز التعبير، خاصة في الدول العربية.

 -المدونة سريعة الانتشار بين الشباب، و يمكن من خلالها تقديم خدمات جديدة للمجتمع لأنها تتحدث بلغة الشباب التي يعرفها. فإلى جانب أنها مجانية فهي مترابطة حيث تحتوي كل مدونة على وصلات إلى مدونات أخرى.

 يعبر الشباب عن آرائهم دون محاذير أو قيود، لدرجة استخدام بعضهم لتعبيرات هي أقرب للسباب و التجريح ضد بعضهم البعض، أو ضد بعض المسئولين في الحكومات.

- الحرية الكاملة التي يتذرع بها البعض في التدوين هي في بعض الأحيان على حساب القيم و الأخلاق، إلا أن هذا يبقى مرهونا بعقلية المدون و القارئ مثله مثل كافة تطبيقات شبكة الواب.

- أصبحت المدونات تمثل صداعا بالنسبة للعديد من الحكومات العربية، التي تخشى بشدة أن يمتلك المواطنون وسائل تتيح لهم فضح الممارسات الغير قانونية واللاديمقراطية التي تميز سياسات تلك الحكومات.

- - هناك بعض المدونات العنصرية التي تزرع الكراهية و العنف، كما أن الكثير من المدونات العربية مليئة بالآراء و المواضيع التي لا تقدم شيئا سوى الشتائم، على اعتبار أنها الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الرأي الوطني، بدون موضوعية وبدون احترام قيم و قواعد الكتابة.

- قلة الكتابة الذاتية مما جعل بعض المدونات مفرغة من هدفها الأساسي.

- المدونات ليست كلها مصدرا للمعلومة، كما أنها يمكن أن تضعف من قوة وسائل الإعلام الحرفية، باعتبار أن المدونة دائما تعطى شعورا بالثقة في معلوماتها لأنها مغلفة بالذاتية، وقارئها يستطيع التعقيب على محتوياتها. المدونة أيضا يمكن أن تتسبب في ضعف أسلوب الكتابة و اندثار أخلاقيات الكلمة، إذا لم يحترم كاتب المدونة مسؤولية ما ينشره. فالمدونة إذا لم تحترم القواعد العالمية للتعبير بالصور أو الكتابة فإنها معرضة في أي وقت للإلغاء.

  هل المدونات صحافة الكترونية؟

    إن التطورات التكنولوجية المذهلة والمتسارعة أدت إلى ظهور منافس قوي للصحافة التقليدية والمتمثل في المدونات كوسيلة فعالة لجذب القراء، سواء ما تعلق بالأخبار الرياضية أو العقار أو عالم الجريمة أو الهجرة أو السياسة الوطنية والمحلية. فعلى سبيل المثال توفر إحدى  المدونات نافذة تخص كواليس التحرير لجريدة Dallas morninre news ، كركن خاص في الجريدة من خلال ما تأتي به هذه المدونة، حيث تمكنهم من اكتشاف الطريقة التي يتم من خلالها مناقشة المواضيع. وأما جريدة fontora country star في كاليفورنيا فتوطن مدونة يكتب فيها عسكري من المدينة خدم في العراق.

      وأما جريدة  Houston Chronicle فتطلب من مدونيها كتابة ما يأملون في إيصاله إلى بقية العالم .ويظهر أنه، لا مفر من وقوع صراع بين الجريدة التي تملك إسما وسمعة تدافع عنهما والمدونة التي أضحت وسيلة إعلام جديدة، تتطور بسرعة فائقة لأنها خرجت عن القواعد التقليدية للإعلام[10]. وتتفاعل بعض هيئات التحرير بحذر شديد مع المدونات، غير أن هيئات أخرى فتحت الباب واسعا لها. إذ ويقول Curtly أستاذ أخلاقيات المهنة وحقوق وسائل الإعلام في جامعة Minnesota: " تختلف المدونة كثيرا عن الريبورتاج، ذلك أن المحررين في الصحف تلقوا تكوينا موضوعيا، وأما المدونون فليسوا دائما موضوعيين ويسعون إلى أن تحدث آراؤهم رجع صدى قوي...ويختلف التدوين تماما عن الصحافة، ومن غير الطبيعي على الإطلاق أن تدعو صحيفة أحدا لكتابة مدوناته وتطلب منه ألا يعبر عن آرائه وقناعاته الشخصية."

     وبذلك، تشكل تلقائية وسرعة المدونات تحديا آخر تفرضه الصحافة الالكترونية اليوم على الصحافة التقليدية، التي اتجهت إلى اعتماد سلسلة من المبادئ لتطبيقها على المدونات، فصحيفة San Francisco Chronicle قد عينت رئيس تحرير مكلفا بالمدونات، بهدف كتابة ونشر المدونات وضمان مطابقة المضمون لشروط الجريدة. وحسب Robert Cox رئيس جمعية مدونات وسائل الإعلام، فان أهمية المدونات تكمن في توغلها في المجالات التي تتردد الصحافة التقليدية في التطرق لها، أما الخطر الذي يجابه الصحف اليوم بسبب عدم تناولها لعدد من المواضيع، فيكمن في فقدانها المستمر للقراء، غير أن Stephen Smith من صحيفة  Spokesman-Review فيقول "المدونة وسيلة إعلام، على الصحافة أن تتبناها وليس الخوف منها"، ويضيف بأن "عالم المدونات ليس أخطرا من الصحافة المطبوعة فيما يتعلق بأخلاقيات المهنة".[11]

هل المدونات العربية الالكترونية تعبير حر أم صحافة بديلة؟

  في ظل التحدي الذي فرضته الانترنت كوسيط إعلامي اتصالي متعدد المزايا، لا يضاهيه في ذلك وسيط آخر، وجد الناشرون العرب أنفسهم في وضع لا يسمح لهم بتجاهل هذا النوع الإعلامي الجديد، مما جعلهم يضمونها لصحفهم وينشئون مواقع لإعلامهم، غير أنه، ومثلما أكدته إحدى الدراسات المتخصصة، يلاحظ بأن حضور الصحافة العربية على شبكة الانترنت رغم كبره، لا يماثل مع النمو الهائل للمطبوعات الالكترونية عالميا،  خاصة فيما يتعلق بتناسب هذه الأرقام مع أعداد الصحف العربية وعدد سكان الوطن العربي. فقد كان لهذه المواقع إسهامات مهمة في استخدام الإنترنت كوسيلة صحفية، باعتبارها وسيلة تكنولوجية مفتوحة المجال نحو العالمية للحريات عبر كل المجتمعات الظاهرة، رغم أنه من المبكر جداً الحكم عليها ومدى تأثيرها على مستقبل الصحافة، بالنظر إلى أن صحافة الورق لا تزال إلى اليوم سيدة الموقف، وذلك لا ينسينا ما نراه في جيل الشباب من افتتان بالمواقع الالكترونية،  متابعة لها واستفادة مما تضخه من معلومات بسرعة ومهنية عالية رغم حداثتها.

        فعلى الرغم من حداثة ظهور المدونات العربية بشكل عام، إلا أنها قد أصبحت أداة فعالة أجاد المدونون العرب استخدامها، سواء في التعبير عن همومهم وهموم مجتمعاتهم بما فيها همومهم الشخصية أو العامة، أو في استعمالها كوسيلة إعلامية حرة تتفق مع نظيرتها التقليدية في أمور عديدة، وتتنافر معها في أكثرها، خاصة وأن الصحافة العربية المطبوعة لا تزال تخسر معركتها أمام الوسائل الإعلامية الجديدة، مع تجاهل حجم الفرص المتاحة في حقل الصحافة الإلكترونية. لأسباب مؤسساتية وثقافية، في ظل الخلط الحادث لدى الجمهور بين الصحف الإلكترونية، والمنتديات، والمواقع الشخصية، والمواقع الإخبارية، وكذلك الخلط بين النسخ الإلكترونية والصحف الإلكترونية.

      وهذا ما طرح إشكالا لدى الكثير من المستخدمين ما بين مؤيد لفكرة أن المدونات العربية صحافة بديلة؛ وبين معارض لذلك.  ولقد أفاد تقرير في الولايات المتحدة الأمريكية أنه بينما يعتبر العديد من الناس الصفحات الشخصية أو المدونات على الانترنت صورة من صور الصحافة البديلة، فإن أغلب الأمريكيين الذين لديهم مدونات يعتبرونها هواية وليست وسيلة لتحقيق هدف ما. من جهة أخرى، جاء في التقرير الذي أجرته مؤسسة le Pew Internet & American Life Project أن نحو 77% من المدونين يقولون أنهم يكتبون أو يدونون للتعبير عن أنفسهم بصورة إبداعية دون سعي وراء كسب مادي أو شهرة. بالفعل، أصبحت المدونة نوعا من أنواع الإبداع الأدبي والصحفي المتعارف عليه، تنظم لها دور النشر والصحف من خلال إصدارتها ونسخها الالكترونية المسابقات لاختيار أفضلها من حيث أسلوب الكتابة، والتصميم الجرافيكي، واختيار الموضوعات وتبويبها، ويمكن هنا ذكر المسابقة التي نظمتها صحيفة The Guardian البريطانية وتعرف بجائزة Bobs Award. كما توجد أيضا جائزة أفضل مدونة عالمية تعرف باسم أفضل مدونة إذاعية وأفضل مدونة مشتركة، وبعدها نجد أفضل مدونة انجليزية وفرنسية وإيرانية وصينية.

       عربيا يمكن القول أن حضور المدونة في المشهد الإعلامي أصبح غير قابل للتجاهل، وخير دليل على ذلك هو تنظيم مسابقة خاصة بأحسن مدونة عربية أعطي لها اسم "بابا"، أشرف عليه موقع Blog Award Best Arab. كما تم تأسيس رابطة ' مدونون بلا حدود '. وكان وراء هذا المشروع قناة الجزيرة الفضائية إذ تهتم الرابطة العربية للمدونين بالتدوين عامة، وكذلك احتلالها لصفحات بعض الصحف العربية كصحيفة الشرق الأوسط وحتى الصحف الوطنية. ففي مصر، مثلا، أثبت المدونون من خلال أول حفل لهم والذي أقاموه بمقر نقابة الصحفيين المصريين، تحت شعار  'غني يا بهية' أنهم قوة إعلامية حقيقية منظمة، بشكل يمكنها من منافسة الصحافة الرسمية المطبوعة وحتى المرئية. أيضا، إذاعة L B B C البريطانية اهتمت بجانب المدونات، وأنشأت في موقعها الإلكتروني على الانترنت قسما خاصا للمدونات. وهذا يمثل إشارة على مدى العلاقة الوثيقة التي بدت تظهر ملامحها بين المدونات والصحافة المطبوعة، وأن كل واحدة منهما مٌكمل لصناعة الخبر بحيث أتهم بعض المدونين المصريين الصحف الرسمية والمستقلة بسرقة أعمالهم ونشرها على صفحات الجرائد، بدون الإشارة إلى إسم صاحبها والاكتفاء بذكر أنها نقلت من مصدر على الانترنت.[12]

     فهذا التأصيل والتأسيس لهذه الظاهرة الإعلامية الجديدة، والتي يمكن أن تتحول إلى شيء مستقل وممتد في الزمن، أو بالأحرى إلى مؤسسة فاعلة في المجتمع يعترف بها أهل الشأن الكبير، وبصفة خاصة وسائل الإعلام التقليدية. ويمكن في هذا السياق ذكر شهادة الكاتب والصحفي الكبير "محمد حسنين هيكل" عندما قال عن المدونات " أنا أجد شخصا يكتب باسم مستعار هو بهية، ولست أدري من هي لكني أطلب من مكتبي أن يسلموني مقالات بهية كلما تصدر لأني أتابعها باعتبار وباحترام أكثر من أي صحافي في أي جريدة".[13]      

        كما هناك من يعتبر أن ظاهرة المدونات قد أصبحت لافتة للنظر، وحظيت باهتمام الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية إلى حد أن البعض أصبح يتنبأ لها بأنها ستصبح في المستقبل القريب بمثابة إعلام بديل. وقد تشكل منافسا خطيرا لوسائل الإعلام التقليدية، وذلك بسبب قدرتها على لفت الأنظار إليها بسرعة والتفاعل من خلالها مع مختلف القضايا. كما أنها لا تتطلب رأس مال ضخم ولا إلى تصريح السلطات وهي عموما لا تسعى إلى الربح، إذ

يقول أحد أصحاب المدونات "المدونات لا يمكن أن تحقق الربح الاقتصادي ولكن هناك من سيخسر بسببها، إنه الإعلام التقليدي".[14]

         إذن، ليس من الضروري التوقف عند صحافة بديلة تعطى القارئ دورا أكثر فعالية، يمكننا تكوين صحافة شعبية ينعدم فيها الفرق بين القارئ والكاتب و يتوارى دور الناشر، ففي الولايات المتحدة تعتبر الصفحات والجرائد الشخصية المسماة بالمدونات (weblogs) من ضمن القوى المشاركة في تشكيل الرأي العام، و في إيران صارت السبعون ألف مدونة أو أكثر المساحة الوحيدة المتاحة للتعبير بلا رقابة، وإن كان التدخل الأمني قد طال المدونين.

 


[1] - جمال الزرن، مرجع سابق.

[2] -  نفس المرجع.

[3] - محمد جمال عرفة، حواء وآدم، مدونات اجتماعية، إسلام اون لاين...

Source: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid(accessed : 15/112007)  

[4]- نفس المرجع.

[5]- جمال الزرن، مرجع سابق.

[6] - السعيد بومعيزة، التضليل الإعلامي وأفول السلطة الرابعة، المجلة الجزائرية للاتصال،  العدد. 18، جانفي-جوان 2004. ص.87- 115

 

[7] - السعيد بومعيزة، أثر وسائل الإعلام على قيم وسلوكيات الشباب: دراسة استطلاعية بمنطقة البليدة، أطروحة دكتوراه دولة، كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2005-2006

[8]- جمال الزرن، مرجع سابق.

    1- هاني علي، مرجع سابق.

 [10]- جمال حسين، الصحافة الالكترونية في مواجهة الجرائد الالكترونية...

Source:http://www.alquabas.com.kn/final/newspaperwebsite/newspapes public (accessed : 15/112007)

[11]- جمال حسين،  مرجع سابق.

[12] - عبد الله ولد خاطري، المدونات العربية الالكترونية، دراسة تحليلية بعنوان المدونات العربي... Source:http://storage.canalblog.com/15/04/87839/10278014.do c accessed 03-07-2007).

[13] - جمال الزرن، مرجع سابق.

[14] - فيونا كامبل، هل يقوم الإنترنت بدور ايجابي، أم أنه ضل الطريق؟ العربية...

 Source:http://www.arabic.rnw.nl/amsterdamforum. (accessed: 22-03-2008)

  • Currently 306/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
102 تصويتات / 6801 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

94,228