حكاية الكذب
 

يحكى أن أحد الملوك أعلن في المملكة عن رغبته في سماع حكاية الكذب، ووعد أن يتنازل عن الملك لمن يحكي له حكاية لاشيء من الصدق فيها، فيصبح ملكاً بدلاً منه، وإذا لم ينجح قطع رأسه.

وتقدم إليه أناس كثير، ولكن أحداً لم ينجح، في رواية حكاية كذب، وكان الملك يقطع رأس كل من خاب حظه، حتى إنه بنى قصراً من تلك الرؤوس.

وكان في المملكة ولد يتيم، لايفقه شيئاً، عملت جدته على تربيته، ولما سمع بحكاية الكذب، أخبر جدته برغبته في الدخول على الملك، ليسمعه حكاية كلها كذب، ويصبح ملكاً بدلاً منه، فحذرته جدته، وأكدت له أن الإخفاق يعني قطع الرأس، فأجابها: "ليس لي سوى هذا الرأس وهو أقرع، فليأخذه الملك إذا أخفقت".

ومضى الولد الأقرع إلى قصر الملك في منتصف الليل، فرأى الباب مغلقاً، فحمل حجراً كبيراً رمى به الباب، فأسرع إليه الحرس، فسألوه عن سبب فعلته، فأكد لهم رغبته في أن يحكي للملك حكاية الكذب، فحذروه ونصحوا له بالعودة، ولكنه أبى.

وفي الصباح دخل الولد الأقرع على الملك وهو في الديوان ومن حوله الوزراء والقضاة ورجال الدولة، وأكد أنه سيحكي للملك حكاية كذب، ثم طلب أن يوقع الملك على ورقة أمام الجميع يعلن فيها عن تنازله عن الملك في حال نجاحه.

وكان للولد ما أراد، فأخذ يحكي للملك حكاية الكذب، وهو يقول:

كنا في البيت ستة، ضربنا الهواء فصرنا ثلاثة، أطرش وأعمى وأعرج، قال الأطرش: أسمع صوت بقّة في سمائها، فقال الأعمى: وأنا بعيني أراها، فقال الأعرج: هيا، فلنركض وراءها. فصرنا نركض ونركض خمس سنين وخمسة شهور وخمسة أيام، نركض ونركض وما خرجنا من البيت، ولكن لما خرجنا رأينا برغوثاً، وكنا جوعى، فاشترينا منه رطلاً من اللحم، وسألنا أنفسنا أين سنطبخه، فقال الأعمى عند الجارة، ولما طلبنا منها طبخ اللحم، قالت: "أنا قدري أم حلقة، ينزل منها اللحم وتبقى المرقة"، فوافقنا، وكنا جوعى، فأخذنا المرق، ولم يكن فيه سوى قطعة لحم، اختصمنا فيه، وذهبنا إلى القاضي ليقسمها علينا، فقال القاضي:

"ليذكر كل منكم فضائل جدّه". فقال الأول: "أنا جدي نجار، صنع منبراً صلى عليه أهل الشرق والغرب"، وقال الثاني: "وأن جدي حدّاد، صنع، ثريا أضاءت البر والبحر"، وقال الثالث: "أنا جدتي كانت حاملاً بأبي، فلما جاءها المخاض، قالت لي خذ بيضة واشتر بها شمعة، وبينما كنت في الطريق، وقعت مني نصف البيضة، فانكسرت، وخرج منها دجاج وديوك ملأت السوق، فأخذت أبيع منها وأبيع، حتى امتلأت خرجي بالذهب، فاحتفظت لنفسي بثلاثة ديوك، وفي اليوم التالي وصلت باخرة فيها حمولة، وما في المرفأ أي حمال، فأرسلت ديوكي الثلاث فنقلت حمولة الباخرة كلها، وكسبت من ورائها الرزق الكثير، ولكن لما رجعت، وجدت ظهر أحد الديوك معقوراً، فأخذت حفنة تراب ومسحت بها ظهر الديك، فامتدت على ظهره أرض واسعة وسهول، زرعته بالسمسم، ولما صار أوان الحصاد، أحصيت حبات السمسم، فوجدتها قد نقصت حبة واحدة، وإذا نملة تحملها، فأخذت أشد الحبة منها وهي تشدها، حتى انقسمت الحبة إلى قسمين، فسال منها الزيت، فملأت منه خمسين قنطاراً، وتركت الباقي يسيح في الأرض، وأخذت أبيع الزيت، حتى امتلأت خرجي بالذهب، وفي الموسم الثاني زرعت الأرض نفسها بالبطيخ، وإذا عندي قناطير من البطيخ، أبيع وأبيع والبطيخ يزيد، وذات يوم فكرت في شق بطيخة، وما إن وضعت فيها السكين، حتى غاصت داخل البطيخة، فرفعت رأسي عن جثتي، ووضعته على الأرض بجوار البطيخ ليحرسه، ثم غصت داخل البطيخة، وبحثت عن السكين فوجدتها على رأس جمل، فأخذت أركض وراءه لأخذها وهو يركض أمامي، حتى شعرت بالتعب والجوع، فتركتها وتركت الجمل، ودخلت إلى دكان بائع لأشتري بيضة، فوجدت رأسي على جسم البائع، فقلت له: "هذا رأسي"، وجاء رجل آخر، وقال له أيضاً: "هذا رأسي"، وجاء رجال كثير، كلهم بدون رؤوس، وكل واحد يزعم أن الرأس رأسه فاختصمنا وتجادلنا كثيراً، ثم ذهبنا إلى القاضي نحتكم إليه، فقال القاضي: "سأحمل الرأس، وأصعد به إلى المئذنة، وألقي به من أعلى، فمن وقع الرأس عليه فهو له"، وتجمعنا نحن تحت المئذنة، وأخذنا ننتظر، ولما ألقى القاضي الرأس، وقع فوقي، وإذا المري فوق المري والزلعوم فوق الزلعوم".

وضرب الملك كفاً بكفّ، وقال للولد الأقرع: "كفى أيها الولد، كفى، لقد رويت لي حقاً حكاية الكذب".

فقال له الولد: "إذن، هيا، انزل عن العرش، لأقعد فيه مكانك، واخلع عن رأسك التاج، لأضعه على هذا الرأس".

وهكذا صار الولد الأقرع ملكاً، بفضل حكاية الكذب، ودعا إليه جدته، لتعيش معه في هناءة وسرور.

تعليق:


حكاية طريفة، تنتمي إلى أدب اللامعقول، وهي تدل بشكل لاواع على نقمة خافية في الأعماق على الحاكم المستبد، وتشير من طرف خفي إلى عدم جدارته بالحكم، ملمّحة إلى أن لعبة الحاكم والحكم ما هي إلا كذب في كذب، إذ قد يصل إلى كرسي الحكم من لايمتلك من المؤهلات سوى حكاية الكذب.

ولعلها تدل أيضاً على حلم الشعب في أن يصل إلى الحكم واحد من الشعب نفسه، بذكائه وحسن تدبيره.

والحكاية تتضمن في داخلها حكايات كثيرة تبدو لا نهائية لها، ولعل أجملها حكاية إلقاء القاضي الرأس من المئذنة ونزوله على صاحبه تماماً، وهي تؤكد أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح.

 

المصدر: الموسوعة الثقافية
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 159 مشاهدة
نشرت فى 9 يونيو 2010 بواسطة math

ساحة النقاش

مصطفى محمد الرشيدى عبد الحاكم

math
مدرس رياضيات___ بمدرسة العوامية الاعدادية المشتركة حاصل على بكالوريوس العلوم والتربية جامعة المنيا 2008م حاصل على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الالى ICDL حاصل علي شههادة أوراكل وشهادة أنتل حاصل على تدريب انشاء مواقع من قبل وزارة الاتصالات حاصل على الدبلومة المهنية قسم إدارة مدرسية 2011م حاصل علي الدبلومة الخاصة قسم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

294,970