نأخذ فترة راحة الآن من الحديث عن الرقمي القياسي ومنظوماته لنتحدث قليللا عن الرقمي الشمولي وخرائطه.

منذ زمن وأنا أعتقد أن كل طريق مهما بدا غريبا فله محبوه وعاشقوه والمستفيدون منه ؛ لاحظت ذلك حتى في طرق السير ؛ فوجدت أناسا يفضلون طرقا يسيرون فيها خلاف الطرق التي يفضلها أغلب الناس ؛ ويجدون راحتهم في ذلك ؛ وربما يكون السبب شيئا شدهم لهذا الطريق أو شيئا زهدهم في الطريق الآخر ؛ فقد سألت أحدهم ذات مرة عن سبب سلوكه هذا الطريق وترك الطريق المعتاد لمعظم الناس ؛ فأخبرني أن ذلك بسبب وجود (مطب) في الطريق المعتاد لا يحب أن يبطئ السير عنده.

من هنا نجد أي طريق مهما بدا مستغربا فقد يكون فيه حلا لفئة مخصوصة تستطيع الاستفادة منه أكثر من غيره.

ومن هنا فإنني أجد أن الرقمي الشمولي مهما اختلفت حوله الآراء ومهما استغربته بعض الآراء فإنه لا يخلو من فائدة قدمها لفئة من الناس تكيفت عقولهم وأذهانهم مع طريقته التي لا يستطيع معظم الناس أن يتآلفوا معها.

وبغض النظر عن بعض النتائج التي تخالف العروض والتي ننادي بضرورة توفيقها مع العروض بطريقة أو بأخرى ؛ فإنني أقول إن الشمولي ابتكر طريقة في وصف البحور لم يكن ليفكر فيه أحد أبدا ؛ ذلك أن من يراها لأول وهلة يظن أنها تعسر اليسير ؛ فما الفائدة المرجوة إذن من تعسير اليسير ؛ ومن ذا الذي يمكنه أن يفكر في شيء ظاهره التعسير؟؟

وإنني أكاد أكون على يقين أن الأستاذ خشان حينما بدأ أولى خطواته مع هذه الطريقة لم يكن يتصور أن استمرار التعديلات يمكنها أن تقوده لمثل هذه الأوضاع التي وصل إليها ولم تنته تطوراتها حتى الآن.

ولكن هذا الذي يُرى كأنه تعسير ربما كان في باطنه اليسر لتلك الفئة التي تجد نفسها متحدة مع هذه الطريقة ؛ وقد قال الأستاذ خشان ما يرجح هذا المعنى حين قال ما معناه :

((( إن الرقمي الشمولي يناسب فئة خاصة أو ذات عقلية خاصة من الناس ؛ وقولي خاصة لايعني مدحا ولا ذما )))

وأقول له صدقت أيها الأستاذ فإن العقول تتفاوت فيما تنجذب إليه من المذاهب والمشارب.

وقد تطور الرقمي الشمولي حتى صاغ في نهاية المطاف البحور والأوزان في خرائط رقمية ؛ وقولي خرائط يعني أنه لا يكفي قراءتها شفويا ؛ ولا تستطيع أن تؤدي وظيفتها إذا جردناها من علامتها الإرشادية أو ألوانها ذات الدلالة ؛ فهي بذلك تشبه إلى حد كبير الرسوم الهندسية أو الخرائط الجغرافية التي لايمكن التعبير عنها شفاهة وإنما يجب أن ينظر إليها المستفيد بعين فاحصة وذهن متيقظ ومتأمل حتى يستطيع أن يستنبط ما يريده.

وهذا الأسلوب الخرائطي يناسب بالفعل فئة من الناس ذات عقلية خرائطية منها ما هو بارع وحاذق بحيث يستطيع استدعاء الخريطة إلى ذهنه دون الرجوع إلى المصدر ثم يقوم بنقلها من ذاكرته إلى الورقة ليقوم بتأملها ومنهم من يستطيع تأملها بمجرد استحضارها إلى ذهنه فقط ودون نقلها إلى الورقة.

ومن هذه الفئة من لايستطيع استدعاء الخريطة من ذهنه فيضطر إلى نقلها من المصدر ومن ثم التعامل معها ؛ وربما تمثل تلك الفئة الأغلبية العظمى التي لا تستطيع أن تستدعي ذهنيا عشرات الخرائط التي تحمل كل منها علامات وألوان متعددة ذات دلائل مختلفة.

ومن الناس من لايجيدون أصلا التعامل مع الخرائط ، ومنهم من يستطيع التعامل مع الخرائط ولكنه يمل من الرجوع دوما إلى المصدر لاستحضار الخريطة فيفضل البحث عن وسيلة أيسر بالنسبة إليه تمكنه من حفظها في ذاكرته بالطرق المعتادة وعدم الاحتياج إلى المصدر كلما أراد أن يستخدمها.

فإذا فهم الناقدون طبيعة البشر واختلاف مشاربهم ؛ لفهموا حاجتهم إلى كل جديد ؛ حتى وإن كان هذا الجديد غريبا أو عسيرا ؛ فإنه لا تزال هناك فئة قلت أوكثرت تحتاج إلى هذا المستغرب العسير على غيرهم اليسير بالنسبة لهم.

ولهذا فلا بأس بكل إضافة جديدة بشرط عدم خروجها على القواعد المستقرة.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله

دمتم بخير

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

  • Currently 100/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
34 تصويتات / 433 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

111,816