كتبت هذا المقال كرد على جملة ترددت في كتابات الأستاذ خشان حينما تكون هناك مناسبة يذكر فيها منهجي الرقمي القياسي ؛ وذلك بموقع منتدى العروض رقميا .. فقلت له :

ما أراك أنصفت منهجي القياسي كلما جاءت مناسبة لذكره ، إذ أنك تكرر دائما أنه مجرد تمثيل للتفعيلات بالأرقام وأنه يشبه بداياتك رغم أني أرجح أنك لم تطلع عليه وأنت الذي تلوم دائما من يحكم على الأشياء دون اطلاع كامل عليها.

 

وعندما وجدت أن ذلك قد تكرر منك عدة مرات ، ثم عندما قرأت - في الرابط الذي أرفقته في ردك على مشاركتي الأخيرة - قولك أنني بعد قيامي بتمثيل التفعيلات بالأرقام فإنني قد توقفت عند هذا الحد  ؛ رأيت أن أقدم في هذه المشاركة تعريفا للمنهج للرقمي القياسي دفعا له عن هذا الاتهام بأنه مجرد تمثيل للأوزان أو التفعيلات بالأرقام ، وتوضيحا لأن سبب توقفي عن إضافة شيء إلى هذا المنهج منذ أن كتبته عام 1993م هو اكتماله وتحقيق كل هدفه الذي وضع من أجله بلا خلل أو اضطراب أو نقصان ؛ لأنه لا يحتاج إلى التطوير والتغيير والتعديل إلا المنهج الذي يكتشف به خلل أو نقص أو خطأ ، أما المنهج الذي اكتمل ثم لم يكتشف به شيء من ذلك فما حاجته إلى التعديل أو الزيادة ؟؟

 

لم يكن هدفي عند استعمالي للأرقام أن أشبع رغبة في استخدامها ثم أتركها تقودني على غير هدى أيا كانت النتائج ؛ ولكنني أول ما جاءتني فكرة التعبير عن التفعيلات والآوزان بالأرقام منذ اليوم الأول لتعرفي على علم العروض خريف عام 1974م حين كان عمري 17 عاما ؛ فإنني قد انتابني إحساس قوي بأنني عندما أعبر عن التفعيلات والبحور والتغييرات بالأرقام ثم أتأملها وأقارنها فإنني سوف أصل بمشيئة الله تعالى إلى نتائج تؤدي إلى تيسير وتسهيل دراسة العروض فقمت بتسجيل ما بدا لي من الرموز الرقمية في أربع صفحات في نفس اليوم أو في اليوم التالي مباشرة وفي ذهني هدف واضح ومحدد وغير مشوش وهو تأمل نتائج التعبير بالأرقام للوصول إلى نتائج تؤدي إلى تيسير دراسة العروض وليس للوصول إلى نتائج تخالف العروض.

 

ومضت 17 عام أخرى أو يزيد قليلا دون أن أنظر في تلك الوريقات التي كتبتها كبدايات مبكرة للرقمي ، ثم بدا لي بعد مرور هذه الفترة أن أهتم بهذا الموضوع وأن أبدأ فيه من جديد بداية جادة ؛ فبدأت بالفعل حتى أتممته في يضعة شهور بحمد الله تعالى وكان ذلك في ربيع عام 1993م ، ومنذ ذلك الحين لم أضف إليه كلمة لاعتقادي بتمامه وتحقيق الهدف الذي قصدت إليه حين بدأت فيه ، وإنني لأدرك تماما أن هذا المنهج قد يحتاج إلى التطوير ولكن ليس في المضمون وإنما في الشرح أو طريقة العرض أو التقديم والتأخير في بعض فصوله أو في تفصيل بعض ما أجمل أو في إعادة صياغته صياغة تناسب زمنها وجيلها أو تناسب الفئة المستهدفة ، فصياغته للصغار غير صياغته لطلاب الجامعات مثلا ، غير صياغته كمنهج مجرد للكافة ، فالتطوير من هذه الجهات جائز ومحتمل أما تطوير المضمون فلا محل له إلا إذا اكتشف خطأ أو نقصان أو زيادة أو اضطراب ؛ وهذا ما لم أجده في ذلك المنهج بحمد الله تعالى.

 

أما عن مضمون ذلك المنهج فإنه يشمل مدخلا يبين مدلولات الأرقام حتى يصل بنا إلى ما يسمى المنظومات الرقمية الثلاثة التي يشتق منها كافة البحور.

وهذه المنظومات الثلاثة البسيطة والسهلة تغنينا عن الدوائر العروضية الخمسة والتي هي أصعب.

فهل هذا مجرد تمثيل بالأرقام أم أنه منهج يبتكر شيئا سهلا عوضا عن شيء أصعب ؟؟

 

والفصل التالي لهذا المدخل هو فصل يتناول استنباط بحور الشعر من المنظومات الرقمية ؛ ويتضح من عنوان الفصل أن هذا ليس مجرد تمثيل بالأرقام بل يوجد منظومات ويوجد اشتقاق للبحور بطريقة تختلف تماما عن طريقة دوائر الخليل ولكنها تؤدي إلى نفس النتائج بطريقة أسهل يستطيع فيها الدارس أن يستنبطها بنفسه ومن ذاكرته دون أن يستعين بشيء اللهم إلا ورقة وقلم إن أراد ؛ وحتى الورقة والقلم فيستطيع الاستغناء عنها ويستطيع استخدام ذاكرته المجردة وحدها.

 

فهل استنباط البحور بهذه الكيفية مجرد تمثيل بالأرقام أم هو منهج واضح وثابت وراسخ ؟؟

وقد تأتي مناسبة لعرض بعض الأمثلة فيما بعد.

 

ثم يأتي بعد ذلك فصل في الزحافات الرقمية ، وهي ليست مجرد تمثيل بالأرقام كتلك التي كانت في بدايات الأستاذ خشان والتي وصفها بأنها كانت هبابا منيلا ، وإنما هي حصر لجميع الزحافات المفردة والمزدوجة في أربعة أنواع فقط ومع ذلك لا يضيع منا زحافا واحدا ؛ ونجد أن جميع مصطلحات الزحافات الاثني عشر في العروض التقليدي تأتي طائعة للانضمام تحت مظلة الزحافات الرقمية الأربعة دون تردد أو اختلال.

 

فهل ابتكار أربعة انواع للزحاف ليندرج تحتها كافة أنواع الزحاف التقليدي هل هذا مجرد تمثيل بالأرقام؟؟

 

ثم يأتي بعد ذلك فصل في قوانين الزحاف يوضح القواعد التي تحكم كيفية دخول الزحاف في الأسباب المتجاورة سواء أكانت في تفعيلة واحدة أم كانت في تفعيلتين متجاورتين ؛ وهذا يجعل للوزن تفاعلا كليا غير محدود بحدود التفعيلة المتغيرة وإنما يمتد ليشمل ما حولها من تفعيلات ؛ فالتفعيلة لا تتغير إلا بالانسجام مع ذاتها والانسجام أيضا مع ما يسبقها أو يليها من تفعيلات.

 

فهل هذا مجرد تمثيل بالأرقام أم هو توضيح وتقعيد لتفاعل الجزء مع الكل في نظرة كلية شاملة لا تعطي الحق للتفعيلة في حرية التصرف التامة داخل حدودها وإنما يجب أن يكون التغيير منسجما مع ما حولها من تفعيلات وتركيبات ؛ أليست هذه نظرة كلية شمولية تتخطى حدود وحواجز التفعيلات ؟؟ أم هل هذا مجرد تمثيل بالأرقام ؟؟

 

ثم يأتي بعد ذلك فصل في العلل الرقمية ويتم فيه أيضا اختصار مصطلحات الاثني عشر علة تقليدية إلى خمس علل رقمية فقط لتأتي جميع العلل التقليدية طائعة لتندرج تحت مظلة تلك العلل الرقمية الخمسة.

 

فهل هذا مجرد تمثيل بالأرقام أم أنه ابتكار لعدد أقل من العلل ومع ذلك يشمل كل أنواع العلل المعروفة ؟؟

 

ثم يأتي بعد ذلك فصل يعالج الخواتم والمفاتيح والأنماط والقوالب حتى ينتهي إلى جدول عروضي في حجم كف اليد يستطيع من ينظر إليه اكتشاف أوزان كافة قوالب بحور الشعر البالغ عددها 76 قالبا شعريا ، كما يستطيع استنباطها بنفسه بمجرد نظرة في هذا الجدول.

 

فهل هذا مجرد تمثيل بالأرقام ؟؟

 

وفوق ذلك كله فإن المنهج القياسي قابل لصياغته باستبدال الآرقام بالشرح أو برموز لفظية أو حرفية ليناسب من لا يستطيعون استيعاب الأرقام ؛ ورغم ذلك يظل منهجا له خصائصه ومضمونه.

 

فهل إذا قبل الاستعناء عن الآرقام ؛ فهل سيعتبر أيضا مجرد تمثيل رقمي للأوزان والتفعيلات ؟؟

 

قد يقول قائل إنه إذا ما قبل الاستغناء عن الآرقام ؛ فلماذا كانت الأرقام من البداية إذن ؟؟

 

أقول إن الأرقام لها فضل تيسير التأمل الذي أدى إلى ابتكار هذا المنهج الذي لم يكن من الممكن الوصول إليه دون تأمل هذه النتائح الرقمية الأولى ، كما أن لها فضل أنها الأنسب للتعبير عن هذا المنهج وخاصة بالنسبة إلى من يجيدون التعامل مع الأرقام ؛ وأما بالنسبة إلى غيرهم فإنه يجب أن يصاغ لهم هذا المنهج القياسي صياغة لفظية ؛ فذلك المنهج هو منهج في ذاته ومضمونه سواء أكنت مستخدما للأرقام أم مستخدما لوسائل أخرى.

 

فهل ما زال أحد يعتقد أنه مجرد تمثيل للوزن بالأرقام ؟؟؟

 

أرجو أن تحكموا حكما عادلا.

 

وإلى لقاء آخر

 

دمتم بخير

 

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 946 مشاهدة

ساحة النقاش

mahdy500
<p>مجهود كبير للتعمق في هذا العلم الزاحر .في اللغة العربية لغة النحو ةالذكر والاعجاز.ويا سرور وبهجة من اغترف وعشق هذا الطريق .مزيد من العطاء.</p>

عدد زيارات الموقع

112,737