أهداني أخي الفاضل الأستاذ خشان عددا من الروابط التي قمت بزيارتها فوجدت في بعضها طرحا لأحد أفكاره حول ما يسمى في علم العروض بالأسباب الخفيفة والأسباب الثقيلة حيث قام هو بتقسيم إضافي فميزها إلى ما أسماه سببا بحريا وسببا خببيا ، وكان من مقتضى تطبيق أطروحته عن السبب الخببي أنه إلى جانب استنباط بحر الخبب المعروف بوزنه الجائز فإنه أنتج وزنا جديدا يرفضه العروض العربي المستقر ولا يجيزه بحال من الأحوال.
ويبدو أن هذا الوزن الجديد سائغ في أذن الأستاذ خشان ولذلك فإنه لم ير بأسا بأن يؤسس له تلك القاعدة التي تجيزه لكل من أراد أن ينظم على هذا الوزن الغير جائز أصلا في العروض المستقر.
فما هو الفيصل يا ترى؟؟ هل أقبل ما استقر عليه العروضيون القدامى أم أقبل ما يطرحه بعض العروضيين المحدثين من أوزان غير جائزة عند القدامى؟؟
أقول إن مهمة العروضي ليست خلق أوزان جديدة أو تأسيس أو تصنيع قواعد تسمح بهذا الوزن أو ذاك ؛ إنما تنحصر مهمته في اكتشاف ما استقر داخل فطرة الشعراء من قواعد خفية تجعلهم يقبلون هذا الوزن ويرفضون ذاك ، وهذه القواعد المستقرة داخل نفوسهم قد تتغير من وطن إلى وطن ومن عصر إلى عصر ، وما على العروضي إلا مراقبتها واكتشاف خصائصها واختلافها من عصر إلى عصر إن وجد اختلاف ومن وطن إلى وطن إن وجد اختلاف أيضا ، دون أن يضيف إليها أو يحذف منها.
وهذا عين ما فعله الخليل وتلامذته ؛ فإن الخليل لم يخلق لنا أوزانا ولم يصنع لنا قواعد تبين لنا كيف نقرض الشعر ؛ إنما هو قد كشف لنا عن البرامج الموسيقية الشعرية الموجودة بالفعل داخل الشعراء وشرحها لنا وبين ما يجيزه هؤلاء الشعراء وما يرفضونه فظهرت هذه القواعد واضحة جلية ولم يكن هناك قبلها أي مقياس سوى الفطرة والأذن الموسيقية الموهوبة ، وما هذه القواعد التي أتى بها الخليل إلا صورة للبرنامج الموجود أصلا داخل فطرة الشعراء والذي كان قبل الخليل قابعا داخل الحجب ، بعيدا عن العيون ، عصيا على الإدراك.
أما أن أستسيغ أنا أو أنت أو أحد غيرنا وزنا ما ثم نحاول إقحامه داخل فطرة الشعراء وهو غير موجود فيها أصلا فهذا عمل لا يمت للعروض بصلة ولا يمت للشعر بسبب.
فلو أن الأستاذ خشان كان قد رصد هذا الوزن الجديد فلاحظ أنه قد تخلق وانتشر داخل فطرة كبار الشعراء المحدثين - وليس صغارهم لأن الصغار كثيرا ما يقعون في الخطأ ، ولا يجب أن نأخذ أخطاءهم على أنها من الفطرة - ثم لاحظ أيضا أن آذان المحدثين قد لاقت هذا الوزن الجديد بكل قبول وارتياح وترحاب فعندئذ يصبح بالإمكان أن نجد له مبررا لإضافة هذا الوزن الجديد واكتشاف قاعدته التي تنظمه ، وعندئذ أيضا يجب تجميع الأوزان الجديدة في منظومة مستقلة عن منظومة الأوزان المستقرة ما دامت قد خرجت عن القواعد المستقرة واستقلت عنها بقواعد خاصة بها.
ومعلوم أن بحر الخبب المستقر تتكون تفعيلاته ظاهريا – وليس باطنيا - من سببين أولهما قد يكون خفيفا أو ثقيلا أما ثانيهما فهو خفيف دائما ولا يجوز أن يكون ثقيلا ، وعند تطبيق أطروحة الأستاذ خشان فإن هذا السبب الثاني يمكن أن يكون ثقيلا!!
وهنا أسأل الأستاذ خشان - الذي أحبه وأقدره – من أعطاك الحق في جعل هذا السبب ثقيلا؟؟ بل من يملك أن يعطيك مثل هذا الحق؟؟ هل هناك من يملك أن يغير فطرة الشعراء وبرنامجهم الموسيقي الداخلي بجرة قلم؟؟
ليس أمام الأستاذ خشان إلا أن يقيم البرهان على صحة ما ذهب إليه بأدلة وشواهد واضحة ومتعددة وراسخة وردت على ألسنة كبار الشعراء وليس صغارهم ، فإن لم يمكنه إقامة البرهان ؛ فعليه أن يتراجع عن أطروحة السبب الخببي.
وإنني أتمنى أن يجد برهانا على صحة ما ذهب إليه.
وأذكر أخي الأستاذ خشان أن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية.
ساحة النقاش