ليس الإسلام الصحيح مجموعة من الطقوس والعبادات والشعائر يؤديها المسلم على عجل ليتفرغ بعدها لممارسة حياته على غير هدى من هذه الطقوس وتلك الشعائر ، لأن الإسلام الصحيح هو منظومة متكاملة مترابطة غير منفصلة ؛ ولأن العبادة ما هي إلا غلاف يغلف الإنسان بها عمله ، فإذا كان الذي يفعله كله شرا ، فما قيمة هذا الغلاف ما دام محتواه كله شرا؟؟

لذلك يجب على المسلم أن يكون حريصا على فعل الخير بنفس الحرص على أداء العبادات ، حتى تكون هذه العبادات غلافا يضم بداخله كل أنواع الخير.

ومن هنا يمكن تحديد برنامج وأولويات حياة كل مسلم كالتالي :

-   أداء الفروض الدينية واجب لا خيار للمسلم فيه ، فيجب تأديته في حينه ولا يجب تأجيله ولا تأخيره ولا تركه بالكلية إلا لعذر مقبول شرعا مع مراعاة التوجيهات الشرعية كالقضاء أو الفدية أو الكفارة عند الإهمال في أحد الفروض.

-   السنن المؤكدة مستحب فعلها وهي لا تستغرق وقتا كبيرا ، فهي لا تعطل أحدا عن واجباته المتعددة في الأحوال العادية ، فإن كانت هناك أحوالا وظروفا غير عادية بحيث سيتعطل الإنسان عن واجبات أخرى فيمكنه عندئذ تأجيلها وقضاءها في وقت لاحق ما استطاع ، فإن لم يستطع فلا شيء عليه ، وإن تركها عمدا فلا إثم عليه وإنما يكون قد فاته ثواب عظيم هو أحوج ما يكون إليه في الآخرة.

-   بعد أداء الفروض والسنن المؤكدة ؛ إن أراد الإنسان بعد ذلك مزيدا من عبادات التطوع فليقسم وقته بين العمل اللازم للحصول على أسباب المعيشة وبين واجباته تجاه أهله وأسرته وأقاربه وجيرانه ومجتمعه ، وبين الوقت اللازم لنومه وراحته ، وليستقطع بعد كل هذا جزءا مناسبا من ذلك الوقت لأداء عبادات التطوع كصلاة ليل أو قراءة قرآن أو صلاة نافلة أو التفقه في الدين ، بحيث لا يجعل عبادات التطوع تستغرقه بالكلية فتؤدي إلى تقصيره في واجباته ؛ خاصة ما كان منها يتعلق بوالديه وأهله وذوي رحمه وجيرانه وعمله الذي يتكسب منه قوت يومه ، لأن أداء هذه الواجبات هي أفضل عند الله من عبادات التطوع والنوافل.

-   يجب أن يفهم المسلم أن قضاء حوائج الناس ومساعدتهم وتقديم العون لهم والتيسير عليهم وحسن معاملتهم هي أفضل عند الله من عبادات التطوع ، فإن كان عنده وقت لا يكفى إلا لعبادة التطوع أو لمساعدة الناس فليقدم مساعدة الناس فهذا أرجى عند الله تعالى ، ويجب أن ينشر المسلمون هذه الثقافة فيما بينهم - أقصد ثقافة مساعدة الناس - لأنها ثقافة إسلامية خالصة ، ولو جاءت مثل هذه الثقافة من الغرب مثلا لهلل لها المهللون.

-   ومن الناحية المقابلة فإن تعطيل مصالح الناس يقف على النقيض من تعليمات الإسلام ، فإذا كان الإسلام يرغب الغير مسئول بالتطوع لقضاء حوائج الناس فما بالنا بالمسئولين الذين يتقاضون أجورا من أجل قضاء مصالح الناس فإذا بهم يعطلون مصالح الناس ويهملون حوائجهم؟؟ إن هذا جرم لا يعدله جرم في الإسلام ، فقد يعطل المسئول مصلحة أحد الرعية عمدا أو كسلا أو إهمالا وهو لا يبالي ؛ وإذا بهذا التعطيل يضر إضرارا كبيرا سواء ماديا بضياع بعض حقوقه ، أو نفسيا بالقهر والشعور بالظلم ، أو اجتماعيا بعدم استطاعته جمع شمل أسرته مثلا لأنها تتوقف على بعض الأوراق المتعطلة والقابعة في الأدراج لا تجد من ينظر إليها أو يحركها ، والمسئول لا يهتم بذلك ، ولا يهمه أن أحد رعيته يصيبه الضرر ؛ فهذا المتضرر لا قيمة له عند المسئول ؛ حتى إن هلك أو مات ؛ فليمت أو ليذهب إلى الجحيم فمن يكون هو وعشرات آخرين أمثاله ، ولا يعلم هذا المسئول أن الإهمال أو التباطؤ أو التكاسل أو الامتناع عن قضاء حوائج الناس الموكلة إليه جرم عظيم عند الله ، وأن الله ينتقم لعباده المظلومين من ظالميهم في الدنيا والآخرة ويرفع دعواتهم الصاعدة إليه ليل نهار ؛ ويقول وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ، فلا يغر الظالم عيشه بأمان فإن الله يمهل ولا يهمل.

-   من هنا وجب علينا أيضا نشر ثقافة حرمة تعطيل مصالح الناس ، وتحذير أنفسنا منها فإنها لا تقل جرما عن السرقة أو الاختلاس أو السعي في الأرض فسادا.

-   يجب على المسلم أن يكون في علاقاته بالآخرين وفي نصحه لهم ؛ يجب أن يكون ميسرا لا معسرا ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فإنه ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه ، وهذا يدل على عدم تشدده صلى الله عليه وسلم ، ويدل أيضا على أن الابتعاد عن الإثم ليس من التشدد بل هو واجب لا خيار للمسلم فيه.

فإذا التزم المسلم بهذه الأولويات لاستقامت حياته ولانسجم مع ذاته ولتقدم المجتمع بسرعة غير متوقعة لأن الأخلاق الإسلامية هي بحق ركيزة التقدم برغم بساطتها.

 

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

  • Currently 95/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 903 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

108,064