الحملات الشرسة التي تهب بين الحين والحين على الإسلام والمسلمين ، والتي يريد البعض أن يرجع سببها إلى وجود فئات متطرفة تتسبب في جلب البغض والكراهية لهذا الدين ، بينما سببها الحقيقي هو العداء لصحيح الإسلام ، لأن الذين يقودون هذه الحملات ويحركونها يعرفون جيدا ما هو الإسلام ، وأما التطرف فهو مجرد وسيلة يستغلونها لبلوغ أهدافهم وهي ترسيخ البغض للإسلام كله صحيحا كان أم متطرفا ، لأن التطرف طبيعة موجودة في كل دين وكل مذهب وكل فن وكل سياسة وكل اتجاه في هذه الحياة ، وليس قصرا على الإسلام وحده.

ولو كان التطرف فقط هو سبب هذه الكراهية فأخبروني بالله عليكم ماذا في الحجاب من تطرف؟؟ إنه حرية شخصية كتلك التي يتشدقون بها في كل مناسبة ، والتي كثيرا ما ينادون بها حتى لمن يشذون عن الفطرة السوية ، وغير ذلك من مظاهر العداء لكل ما هو إسلامي حتى وإن خلا تماما من كل ما يمت للتطرف بصلة.

فالأمر إذن واضح ؛ إنه العداء للإسلام الصحيح واتخاذ التطرف والهفوات وسيلة من أجل ترسيخ هذا العداء.

ويبين القرآن في كثير من الآيات أن المنكرين للإسلام هم دائما كارهون له ، ويبين أيضا أن الحق والإسلام  آت وظاهر وقادم برغم هذا الكره وذلك البغض ، وبذلك فهو يؤكد أنه لا فائدة من ذلك البغض للحق والإسلام ، وما من آية ذكر فيها بغض المجرمين والكافرين والمشركين والمنافقين للدين والحق إلا وهي مقترنة بمجيء هذا الدين وإحقاقه وظهوره ، ولنقرأ مثلا هذه الآيات لنرى هذه القاعدة واضحة  جلية :

{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }الأنفال8

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة32

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33

{وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }يونس82

{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }غافر14

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }الصف8

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }الصف9

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }محمد9

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ }محمد26

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }محمد28

{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }التوبة48

{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }المؤمنون70

{لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }الزخرف78

وهكذا يبين القرآن أن بغض الإسلام أو ما يسمى الآن إسلامافوبيا هو طريق مسدود لن يمنع ظهور الدين ولن يمنع إحقاق الحق ، ويؤكد القرآن على مصير مكائد الكارهين بأنها ستذهب أدراج الرياح وستصل إلى درجة اليأس ؛ وذلك في آخر آية نزلت من القرآن الكريم حين قال :

{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3

فبين القرآن أن مآل كيد الكافرين إلى اليأس ، وأنه لا يجب أن نعير كيدهم أدنى اهتمام قد يؤدي إلى ركوب الموجة التي يريدونها ، وأنه لا يجب أن نخشاهم بل نخشى الله وحده ، وأن الله قد أتم الدين برغم كرههم وبغضائهم ، وأنه سبحانه قد رضي لنا هذا الدين ، فلنتمسك به وإن كرهه المغرضون ، حيث لا وجه للموازنة بين رضا الله عز وجل وسخط الساخطين.

ومن جهة أخرى يجب أن يدرك هؤلاء الساخطون أنه لا فائدة من سخطهم وكراهيتهم ، وأنه من الأجدى أن يستبدلوا أسلوبهم هذا بأساليب أخرى كأسلوب تكامل الحضارات وحوار الأديان وقبول الآخر ، والقرآن العظيم يقول :

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

 

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

106,108