نعم مازال العرب مستعمرين لأنهم ما زالوا يحققون - بكل عزيمة وهمة وإصرار - الأهداف التي رسمها الاستعمار والتي لم يكن الاستعمار نفسه يتوقع تنفيذها على يد العرب بهذه المهارة وهذا الحرص ، ولا شك أن دول الاستعمار القديم منبهرة بهذه النتائج التي لم تكن في حسبانها حين قامت بتقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة ، فالعرب الآن يرفضون رفضا قاطعا إعادة الوحدة الطبيعية التي كانت قائمة قبل ذلك في ظل الدولة الإسلامية الواحدة ، وهذا الرفض القاطع ينزل بردا وسلاما على قلوب المستعمرين القدامى وعلى قلب المدللة إسرائيل ، ولماذا لا نسعدهم ونحن العرب نحب إسعاد الآخرين بما تميزنا به من شفقة وإيثار وتضحية من أجل الغير حتى وإن كانوا أعداء لنا ، وفى مقابل هذا الإيثار وهذه الشفقة على الغرباء والأعداء فعندنا أيضا البأس وقوة الشكيمة والإصرار العنيد والتكشير عن الأنياب لبعضنا البعض .

 

وقد كان رفض الوحدة إلى عهد قريب مقتصرا على الصعيد الرسمي فقط أما الآن – للأسف - فإنه بدأ يمتد ليصبح رفضا شعبيا أيضا وهذا مؤشر خطير على مدى نجاح المخطط الاستعماري الرهيب.

 

فأفراد الشعوب العربية الغنية بما من الله عليها من بترول لا يستسيغون فكرة أن يتحدوا مع شعب عربي فقير كثير العدد فيشاركهم ثروتهم وأموالهم وبالتالي ينقص نصيبهم من هذه الثروة ، وهم يفضلون عدم الوحدة حتى يظلوا ينعمون بثرواتهم وحدهم دون مضايقات ومشاركات الآخرين.

 

وهكذا نجح الاستعمار في تقسيم الشعوب العربية إلى غنية وفقيرة فضمن بذلك استمرار فرقة العرب إلى الأبد.

 

إن الاستعمار قام بتقسيم تركة الدولة الإسلامية على الورثة بصورة غير عادلة ليضمن تفرقهم وعدم تآلفهم بعد ذلك ، فكيف لمن أكل ميراث إخوته وذاق طعم الحياة الرغيدة وذاق طعم التنعم بالمال واللعب به ذات اليمين وذات الشمال ؛ كيف له أن يصحو ضميره بسهولة ويعيد إلى أخيه حقه في التركة ، إنه حتى إن أراد أن يفكر في ذلك مجرد تفكير فسوف ترتفع أصوات أبنائه وزوجاته بأنه قد جن أو أصابه الخرف.

 

فالمعادلة إذن صعبة ومعقدة ، ونحن نلتمس العذر لمن صارت الأموال في حوزته ، إنه ليس من السهل أن يوزعها على الآخرين ، فهذا لا يمكن تحقيقه إلا بأحد أمرين : إما الوحدة المفروضة بالقوة والتي يبذل من أجل تحقيقها المال والدم ، وإما وحدة التكامل والتواصل والتيسير وإزالة العقبات ليستطيع العرب التنقل بين أوطانهم بحرية ويسر متبادلين المنافع فيما بينهم.

 

ولا أظن أنه قد آن أوان الوحدة التامة التي تحتاج إلى القوة وبذل التضحيات ، فرغم أنها قادمة بكل تأكيد إلا أن أوانها لم يحن بعد ، ولكنه قد آن أوان وحدة التكامل ، وهذا هو المطلب الملح الآن ، والذي يجب أن تتكاتف جميع الجهود وترتفع كافة الأصوات لمطالبة القائمين على أمر الشعوب العربية  بالإسراع في اتخاذ خطوات جادة نحو تحقيقه بدلا من أن نستمر في منح وإهداء السعادة والطمأنينة وراحة البال إلى المستعمرين القدامى ومدللتهم إسرائيل.

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

108,077