الأمم المتحدة اسم يضحكني كثيرا وشر البلية ما يضحك ، فهناك أسماء أخرى أكثر ملاءمة وأدق دلالة ، مثل : الأمم المتصارعة ، الأمم المتناحرة ، أمم الغابة ، أمم الخضوع للأقوياء ، الأمم العاجزة عن تحقيق العدالة ، الأمم التي تكيل بمكيالين وأكثر ، الأمم ذات الأنياب والمخالب لصالح الأقوياء ، الأمم مكتوفة الأيدي أو مشلولة الأيدي أو مقطوعة الأيدي والأرجل والرأس تجاه قضايا المظلومين والضعفاء ....


فكل هذه الأسماء المقترحة أصدق دلالة وأبلغ بيانا لدور هذه المنظمة وأوضح وأفصح من اسم الأمم المتحدة الذي هو في الواقع مضلل الدلالة ولا يصف لنا بصدق وأمانة دور هذه المنظمة البائسة.


وليس من الضروري سرد وقائع محددة - وما أكثرها – لإثبات ذلك ، فيكفي رؤية العالم من حولنا وكيف هو ملئ بالصراعات والمؤامرات والحصارات والتدميرات والتفجيرات والحروب وإهدار الموارد ونهب الثروات وسفك الدماء دون مبررات مقنعة أو أسباب مقبولة. وعيون تلك المنظمة مفتوحة كآذانها ، ولسانها طليق بليغ ، ولكن يدها لا تتحرك ولا تنحل قيودها إلا إذا كان في تحركها مصلحة للأقوياء ، فإن كانت مصلحة الضعفاء والمظلومين هي التي تتطلب التحرك ظلت الأيدي مشلولة وظلت القيود ثقيلة ولا سبيل إلى تحريرها.


فالمنظمة عاجزة عن فعل شيء ذي قيمة من أجل إقرار العدالة الدولية ، فإن كانت هناك قضية للضعفاء والمظلومين ؛ فالمنظمة تجتمع وتنفض ثم تجتمع وتنفض دون حلول ، وينطبق عليها قول القائل : أسمع جعجعة ولا أرى طحينا ، وفي النهاية تقوم المنظمة بذر الرماد في عيون البسطاء ليوهموهم أن المنظمة تؤدي دورا لا غنى عنه للبشرية المنكوبة.


ومن أجل إنقاذ العالم من هذا الوضع الكوميدي - تراجيدي فإنني أتقدم إلى زعماء العالم وقادته وجميع المنظمات والقوى المؤثرة والمحركة بكافة أشكالها وألوانها وأطيافها بما فيها الأمم المتحدة وغير المتحدة ، أتقدم إليهم جميعا بعرض سوف يخلص العالم من صراعاته وخلافاته وسوف يجد الحلول المرضية لكافة المتناحرين والمختلفين والفرقاء ، وإضافة إلى ذلك فإنه سوف لا يضر بالمصالح الشخصية المشروعة وغير المشروعة لجميع المستفيدين من بقاء الأوضاع على ما هي عليه ، وأيضا لن يمس مصالح سماسرة السلاح والمؤامرات فسوف تظل أرباحهم مستمرة غير أننا سوف نستفيد  بسبب توفير رأس المال وعدم إهداره ، وبالتأكيد فإن هذا العرض لن يضر كبار المسئولين ولا صغارهم ، فالجميع سيظل ينعم بالمزايا التي يتحصل عليها حتى وإن كانت غير مشروعة ، كما أن الحكام سوف يظلون في مواقعهم وعلى كراسيهم مدى الحياة أو لأقصى فترة تسمح بها قوانينهم ، وربما نعمل على منحهم فترة مجانية كهدية - وليست رشوة معاذ الله - مقابل تعاونهم في قبول العرض وإقراره.


ويتلخص هذا العرض في أن يختاروني - أنا العبد الفقير - حاكما للعالم ، ليصير العالم كله دولة واحدة تحت إدارتي ، وسوف أقوم – بمساعدة الخبراء والمتخصصين – بتشكيل الأجهزة اللازمة لضمان صحة وسلامة التقارير التي تصلني وضمان تنفيذ الأوامر والوعود التي تصدر عني ، وبقيام هذه الدولة العالمية سوف تلتزم أول ما تلتزم بالعدالة ، فإن قيل كيف تكون عادلة وقد أقرت المزايا غير المشروعة للمستفيدين واللصوص والسماسرة أقول إن العدل يكمن في الوفاء بالوعد والعهد ، وقد اضطررنا إلى ذلك لتحقيق مصلحة أكبر فهذه المزايا غير المشروعة كانت في تزايد مستمر وليس لها نهاية ، أما الآن فإنها أصبحت محدودة وسوف تتقلص يوما بعد يوم برحيل أصحابها وبذلك سوف تعود شيئا فشيئا إلى الشعوب خلال فترات ليست بعيدة بدلا من استمرارها إلى الأبد إلى جانب تضاعفها عاما بعد عام لو استمرت الأوضاع السابقة دون تغيير.


وسوف يعيش كل شعب الحياة التي يريدها ويختار الدين الذي يرتضيه مع ضمان حرية كل فرد في التعبير عن آرائه أو الدعوة إليها بما لا يمس حريات وحرمات الآخرين.


وإن نشب خلاف بين فريقين أو طائفتين من شعب واحد ، أو من شعبين مختلفين ، فسوف يقوم القضاء المحلى أو القومي العادل بحسم الخلاف على أسس عادلة ، وللمتضرر الحق في استئناف القضية حتى آخر درجات التقاضي ، والجميع ملنزم بالخضوع لحكم القضاء النهائي وإلا فالعقوبة الرادعة لمن يخرج عن القانون.


أما الدول فسوف تتحول إلى ولايات داخل هذه الدولة العالمية الأم ، ولا مساس بحكامها ولا كبار مسئوليها كما وعدت ، وسوف تنعم الشعوب بفائض الإنتاج وبتوفير رؤوس الأموال التي كانت تهدر في النزاعات والمؤامرات والحروب ، وبذلك فسوف تعيش الشعوب في رفاهية وأمان ورغد عيش في ظل دولة إنسانية عادلة لا تعرف التمييز ولا العنصرية.


وقد يطعن طاعن في نواياي الطيبة والحسنة فيتهمني بأنني ما أردت حكم العالم إلا لتحقيق مآرب شخصية من زيادة دخل ونهب أموال ، لأضاف بذلك إلى قائمة المستفيدين القدامى ، ولكني أعلن للجميع أنني لن أتقاضى إلا نفس راتبي المتواضع الذي أتقاضاه الآن ولن أطلب إلا علاواته المعتادة دون أية مكافآت أو مزايا تحت أية مسميات ، وسوف أظهر بنفس ملابسي المعتادة المصنوع معظمها من الخامات البترولية المتواضعة ، وسوف أستعمل نفس العطور المقلدة رخيصة الثمن ، إلا إذا كره ذلك زعماء العالم السابقون - الذين سوف أجتمع بهم كثيرا - أو أصابهم الاشمئزاز من مظهري المتواضع أو أصابتهم الحساسية أو نوبات العطس من عطوري المقلدة الرخيصة ، فسوف أضطر عندئذ إلى استعمال ملابس وعطور ترضي أذواقهم المتغطرسة المريضة ، متحملا في سبيل ذلك ما قد يصيبني من حساسية وما قد يصيب ذوقي المتواضع السليم غير المريض من تغيرات بسبب استعمال الثياب الفاخرة والعطور الراقية التي لم أتعود عليها ولم أجربها قبل ذلك قط طوال حياتي الماضية ، والتي قد يؤدي التعود عليها إلى تأثيرات سلبية على ذوقي وجيبي مستقبلا ، وبالطبع فسوف تتحمل خزينة الدولة العالمية الجديدة هذه المصروفات ، وستصنف العطور على أنها مواد مستهلكة ، أما الملابس فسوف تصنف على أنها عهدة مستديمة تضاف إلى عهدة أمين مخازن مكتب الرئاسة.


فليثق بي الجميع ، ولتفكروا جميعا في هذا العرض ، وأسأل الله أن يهديكم إلى قبوله من أجل إنقاذ هذا العالم الذي يعاني بعض شعوبه قهرا ماديا نتيجة الفقر ، ويعاني بعضه الآخر قهرا نفسيا ومعنويا نتيجة الغنى ، ويعانى بعضه الثالث قهرا أمنيا ودمويا نتيجة الصراعات والدمار والتسلط.

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

ساحة النقاش

mahdy500
<p>نعم بناء الاقوياء وانتصارهم وتأسيسهم هذا الكيان&nbsp; وباسم&nbsp; الامم المتجدة اكثر لمعانا حتى يتسنى لهم تقسيم العالم وأملاء شروطهم .وبالتالى المتاجرة بحياة الشعوب.وايجاد موطىء قدم لشركاتهم وتجارتهم ونهبهم للثروات.....واخيرا أشكر د عبدالعزيز على عطائه .</p>

عدد زيارات الموقع

105,943