« بون شاسع بين اعتذار يحركه قلب مملوء بالحب، وبين اعتذار تحركه نفسٌ مملوءة بالجبن والضعف والخبث ».
شيءٌ طبيعيٌ أن نخطئ، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله، ولو تحرَّينا الحرص بإيقاظ كل الجوارح كل الوقت.. إذ لو كان ذلك مُمكناً ما فتحَ الله باباً لتوبة أمام مُذنب، ولما فَتحَ قلوبَ الخلق بالصَّفح والتسامح أمام مُخطئ.. جاء في الوصية الموجزة من رسول الله”صلى الله عليه وسلم“ لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا»، فإن زلت قدم فإنه «لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة»، كما في الحديث.
وبما أنَّ الأهم مُقدمٌ على المُهم، فالوشائج والروابط والعلاقات التي تجمع الأفراد والأمم والشعوب مُقدمة على كل مُبرر ينال من قوتها وتماسكها كــ (الكرامة - الهيبة - عزة النفس)، تلك المفردات التي تُدفَعُ في طريق من يَسعون إلى الاعتذار لصدِّهم وتغيير مسارهم تحقيقاً لكبرياء مزعوم.. أقول هي مُصطلحات سِيقتْ في غير مَوضعها وقِليتَ في غير مناسبتها، لأنَق الاعتذار في معناه انتصار على العداوة والشقاق، وهو أمر يحتاج إلى إرادة وشخصية وقرار وهي ثلاثية تزين الكرامة والهيبة وعزة النفس ولا تلطخها على حدِّ زعم أرباب الأغراض والشهوات.
إنَّ الاعتذار الجميل لا يُأول بالضعف والهوان إلا لدي النفوس المريضة بداء «الأنا»، تلك التي توطنت علي عشق الذات، فجعلتها معبوداً تتقرب إليه بكل الوسائل والطرق، فالعزف النشاز، ومناهضة القواعد والأعراف.. إنْ كانت سُلَّماً نحو الشهرة في فضائية أو صحيفة أو منتدى، فلا مانع من قدح الجميل ومدح الدميم وقلب الحقائق.. هكذا استهوت التجارة الإعلامية أنصاف المتعلمين في وسائلها فجعلتهم نجوماً يُصَدِّرون إلى الناس الريبة والشك في كافة الثوابت والقواعد.
لكن للاعتذار وقته وكيفيته، ففي لحظة ما يجب تقديم الاعتذار بشكل ما، وإلا عبر الاعتذار عن تخبط في اتخاذ القرار، وهو أمر بالغ الدلالة على سوء الإدارة.. متى وكيف؟ كفيلتان بمنع التداعي واتساع القطع..!.
أدَّعي أنني كنتُ من أوائل من كتب مقالاً في الاقتصادية بتاريخ 24/4/2012م بعنوان «مصر والسعودية.. علاقة قدرية !!»، ونلت عبر كل وسائل الاتصال «ردحاً» من قبل أناس أعماهم الإعلام عن رؤية الحقائق، حتى توجه وفد برلماني، وسيتوجه وفد شعبي إلى السعودية للملمة الشمل.. وربما توجهت وفود تالية، ولكن كانت وقفة جادة من البداية كفيلة بتنقية الأجواء.. وهو أمر قصَّر فيه الكتاب والمثقفون والإعلاميون وغيرهم إلا قليلاً.
إنَّ سعي مصر الآن كي تعيد المياه إلى مجاريها مع شقيقتها وحبيبتها السعودية هو سعيٌ يعبِّر عن حُبٍ مخلص صادق ولا شيء غير ذلك.
ساحة النقاش