ما انفك بنك Deutsche، في نيويورك، يختبر خطته للتعافي من الكوارث، كل ستة شهور، خلال السنوات الخمس الماضية، حيث يعمد عن قصد، إلى تعطيل جميع التطبيقات والمزودات، التي تعتمد عليها أعماله، بشكل رئيسي، في موقعي مركزي البيانات الخاصين بالبنك، الموجودين في مركز التجارة العالمي في نيويورك، وموقع مجاور له في نيوجرسي. لم يكن أحد يتوقع، في ذلك الوقت، أن هذا التمرين يمكن أن يوفر لفريق عمل بنك Deutsche، المعرفة والخبرة اللازمة لإعادة كامل البنية التحتية لتقنية المعلومات إلى العمل، فوراً تقريباً، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، العام الماضي. لكن ماتمكن فريق البنك عمله، هو بالضبط ما سمحت لهم به خطتهم وتمرينهم بالحصول عليه. يقول توني كيرّيسون (Tony Kerrison)، رئيس قسم الخدمات المقدمة للمؤسسات في بنك Deutsche:"بدأنا بتنفيذ خطة التعافي مباشرة، إذ تعطلت بعض أنظمتنا فوراً". أما الأنظمة الأخرى غير الجوهرية لتنفيذ الأعمال، فقد استطاع فريق تقنية المعلومات إعادتها إلى العمل خلال أسبوع من الحادثة، بعد أن أعاد تركيب البيانات عليها من الأشرطة التي كانت حفظت احتياطياً عليها.


فقد بنك Deutsche اثنين من موظفيه في الحادثة، وكانت مكاتبه تتضمن 5000 حاسوباً. ويرى جيف باير (Jeff Baer)، رئيس تقنية المعلومات في الشركة، أن الشركة استطاعت إعادة عامليها إلى العمل سريعاً، لأن خطة التعافي من الكوارث الخاصة بتقنية المعلومات في البنك، كانت مرتبطة بشدة مع الخطة الكلّية للمحافظة على استمرار العمل. واشترى البنك في نهاية الأسبوع، أكثر من 2000 حاسوب مفكرة جديداً، واستطاع الموظفون العمل مرة أخرى، إما في المنزل، أو في مكتب نيوجرسي.


يبدو هذا الجهد الذي بذله بنك Deutsche غير عادي، كما كانت تلك الأحداث غير عادية، لكنها أظهرت المعدن الحقيقي لذلك الجهد. وتشير الأبحاث التي أجرتها مؤسسة جارتنر، أن لدى أقل من 50 بالمائة من الأعمال متوسطة الحجم، و25 بالمائة من الأعمال الصغيرة، خطط للتعافي من الكوارث. لكن الأحداث الأخيرة علمتنا درساً بليغاً، لأنه حتى الأعمال الصغيرة أنفقت آلاف الدولارات على البنية التحتية لتقنية المعلومات. ولو كان بنك Deutsche أقل استعداداً، ربما انتهى مثل كثير من شركات برج التجارة العالمي، التي مازالت تحاول العودة إلى العمل، وربما لن تستطيع أن تفعل ذلك أبداً، حسب ما يتوقعه المحللون.

تقول دونا سكوت (Donna Scott) نائب الرئيس، ومدير الأبحاث، لدى مؤسسة جارتنر:"التخطيط للتعافي من الكوارث يستهلك قليلاً من الوقت، ولا يكلف كثيراً من المال". وهذا لا يعني أن تنفيذ خطة من هذا النوع لن يكون مكلفاً، لكن الأمر الجوهري أن يتم وضع الخطة قبل الحاجة إليها فعلاً. وتتابع سكوت:"عندما تحدث الكارثة، فذلك ليس وقت بدء التخطيط". وهذا صحيح خاصة أنه تتوفر أدوات وحلول متعددة في هذا المجال، تستطيع أي شركة أن تتبناها.


هذه هي خطتي

يجب أن تبدأ خطتك للتعافي من الكوارث، مثل أي قرار رئيسي في مجال العمل، باختيار الشخص، أو الفريق المناسب، الذي سيتولى أمر تلك العملية. ويقول ويليام بي كارولان William B Carolan))، استشاري الإدارة لدى شركة Arup Risk Consulting:"على المسؤولين الكبار في الإدارة تولي الأمر، والمشاركة بنشاط في أي عملية تخطيط. ويعتبر دعمهم ومشاركتهم، العامل الجوهري الأشد أهمية في تحديد إذا كان سيتم تشكيل خطة فعّالة في النهاية".


أضافت بعض الشركات، مثل شركة Hughes Supply، التي تعمل كموزع بيع جملة في أورلاندو، وفلوريدا، مركزاً وظيفياً جديداً، إلى تنظيمها الخاص بتقنية المعلومات، كي يعمل كصلة بين الأقسام. ويقول شيريل جرابواسكي (Cheryl Grabowski)، مدير استمرار الأعمال في شركة Hughes Supply، أنه بعد أن يأخذ هذا الشخص مكانه، ستكون المرحلة التالية، تعيين موارد الشركة التي تعتبر مهمة جداً لاستمرار الأعمال، كالملفات، والتطبيقات، والإجراءات التي تبقي الشركة حيّة. يقول جرابواسكي:"عليك أن تحدد أي المزودات التي يجب أن تعود للعمل أولاً، وأي الوظائف التي يجب أن تسترجع". لكن الأمر المؤسف أن البيانات التي تبدو مهمة بالنسبة لقسم معين، ربما تكون غير مهمة لقسم آخر. إذ سيرى المدير المالي، مثلاً، أن الملفات المهمة، هي تلك التي تساعده في إغلاق حسابات هذا الشهر، بينما سيرى العاملون في قسم المبيعات أن برمجيات إدارة العلاقة مع الزبائن، هي أكثر أهمية. ويفرض ذلك على فريق تقنية المعلومات، أن يتخذ القرارات بشأن أهمية البيانات، ويمكن أن يشكّل هذا مشكلة. ويقول كارولان من شركة Arup Risk:"يوجد لدى معظم الشركات خططاً لاسترجاع أنظمة تقنية المعلومات، وهي تسترجع المهمات والبيانات التي يشعر فريق تقنية المعلومات بأنها أشد أهمية، والتي يمكن استرجاعها بسرعة وسهولة باستخدام الأموال المحدودة المخصصة لهم". وأضافت كارولان:"مرة أخرى، على المسؤولين الكبار في الإدارة، أن يأخذو دور الحكم النهائي في تحديد ما هو أساسي لتنفيذ الأعمال". وعلى الأشخاص غير القاردين بدقة، على تحديد البيانات المهمة، الاستعانة ببرمجيات التعافي من الكوارث، والخدمات الاستشارية.


تتراوح أسعار برمجيات التعافي من الكوارث، بين 29.95 دولاراً، و6 مليون دولار، ويعتمد اختيارك لإحداها على حجم وتعقيد منظمتك، وهي مصممة كي تقودك في عملية وضع خطة التعافي من الكوارث. وتقدم البرامج المنخفضة التعقيد، من هذا النوع، قائمة بالنقاط التي يجب أن تفحصها لإنشاء خطة التعافي من الكوارث، بينما تتضمن البرامج المعقدة، عالية المستوى، خدمات تحليل واستشارة. وتولد معظم أطقم البرمجيات مثل طقم A Business Recovery Story، من إنتاج شركة BRPractive (بسعر 360 دولاراً، أو أعلى www.brproactive.com)، خطة جاهزة للتعافي من الكوارث، تستطيع أن تطبعها، ثم توزعها على الموظفين والموردين الرئيسيين.


وتفضل بعض الشركات تعهيد كل شيء متعلق بهذا الموضوع، بدءاً من عملية تصميم خطة التعافي من الكوارث، إلى تنفيذها الفعلي. ويشمل ذلك وضع الخطة وتركيب العتاد والبرمجيات الرئيسية، مثل أنظمة التخزين، والمزودات، وتجهيزات الوصول عن بعد. وتستطيع الجهات الاستشارية، مثل شركتي Comdisco (www.comdisco.com)، وSunGard Data Systems (www.sungard.com) أيضاً، توفير المزودات، ومراكز البيانات، والاتصالات، كجزء من خدماتها. وتتباين تكلفة هذه الخدمات بشكل كبير، وتعتمد كثيراً على حجم وحاجات الشركة. وهي بالنسبة للشركات الصغيرة، من رتبة عدة آلاف من الدولارات، إذا كان المطلوب استشارة محدودة فقط، بينما ترتفع إلى آلاف كثيرة من الدولارات، بالنسبة للشركات التي تحتاج إلى شراء الخدمات والمعدات، أو التعاقد على تقديمها. ويمكن أن تصل التكلفة بسهولة، إلى عدة ملايين من الدولارات، بالنسبة للشركات متوسطة الحجم التي لم تنفق سابقاً على خطة تعافي من الكوارث. لكن التخطيط والتقييم داخل الشركة، يمنع تبذير الموارد بلا جدوى.


أقل ما يمكن أن تفعله

على الرغم من أن بعض المؤسسات الكبيرة قد تستطيع إنفاق الملايين على خطط التعافي من الكوارث، فإن الأعمال الصغيرة، لا تكون قادرة غالباً، على حماية استثماراتها تماماً، بسبب قيود التمويل، أو عدم قدرتها على توظيف فريق العمل اللازم. فمن من الأعمال الصغيرة قادر على تحمّل نفقات إنشاء مركز بيانات نظير؟


حتى إذا لم يكن لديك خطة تعافي من الكوارث إلى الآن، أو كنت لا تستطيع إنفاق أي مبلغ إضافي على التخطيط للتعافي من الكوارث، فلا تجزع، فالطريق أمامك غير مسدود، إذ مازلت تستطيع المضي في بعض الطرق البديلة بتكلفة أقل. أول ما ننصح بفعله هو أن تنشئ قائمة حديثة بأسماء الموظفين، تتضمن أرقام هواتف منازلهم، وهواتف المحمولة، وعناوينهم، وعناوين البريد الإلكتروني البديلة التي يستخدمونها، وعليك أن تحتفظ بنسخ من هذه اللائحة أيضاً في أمكنة بعيدة عن مكاتب الشركة. على الرغم من بساطة هذا الإجراء، إلا أن العديد من الشركات في مركز التجارة العالمي، لم تفعل ذلك، وكانت النتيجة مريعة، إذ لم يستطع الرسميون والمختصون بالإنقاذ من الكوارث، في موقع الحادث، التأكد من عدد القتلى. لأنه لم تكن لديهم طريقة للتأكد بدقة من عدد الأشخاص الذين يفترض أن يكونوا في المكاتب، وعدد الأشخاص الذين وصلوا إلى منازلهم بأمان. ويقودنا أسلوب التفكير ذاته، إلى نصح الشركات بتقييم مواقع عمل الموظفين الرئيسيين لديها. فهل على الشركة أن تضع جميع موظفيها في المبنى ذاته؟ وهل عليها أن تضع جميع مكاتبها في الطابق ذاته؟ وعلى الرغم من أن الإجابات على هذه الأسئلة تبدو واضحة إثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول، إلا أنه لم يلق إليها بالاً في السابق. وفي النهاية تستطيع الهزات الأرضية والفيضانات بسهولة، أن تعطل مباني وأعمال كاملة. لكن بإنشاء موقع إضافي، يقترح الخبراء، أن يكون على بعد لا يقل عن 20 إلى 50 ميلاً، فإنك تضمن بنسبة أكبر، أن تستمر شركتك في العمل، إذا أصابت كارثة أحد الموقعين. لكن الأعمال الصغيرة لا تملك رأس المال أو الأشخاص الكافيين للعمل في المكتب الثاني، بينما تستطيع معظم المكاتب الرئيسية غالباً، توفير مواقع احتياطية.


من الناحية التقنية، على الشركات التي تحفظ الآن بياناتها احتياطياً بشكل يومي، أن تعيد تقييم إجراءاتها. فحفظ البيانات احتياطياً، إما على شريط، أو على وسائط قابلة للإزالة، أو عبر شبكة افتراضية محلية، أو عبر إنترنت، هو أهم شيء يمكن أن تفعله الشركات كجزء من خطة التعافي من الكوارث. لكن حفظ البيانات احتياطياً سيكون مفيداً فقط، إذا كنت تستطيع الوصول إلى تلك البيانات، في حالات الطوارئ. والأفضل أن تخزن باستمرار عدة نسخ من البيانات، خارج موقع الشركة، مهما كانت هيأتها.


يمكن أن يعني ذلك حلاً بسيطاً، كأن يعهد إلى بعض الموظفين الرئيسيين، بأخذ أشرطة الحفظ الاحتياطي إلى المنزل يومياً، أو شراء خزانة مضادة للحريق والماء، أو حتى تنفيذ الحفظ الاحتياطي كل نهاية أسبوع، على مزود خارج موقع الشركة. ويقول بوب سوثيرلاند (Bob Sutherland)، المحلل لدى شركة Hampton، التي تعمل في أبحاث تقنية الأعمال، ومقرها في New Hampshire:"يجب أن تعكس الخطة التي تنفذها، المخاطر التي يتعرض لها أعمالك". يضاف إلى الإجراءات السابقة، أن على مديري تقنية المعلومات، وضع وتنفيذ خطة تدوير أشرطة الحفظ الاحتياطي، أو الوسائط، لتجنب تعطل وسائط التخزين.

يمكن للشركات التي تستخدم مزودات الحفظ الاحتياطي، أن تنظر إلى أنظمة التخزين المعتمدة على إنترنت، التي تنمو شعبيتها باضطراد. لكن العديد من الشركات، من جهة أخرى، مازالت قلقلة بشأن الأمن، والأخطار الكامنة في أنظمة الحفظ الاحتياطي، التي تعتمد على وصلة إنترنت. وعلى الجهات التي تتبع حالياً، خططاً للتعافي من الكوارث، أن تعيد تقيم خططها من حين لآخر، خاصة عندما تتغير البينة التحتية للأعمال لديها. فإذا تم ترقية كل حاسوب في المؤسسة، إلى نظام تشغيل جديد، مثلاً، يجب تعديل الخطة الحالية وضع الخطة المعدلة في الاستخدام. وعلى فريق تقنية المعلومات أيضاً، إعادة تقييم تقنيات الحفظ الاحتياطي والاسترجاع المستخدمة حالياً. فشركة Hughes Supply، مثلاً، فحصت حديثاً خطتها للحفظ الاحتياطي على الأشرطة، وتحولت إلى برمجيات Veritas NetBackup (www.veritas.com)، والتي تنقص مدة استعادة الشريط من 38 ساعة، إلى أقل من 10 ساعات كحد أقصى، كما يقول جرابواسكي. أخيراً، على الشركات أن تسأل مورديها الرئيسيين، عن خططهم وإجراءاتهم، للتعافي من الكوارث. وعلى تلك الجهات، وخاصة شركات الاتصالات، وموفرو خدمة إنترنت، أن تكون مستعدية لشرح خططها للحفظ الاحتياطي، والوحدات الاحتياطية المتوفرة لديها. ويجب أن تعلم كيف يمكن لمزودك بخدمة إنترنت، أن يعيدك إلى الشبكة مرة أخرى، وخلال كم من الوقت، إذا تعرضت وصلتك للأذى؟ وأين تقع أقرب نقطة متوفرة للاتصال به؟ وإذا كانت الجهة الموردة، منتجة للبرمجيات والعتاد الذي تستخدمه، فيجب أن تسألها عن المدة التي تحتاجها لاستبدال البنية التحتية في شركتك كاملة؟ وماذا يحدث إذا توقف نظام النقل، كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول؟ وما هو مدى قرب مراكز التوزيع الخاصة بشركتك إلى مكاتبك؟


يقول بيار من بنك Deutsche، أنه وفريقه لم يتوقعوا الإجابة على مثل هذا النوع من الأسئلة، قبل حادثة المركز التجاري العالمي، وأضاف:"أحد أشد الدروس التي تعلمناها أهمية، أننا نحتاج إلى فهم أفضل لتقنيات الحفظ الاحتياطي التي يوفرها لنا موردونا الرئيسيون، إذ يمكن أن تتوقف عن العمل بسهولة إذا حدث أن خرجوا من الأعمال، وعندها سوف ندفع جميعاً الثمن".


في هذه المقالة، نوضح ثلاثة مجالات مهمة في تقنيات التعافي من الكوارث: وهي الحفظ الاحتياطي، والاحتياطي الفائض، وحوسبة الزبون النحيف. ونتمنى أن يبقى استخدام التعافي من الكوارث احتمالاً، بدلاًَ من أن يحدث حقيقة، لكن الحادثة الأخيرة أوضحت بجلاء، أننا بحاجة إلى فهم ماذا يمكن أن يحدث، وأن نكون مستعدين لذلك.

  • Currently 125/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
42 تصويتات / 1075 مشاهدة
نشرت فى 29 يناير 2007 بواسطة mara

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

937,979