نهضة مصر: بعد 25 يناير 2011 -------- أ. د/ ممدوح عبد الغفور حسن

أكثر من نصف قرن مع المواد النووية والثروة المعدنية

 

هذا المقال مأخوذ من الكتابين

__________________________________________

 

  معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية

1 من 3-

 استعراض تاريخي:

 

فى عام 1939 اكتشف الإنسان نوعاً جديداً من الوقود يعطي كميات من الطاقة تعادل ملايين المرات الطاقة التى يمكن الحصول عليها من نفس الوزن من الوقود العادى، وبهذا وضع الإنسان يده على مصدر جديد للطاقة، ولم يكن هذا الكشف الجديد وليد لحظته ولكنه جاء فى سياق تطورات علمية بدأت فى أواخر القرن العشرون عندما اكتشف رونتجن أشعة إكس فى عام 1894، ثم بينت أبحاث مدام كوري وزوجها بيير كورى أن النشاط الإشعاعى لليورانيوم سببه عدم استقرار نواة ذرته مما يؤدى إلى انطلاق بعض جسيماتها مصحوبة بطاقة حرارية وإشعاعية وذلك فى عدة مراحل متتابعة حتى تصل إلى حالة مستقرة. وقد حفز ذلك علماء الفيزياء النووية والكيمياء النووية على دراسة نواة الذرة وكشف بعض أسرارها فتبين أن التفاعلات الكيميائية العادية تحدث بين إلكترونات الذرات ولا تمس النواة على الإطلاق؛ ولكن هناك تفاعلات تحدث نتيجة للتغيرات فى النواة نفسها وتنطلق منها طاقة تعادل ملايين المرات الطاقة التى تنطلق من التفاعلات الكيميائية؛ فنشأ التفكير فى استخدام هذه التفاعلات النووية كمصدر للطاقة يفوق المصادر التقليدية ملايين المرات من نفس كمية الوقود.

بعد ذلك تسارعت الأبحاث فى هذا المجال حتى توصلت إلى إمكانية استخدام أحد التفاعلات النووية التى تحدث انشطارا فى نواة  ذرة اليورانيوم كمصدر للطاقة الحرارية وسمى هذا التفاعل بالتفاعل الانشطارى أو الانشطار.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة كانت أمريكا هى الدولة الوحيدة التى تملك السلاح النووى وتملك قدرات صنعه من الناحية التكنولوجية ومن الناحية الاقتصادية، وظنت أنها ستنفرد بسره الرهيب لفترة طويلة تسمح لها بالسبق الدائم فيه، ولكن خاب هذا الظن فى عام 1949 عندما فجر الاتحاد السوفييتى السابق قنبلته الذرية الأولى، وتبعته بريطانيا فى عام 1952، وتيقنت أمريكا أن الدول الأخرى بدأت فى امتلاك التكنولوجيا النووية التى تمهد  لصنع القنابل الذرية أسرع مما كان محسوبا، وأن هناك سباق محموم لامتلاك السلاح النووى كأحد مظاهر العظمة الدولية، وقد دفع ذلك أمريكا لإعلان برنامج "الذرة من أجل السلام" من خلال الأمم المتحدة لمعاونة المجتمع الدولى على اكتساب التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية والامتناع عن التوجهات الحربية، وذلك حتى تكون أمريكا سباقة فى نشر هذه التكنولوجيا الحديثة لتحظى بمركز متميز بين الدول الكبرى ولدى دول العالم الأخرى، ولما لهذا السباق من عائد اقتصادى كبير. وقد لاقى برنامج "الذرة من أجل السلام" ترحيبا دوليا حرصا على الأمان النووى ورغبة فى توقى الوجه الشرير للتكنولوجيا النووية والاستمتاع بالوجه الحسن فقط، ويكفى ما حدث لهوريشيما ونجازاكى. ولكن فرنسا والصين لم يهدأ لهما بال، ولم يقنعا بالدرجة الثانية فى مقاعد مجلس الأمن الدائمة، وأرادتا أن يكون لهما نصيب فى عائد بيع التكنولوجيا النووية للآخرين؛ ففجرت فرنسا قنبلتها الذرية الأولى فى عام 1960 وتلتها الصين فى  عام 1964. وبعدها شاع الاعتقاد بأن السلاح النووى أصبح من سمات العظمة الدولية وبدأت هناك بعض البوادر التى تبين رغبة دول أخرى فى الوصول إلى هذه العظمة الدولية، أو على الأقل التنافس عليها، من خلال امتلاك السلاح النووى مثل الدول ذات العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، وهذا ما أشاع الخوف لدى أعضاء النادى الذرى من انتشار الأسلحة النووية وبزوغ الوجه الشرير للتكنولوجيا النووية الذى لم ير الجنس البشرى أبشع منه فى القتل والدمار، وانتقل هذا الخوف إلى باقى الدول الأعضاء فى هيئة الأمم المتحدة ودفعهم إلى الاتفاق على إجراء يواجه هذا الخطر المحدق بالبشرية ويوقفه أو يحد منه بقدر الإمكان؛ فكانت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التى ظهرت فى صورتها النهائية ودعيت الدول الأعضاء للتوقيع عليها فى عام 1968 وبدأ سريانها فى مارس عام 1970 لمدة 25 عاما، وتوالت الدول التوقيع عليها.

ويمكن تلخيص أهم بنود هذه المعاهدة فى النقاط التالية:

1- صنفت المعاهدة الدول إلى دول نووية وهى الدول الخمس التى صنعت وفجرت القنبلة الذرية قبل أول يناير 1967، وأخرى غير نووية وهى باقى الدول الأخرى.

2- تلتزم الدول النووية بالامتناع تماما عن نقل أى متفجرات نووية إلى أى دولة غير نووية أو مساعدتها على إحراز أى أسلحة أو متفجرات نووية أو تشجيعها أو حثها على تصنيع أو الحصول على أى أسلحة أو متفجرات نووية بأى وسيلة من الوسائل مباشرة أو غير مباشرة. وفى نفس الوقت تحظر على أى دولة غير نووية صنع أو امتلاك أو الحصول على أى أسلحة نووية أو السعى بأى طريقة مباشرة أو غير مباشرة فى محاولة الحصول على الخبرة أو المواد الازمة لصنع القنبلة الذرية.

3- تخضع الدول غير النووية الموقعة على المعاهدة لنظام خاص للتفتيش من قبل الأمم المتحدة ممثلة فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية (وهى هيئة دولية تابعة للأمم المتحدة) للتأكد من الالتزام ببنود المعاهدة وخاصة للتحقق من عدم توجيه التكنولوجيا النووية أو المواد الانشطارية مثل البلوتونيوم واليورانيوم من الاستخدامات السلمية إلى الأغراض الحربية أو صناعة المتفجرات النووية.

4- يبدأ التفاوض حول نظم التفتيش بين الدول المصدقة على المعاهدة وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال ستة أشهر من تاريخ سريان المعاهدة، أما بالنسبة للدول التى تصدق على المعاهدة بعد فترة الستة أشهر فإن التفاوض حول نظم التفتيش يبدأ منذ تصديقها، وفى كلتا الحالتين يجب أن يتم الاتفاق على نظم التفتيش وسريانها خلال فترة أقصاها 18 شهرا من بداية التفاوض على هذه النظم.

 5- فى مقابل هذه الالتزامات يسمح للدول المصدقة على المعاهدة تبادل الخبرات والمواد والمساعدات فى كافة نواحى التطبيقات السلمية للطاقة النووية دون أى قيود حتى فى مجال استخدام التفجيرات النووية فى الأغراض السلمية بالتعاون مع إحدى الدول النووية التى توفر المتفجرات للدول غير النووية على أن تقوم الدولة النووية بنقل المتفجر وتفجيره حسب تخطيط المشروع.

6- يحق لأى دولة من الأعضاء تقديم مقترحات لتعديل بنود المعاهدة حسب الخطوات الإجرائية المنصوص عليها فى المعاهدة.

7- يحق لأى دولة أن تنسحب من المعاهدة إذا شعرت فى أى وقت أن المعاهدة لم تعد تخدم مصالحها، وفى هذه الحالة يجب إخطار جميع الدول الأعضاء فى المعاهدة بالرغبة فى الانسحاب وكذلك مجلس الأمن، وذلك قبل الانسحاب بثلاثة أشهر مع بيان الأسباب التى دعت لذلك.

8- تسرى المعاهدة لمدة 25 عاما وبعدها يعقد اجتماع للأعضاء لمناقشة مدها لفترة أو فترات أخرى، أو جعلها دائمة.

وقد أشاعت هذه المعاهدة شعورا عاما بالاطمئنان بأن المارد النووى قد أعيد لقمقمه لأن التكنولوجيا النووية لا تقدر عليها إلا الدول الصناعية المتقدمة الكبرى ولا قبل لأى دولة أخرى للحصول على هذه التكنولوجيا إلا بمساعدة إحدى هذه الدول الكبرى، ولكن الهند فجرت هذا الاطمئنان الكاذب مع تفجير قنبلتها الذرية الأولى فى مايو 1974، وبينت أن المارد النووى الذى فتحت أمريكا قمقمه فى عام 1945 لازال طليقا، وبينت أيضا أن هذه المعاهدة لم تقنع المارد بعد بالعودة إليه. وتواترت الأنباء بعد ذلك عن تطور القدرات النووية الحربية لدول من الموقعة ومن غير الموقعة على المعاهدة، وبدأت الانتقادات توجه إليها من كل جانب، ولكن مع كل هذه الانتقادات بقى الإحساس العام بأن هذه المعاهدة ولدت لتبقى، وإذا كان هناك أى قصور فيها فمن الممكن تداركه عند انتها أجلها والنظر فى مدها.

أما أهم الأفكار المطروحة على ساحة التعديل فهى:

1- إلزام جميع الدول بالانضمام إلى المعاهدة بعد تعديلها بحيث تشمل التفتيش الدولى بصورة تضمن عدم قيام أى دولة بأى نشاط نووى حربى وتضمن اكتشاف هذا النشاط فى وقت مبكر يسمح للمجتمع الدولى بإيقافه بالطرق الدبلوماسية مثل المقاطعة والحصار الاقتصادى وغيره.

2- التزام جميع الدول، وخاصة الدول النووية الكبرى، بالتخلى عن أسلحتها النووية بالتدريج حسب برنامج زمنى محدد تشرف عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

3- تكوين قوة ردع نووية تحت إشراف الأمم المتحدة تكون مهمتها شن غارات نووية على أى دولة تستخدم السلاح النووى ضد أى دولة أخرى مهما كانت الظروف وبدون أى تردد. وينطوى هذا الاقتراح فى طيات قرار مجلس الأمن رقم 255 الذى ينص على أن "أى اعتداء بالأسلحة النووية أو التهديد به ضد أى دولة غير نووية سيوجد وضع يستلزم من مجلس الأمن، وفوق كل شىء أعضائه من الدول النووية الدائمة العضوية، التحرك فورا انطلاقا من ميثاق الأمم المتحدة"؛ بالرغم من أن هذا القرار لا يبين بوضوح ما هو التحرك المقصود، كما أنه من الممكن أن يفقد فاعليته بالفيتو. ولكن إذا تم تركيب أسنان حادة، على حد قول البعض، لهذا القرار ليصبح قرارا جادا فى إطار معاهدة منع الانتشار بحيث تثق فيه الدول غير النووية، ولا يجوز عليه حق الفيتو، فإنه سيكون من أهم أسباب الاقتناع بجدوى مد المعاهدة إلى فترة غير محدودة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: كتاب الأسلحة النووية ومعاهدة عدم انتشارها: ممدوح عبد الغفور حسن، الشركة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة 1995 كتاب الثقافة النووية للقرن 21: ممدوح عبد الغفور حسن، دار الفكر العربى، القاهرة 200
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 469 مشاهدة
نشرت فى 14 أكتوبر 2011 بواسطة mamdouhgeo

ساحة النقاش

ممدوح عبد الغفور حسن

mamdouhgeo
تسجيل خبرتى على 56 عام مع الجيولوجيا والرواسب المعدنية والبحوث العلمية والتطبيقية والإ شراف على رسائل الماجستير و الدكتوراه والتدريس فى الجامعات العربية. »

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

73,115