005 الانشطار والإثراء والتخصيب
تابع عالم الذرة
ممدوح عبدالغفور حسن
· سبق أن عزمنا على دخول العصر النووى، ولكن لم ننجح لعدة أسباب، منها عدم إلمام الجمهور المصرى ببعض أساسيات هذه التكنولوجيا المتقدمة، مما مهد للمعارضين إثارة الرأى العام ضد الطاقة النووية، بدعوى المخاطر التى قد تنشأ منها، وبعد أن تأخرنا كثيرا عن الركب؛ أصبح من الواجب إبراز الحقائق عن بعض جوانب الطاقة النووية لكى يتخذ الرأى العام موقفا مبنيا على حقائق، خاصة بعد 25 يناير 2011. ويعتبر هذا المقال استطرادا لمقالى السابق بعنوان "عالم الذرة" لتبسيط العمليات الأساسية فى معرفة التكنولوجيا النوية وهى الانشطار والإثراء والتخصيب.
· الخطوة الأولى فى أى برنامج نووى هى توفير المواد اللازمة لإطلاق الطاقة من نواة الذرة، وهى ما يعرف باصطلاح المواد النووية، وأصل هذه المواد لا يخرج عن نطاق الثروة المعدنية أو الخامات المعدنية، ولكن هذه المواد لها اعتبارات خاصة ضمن المصادر المعدنية الأخرى، يجب أن نعرضها ببساطة ووضوح حتى يكون لدينا الأساس الذى نبنى عليه رأينا فى البرنامج النووى. ويعتبر اليورانيوم أهم المواد النووية لأنه الوقود النووى والمتفجر النووى، وهذا هو فحوى المقال الآتى.
· ثلاث ظواهر يجب أن يعرفها كل من يريد فهم الطاقة النووية، وهى: الانشطار والإثراء والتخصيب: فالانشطار هو التفاعل الذى يحدث لنواة اليورانيوم لإطلاق الطاقة الكامنة فيها، أما تعبير الإثراء ببساطة هو زيادة نسبة اليورانيوم235 إلى نظيره أو توأمه اليورانيوم238 فى اليورانيوم الطبيعى، أما التخصيب فهو أيضا ببساطة تحويل عنصر غير انشطارى إلى عنصر انشطارى، ولكن وسائل الإعلام تستخدمه فى غير موقعه، وسأتناول هذه الظواهر الواحدة تلو الأخرى فى المقال الحالى كبداية للتعرف على المواد النووية فى إطار برنامجنا النووى المأمول.
· اليورانيوم هو أبو الطاقة النووية، وبدونه ما كان من الممكن أن نستغل هذه الطاقة؛ فاليورانيوم هو العنصر الوحيد الذى له قابلية الانشطار، ولكن ليس كل اليورانيوم، حيث أن اليورانيوم الطبيعى يتكون من نوعين من الذرات إحداهما وزنها 238 وحدة الوزن الذرى والثانية وزنها 235 وحدة (وحدة الوزن الذرى هى وزن البروتون أو النيوترون)، وذلك لأن نواة اليو238 تحتوى على ثلاثة نيوترونات أكثر من اليو235، ويطلق عليهما تعبير "نظيرى اليورانيوم"، كما لو كانا توأمين متطابقين فيما عدا أن أحدهما يو238 أسمن قليلا من توأمه يو235، وهما متلازمين دائما فى كل خطواتهما فى الطبيعة بنسبة 99.3% إلى 0.7% ومن الصعب جدا فصلهما عن بعضهما لتطابق كل خصائصهما، فيما عدا الفرق الضئيل فى وزنيهما الذرى، وقابليتهما للانشطار، فاليورانيوم235 هو الذى ينشطر، أما نظيره238 فهو لا ينشطر. ولكن ما هو الانشطار أو التفاعل الانشطارى الذى يطلق الطاقة الهائلة من نواة ذرة اليورانيوم 235؟
· يحتوى جو الأرض ضمن مكوناته على نيوترونات شاردة من عدة مصادر، فإذا صادف أحد النيوترونات الشاردة واصطدم بنواة يو235 تقتنصه هذه النواة وتنشطر إلى نواتين أصغر منها لعنصرين أخف من اليورانيوم، ومعهما نيوترونين آخرين أو ثلاثة نيوترونات، ويصاحب هذا التفاعل انطلاق كمية من الطاقة تساوى 20 مليون مرة قدر الطاقة المنطلقة من احتراق ذرة الفحم فى الوقود العادى، وهذا ما يعرضه الشكل التالى.
هذا عن مستوى النواة والانشطار الواحد؛ ولكن إذا أردنا استخدام هذه الظاهرة فلا بد من توفير الظروف ليكون التفاعل الانشطارى متسلسلا، كما يظهر فى الشكل التالى،
فالانشطار الأول يتولد عنه تحرير نيوترونين أو ثلاثة نيوترونات بمعدل 2.3 تقريبا لكل انتشطار، فلو هيئنا الظروف لأن تقتنص نويات اليورانيوم النيوترونات المحررة من الانشطار الأول لكى يُحدث كل نيوترون منها انشطارا تاليا، يصبح الانشطار متسلسلا ومتزايدا بمعدل 2.3 تقريبا، وبسرعة تقاس بالميكروثانية وتنطلق الطاقة الكامنة فى الكتلة من اليورانيوم التى يبدأ فيها الانشطار الأول فى الظروف اللازمة. (ولتوضيح هذا الأمر يراجع المقال الأول فى عالم الذرة).
إذن لكى يمكن الاستفادة من الطاقة الهائلة للتفاعل الانشطارى، لا بد لنا من الحصول على هذا التفاعل بالمعدل الذى نريدة، إما لتوليد الطاقة بتحكم حسب المطلوب مثلما يحدث فى المفاعل، وإما بدون تحكم مثلما يحدث فى القنبلة. وقد تمكن العلم والتكنولوجيا من التوصل إلى ذلك الهدف بعدة وسائل متضاربة، منها زيادة نسبة يو235 فى الوقود النووى، للتوصل إلى الغرض المطلوب.
أما اليورانيوم238 فليست له خاصية الانشطار، بل على العكس هو شره للنيوترونات وينافس توأمه يو235 فى اقتناصها، ويقلل احتمالية حدوث الانشطار فى اليورانيوم235 الذى هو فى الأصل موجود بنسبة ضئيلة؛ فكل 140 ذرة من يو238 تقابلها ذرة واحدة من يو235، ولذلك فاحتمال حدوث انشطار طبيعى ضئيل جدا بحيث لا يسمح بأن يكون اليورانيوم مصدرا للطاقة!
ومن الظروف التى تساعد على الحصول على الوقود النووى أو المتفجر النووى هو زيادة نسبة يو235 فى اليورانيوم إلى 3-5% تقريبا فى الوقود النووى العادى، أما فى المتفجر النووى فلابد أن تزيد النسبة إلى 90% أو أكثر، وهذه العملية تعرف بالإثراء، أو إثراء اليورانيوم uranium enrichment، وهى العملية التى يطلق عليها التخصيب؛ وهذا تعبير غير سليم؛ فعملية الإثراء تقسم اليورانيوم الطبيعى إلى منتجين، أحدهما يصبح ثريا فى النظير235، وذلك على حساب المنتج الآخر الذى يصبح فقيرا فى يو235؛ ويطلق على اليورانيو المُثْرَى اللقب الانجليزى enriched uraniun، أما الآخر فيطلق عليه لقب اليورانيوم المُفْقَر depleted uranium وتختلف درجة الإثراء حسب الغرض المقصود منها، فمفاعلات القوى تحتاج إلى إثراء بنسبة صغيرة لا تتعدى حدود 5%، أما المتفجرات النووية فتحتاج إلى نسبة إثراء فى حدود 95%. (مشاهدة الفيديو الذى يعرض عملية الإثراء الملحق بهذا المقال)
يتميز يو238 بأنه يحمل لقب "الخصب"؛ فهو يتحول بتفاعل نووى أيضا إلى البلوتونيوم إذا تهيأت له ظروف خاصة فى المفاعل، حيث تقتنص نواته نيوترونا فيزيد وزنه إلى يو239 وهو قصير العمر جدا، حيث تطلق نواته إليكترونين فيزيد عددها الذرى من 92 إلى 94 وهو البلوتونيوم 239، الذى لا يوجد فى الطبيعة، فهو إذن عنصر صناعى. ولذلك يحظى يو238 بلقب "خصب" ويمكن أن تسمى هذه العملية تخصيب يو238 إلى بلوتونيوم239، وهو أفضل من يو235 كوقود وكمفجر نووى.
· ولا ننسى فى هذا المقام أن نذكر حسنات الثوريوم فى الطاقة النووية، فرقمه الذرى هو 92؛ أى يقع قبل اليورانيوم بخطوتين فى الجدول الدورى، وهو أيضا مادة خصبة fertile material مثل اليورانيوم 238 حيث تقتنص نواته نيوترونا لتتحول إلى الثوريوم 233 وهو نظير قصير العمر و بفقد إلكترونين من نواته ليتحول إلى يو233، وهو أيضا قابل للانشطار مثل توأمه235. (فيديو يشرح عملية التخصيب الملحق بهذا المقال)
· نخلص من هذا بأن هناك ظاهرة طبيعية وهى الانشطار النووى لليو235، ولا يوجد خلاف على تسميتها بتعبير "المادة الانشطارية" fissionable material، وينبثق عنها البلوتونيوم239 واليورانيوم233؛ أما اليورانيوم 238 والثوريوم 232 فهما مادتان خصبتان fertile materials يمكن تحويلهما إلى مادة انشطارية تضاف إلى مواد الوقود والمتفجرات النووية، ولذلك يطلق عليهما أحيانا "المواد المصدرية" للوقود النووى.
· هل وضح الآن الخطأ الشائع فى استخدام مصطلح التخصيب فى غير معناه؟ التخصيب هو تحويل مادة غير انشطارية إلى مادة انشطارية، أما العملية التى تتعارك فيها أمريكا مع إيران هى إثراء اليورانيوم بزيادة نسبة 235 إلى أكثر من 5%، ولذا إذا قامت أى دولة بالحصول على يورانيوم مثرى إلى أكثر من المطلوب للمفاعلات السلمية الشائعة؛ فقد يعنى ذلك أنها تنوى الانضمام إلى النادى النووى!!!
ولتوضيح مقدار الطاقة التى يمكن الحصول عليها من الانشطار النووى يبين الشكل التاللى أن انشطار نويات كيلوجرام واحد من اليورانيوم235 يعادل الطاقة التى نحصل عليها من 2400 طن من الفحم أو من 1600 طن من البترول!!!
ساحة النقاش