المعجزات دليل النبوة:
إن مدعي النبوة هو مخبر عن الله الخالق ،لذا كان لابد له من دليل يقنع به والدليل كان لابد أن يكون معجزة. أي سلوكا يخرق العادة على نحو يعجز عنه الكائن الإنساني. فتتم نسبة القدرة على هذا السلوك إلى غير الإنسان ، ومن ثم يتم تصديق الرسول لذا نلاحظ أن الديانات السماوية كلها كانت معززة عند أنبيائها بمعجزات كأدلة قابلة للتصور والتصديق فالمعجزة إذن هي الدليل على صدق النبي. ومن ثم فبحث نبوة محمد صلى الله علية وسلم يستلزم النظر في معجزته ، للخلوص إلى تصديقها
إذا فما معنى المعجزة ؟ ما هي شروطها ؟
يمكن أن نقول مع الأمام السيوطي إن المعجزة أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدى ، سالم عن المعارض
أما من حيث الشروط الواجب توفرها في هذة المعجزة التي يثبت بها صدق الرسول صلى الله علية:
 - شرط خرق العادة.
 - شرط إعلان التحدي.
 - شرط عجز المخاطبين عن المعارضة. (أي الأتيان بمثل ما أتى به الرسول)
لكن ما طبيعة معجزة محمد صلى الله علية و سلم و ما وجه تمييزها عن باقي معجزات الأنبياء ؟
أو بمعنى أصح لماذا جائت معجزة الرسول صلى الله علية و سلم الرئيسية ولا أقول الوحيدة (القرآن الكريم) معنوية و ليست حسية كمعظم المعجزات الرئيسية لأنبياء بني اسرائيل ؟
يميز علماء أصول الدين بين نوعين من المعجزات : حسية ومعنوية
فالمعجزات الحسية كمعجزات موسى ( العصا- اليد000) ، ومعجزة عيسى (إحياء الموتى ، وإشفاء الأبرص ...) ،لكن هذا النوع من المعجزة يبقى محصورا عند من شاهدها أو عند من تناقل إليه الخبر بطريق متواتر يجزم بعدم إمكان الشك فيه.
ثم ثمة معجزة معنوية لا حسية ، وهي ما يؤكد علماء الأصول أنها المعجزة التي اختص بها سيدنا محمد ، ألا وهي معجزة القرآن.
و يجدر بنا هنا أن نشير إلى موقف النصارى إزاء المعجزات المعنوية , أنهم يقررون أن المعجزة يجب أن تكون حسية مثل إحياء الموتى , إنهم يريدون بذلك أن يصلون إلى كون المعجزة ليست معنوية وبالتالي يجب على المسلم أن يترك الأحتجاج بالقرآن واعتباره معجزة !!
والسؤال يطرح نفسة...
أليست المعجزة المعنوية في نص كتاب إذا تحقق فيها خرق عوائد البشر في القول ، وعوائد البشر في النبوغ والعبقرية ،فجاء النص بمعطيات يستحيل على طبيعة قدرة البشر في التفكير والصياغة الأتيان بمثلها يكون النص خارقا للعادة.أي خارقا لعادات البشر في التفكير ؟
فلماذا تحصرون خرق الطبيعة في خرق العادة الجارية في الطبيعة المادية ، وتستبعد خرق العادة الجارية في طبيعة التفكير البشري ومحدوديته؟
نحن كمسلمين نعتقد أن نبي الاسلام له معجزة معنوية أساسية هي القرآن. وله معجزات حسية , و هناك ثمة معجزة أخرى ألا و هي شخصية الرسول الكريم صلى الله علية و سلم .
و لكن الشئ الأساسي أن معجزة محمد صلى الله علية و سلم الرئيسية هي المعجزة المعنوية و هي القرآن الكريم .
وهنا يطرح السؤال ما السبب في كون معجزه أنبياء بني إسرائيل حسية ، بينما معجزة النبي ص معنوية أكثر منها حسية ( القرآن الكريم ) ؟؟؟
السبب في ذلك أن الاسلام مع محمد صلى الله علية و سلم كان موضوعا ليكون ديانة خاتمة ، ومن ثم ينبغي أن تكون المعجزة مستمرة ، وهذا مما لا يتحقق بمعجزة حسية تخرق عادة كونية ،فلا يراها إلا المشاهد الحاضر ،بل لابد من معجزة معنوية تخاطب الأنسان في مختلف لحظات تطوره
وتلك المعجزة هي القرآن الكريم
كما أن طبيعة المعجزة الأسلامية تفيد ضمنيا انتقال البشرية إلى طور جديد ، طور إقرأ ، طور الرشد والتفكير العقلي.
لكن ما الدليل على صحة كون المعجزة المحمدية هي القرآن؟هل قال محمد بذلك ، أم أن هذا مجرد استنتاج من قبلنا أو من قبل العلماء؟
إن الدليل على ذلك نجده صريحا في القرآن نفسه حيث يقول مجيبا مشركي قريش الذين طالبوا بآيات معجزات مادية حسية :
"وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه، قل إنما الآيات عند الله و إنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم" (50 ،51- العنكبوت. (
كما أن النبي ص يؤكد نوعية المعجزة التي اختص بها حيث يقول :
"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً" رواه البخاري .
نأتي الآن إلى الشروط الثلاثة التي يجب توافرها فى المعجزة:
قلنا إن المعجزة لابد أن تقرن بشرط التحدي.وإلا لم تسم معجزة تصديقية.
فهل تحقق هذا الشرط لمحمد ؟
أجل . فقد جاء التنزيل القرآني بتحد سافر يتلو بعضه بعضا :
ففي البداية جاء بخطاب يتحداهم بنبرة أشعرتهم بقوة مصدر التحدي ،حيث لم يتحد قبيلته فقط ، ولا حتى جميع قبائل العرب بل جاء بخطاب أوسع في لغة التحدي ،حيث قال :
"قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" (88 –الإسراء).
ولم تأت استجابة للتحدي .

فجاء بتحد آخر فيه اقتدار على مزيد من إظهار عجز المتحدى – بفتح الدال وتشديدها- حيث قال :
"أم يقولون افتراه، قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله" (13، 14- هود).
وهنا إظهار للعجز على نحو أكثر سفورا ،فهو لم يطالبهم بأن يأتوا بالقرآن بل فقط بعشر سور مثله.
ولم يأت الرد!!!
وإمعانا في إظهار إعجاز المتحدى ، جاءت آية أخرى بأقسى مما سبق :
"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" (23- البقرة).
ما دلالة هذا التحدي ؟
لكي ندرك دلالته جيدا. يجب أن نستحضر شيئا من تاريخ العرب ، وخاصة تاريخهم الثقافي ،فقد كانت القبائل تتبارى في سوق عكاظ بمعارضة القصائد ، وكانت تعقد محاكمات للتفاضل بين الشعراء . ولم يقل شاعر بأن قصيده لا يمكن أن يؤتى بمثله أو بأفضل منه.
لكن محمد الذي لم يسبق أن سجل التاريخ أنه كان لديه إلمام أو تجربة شعرية ، بل لم يسجل التاريخ أنه تبارى يوما في عكاظ أو غيرها بنص شعري ، هذا الرجل يأتي بنمط من القول جديد في سبكه وصياغته . ثم لا يتحدى بلغاء وشعراء قبيلته فقط ، ولا يذهب إلى مجلس معارضة شعرية ليبتز من حضر فيها فقط ،بل يعلن التحدي سافرا جامعا مانعا للجميع قائلا فأتوا بسورة من مثله.
من هنا ندرك أن هذا التحدي كان جارحا لكبرياء قريش ولكبرياء العرب.بل أسقطها في الحيرة من أمر هذا القول الفريد في أي جنس من أجناس القول ينبغي تصنيفه ، أجل إنهم عجزوا عن تصنيفه .
و لو سألنا أي عالم نفسي عن ردة فعل من كان في مثل مكانة قريش الشعرية و ألقى عليهم من لا باع له في الشعر أو غيرة هذا التحدي ماذا سوف تكون ردة فعلهم إزاء ذلك ؟
سيقول أنه بلا شك سيكون الحافز الرئيس عندهم هو الرد عليه و دحرة دحرا ..
و لكن قريش عجزت , بل وقد بين القرآن الكريم عجزهم بهذا التدريج السابق الذي أتينا به .
أجل إنهم عجزوا عن تصنيفه .
بل الأقتدار على الرد عليه. وهنا أورد الحادثة المشهورة للوليد مع الرد القرآني عليها
 فهذا الوليد بن المغيرة المخزومي أحد رؤساء قريش جاء عنه كما روى ابن جرير عن عكرمة : ( أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي  فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل ابن هشام ، فأتاه فقال : أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ، قال : لم ؟ قال : يعطونكه فإنك أتيت محمداً تعرض لما قبله ، قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالاً ، قال : فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك تنكره لما قال ، وأنك كاره له ، قال فماذا أقول فيه ؟ فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي نقول شيئاً من هذا ، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يعلى . قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أتفكر فيه ، فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثر عن غيره ) .
ويصور القرآن هذه الحيرة تصويرا غاية في البلاغة ، وكأنك تلمس حسا هذه الأختلاجات النفسية القلقة التي انتابت الوليد إزاء تصنيف القرأن ، ثم جحوده بعد علمه بكون آيات القرأن ما هي من قول شاعر ولا مجنون :
" ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ، سأرهقه صعودا ، إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر " .
وعود إلى التحدي . فأقول :
لقد تحقق في المعجزة إذن شرط التحدي و العجز عن الرد!!
وهكذا اجتمع في المعجزة القرآنية الشرط الثاني والثالث وهما التحدي والسلامة من المعارضة.

المصدر: خالد رشاد
makpoul

د/ خالد رشاد

  • Currently 215/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
71 تصويتات / 2251 مشاهدة
نشرت فى 12 ديسمبر 2009 بواسطة makpoul

ساحة النقاش

khaled mohamed rashad

makpoul
خالد محمد رشاد من ابناء العريش محافظة شمال سيناء حاصل عل درجة الدكتوراة فى علوم وتكنولوجيا الاغذية ورئيس مجلس ادارة جمعية طلائع التنمية المشاركة فى مشورع تنمية المشروعات الصغيرة بالتعون مع البنك الاسلامى للتنمية IDB كما يرأس مؤسسسة مقبول للتنمية و مدير معهد سيسكو لرواد الاعمال بالعريش »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,102