إنها المحبوبة وهكذا هي الدنيا .... سريعة الارتحال ومآلها للزوال ، حلالها يعقبه حساب وحرامها يعقبه عذاب. شباب يبلى وعمر يفنى وملك يزول و حبيب يُهجر . المغرور من غرته ، والمحروم من ألهته عن العمل حتى وافاه الأجل . قال الله تعالى (( وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )) هذه الدنيا ... قال صلى الله عليه وسلم مبيناً حقارتها : (( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع )) [ رواه مسلم ] فلاحظ إلى حجم الدنيا وقدرها في الآخرة إنها ليست بشيء . وقال صلى الله عليه وسلم : (( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافراً منها شربة ماء )) [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] 0 فإن وجدت الكافر والعاصي ومن لا يعرف الله حق المعرفة يتقلب في شيء من النعيم في هذه الدنيا فلا تعجب إنما أعطاه الله شيء لا يساوي جناح بعوضه ، ويقوم القيامة يكون وبالاً عليه . هذه الدنيا .... سعد والله من عد فيها العدة وتزود ليوم الرحيل ويوم الفزع الأكبر و العرض على الله ، يوم تطاير الصحف ونصب الميزان والعبور على الصراط ، وخسر وخاب من غرته وأخلد إليها وتجاذبته الشهوات وانكب على المعاصي والخطيئات ونسي أنها دار امتحان فخرج منها وقد باء بالخسران . قال الله تعالى (( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون )) . هذه الدنيا .... ما أسرع ما تنصرم أيامها فكأنها بأعوامها الطويلة ما هي إلا يوم مضى أو ساعة من نهار ، فتطوى السجلات على ما فيها من الحسنات وقبيح العمل والزلات . قال تعالى: (( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم )) وقال تعالى : (( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون )) فمسكين .. والله مسكين .. من غلبته أغنية واستهواه فيلم وقيدته قناة فاتنة ، وأطلق السمع و البصر وأجهد الفكر لهثاً ليرضي شهوته ويُسخط ربه ، فبئس من كان هذا فهمه وشقي من كان هذا همه ، ما كأنه خُلق للعبادة فعاش ومات ولم يدرك سر الحياة والغاية من وجوده . حتى إذا جاء ت اللحظة التي لا ينفع نفس إلا ما قدمت في حياتها اختلق الأعذار وتمنى على الله الأمنيات قال الله تعالى (( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) . وقال الله تعالى (( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ... )) وقال تعالى (( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّين . رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ 0 قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ . إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُون )) إنها الدنيا ... يا من تُمَتِعُ فيها جوارحك بالحرام ، عد العدة ليوم تشهد عليك هذه الجوارح بما كنت تعمل . قال تعالى (( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ... )) قال جبريل عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( يا محمد , عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ) . إنها الدنيا ... خاض فيها من خاض وغنِم فيها من غنِم وكل مرتهن بما بقدم . ولو أنا إذا متنا تُركنا ........... لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بُعثنا ............. ونُسأل بعدها عن كل شيء ثبت في الحديث الصحيح عن عثمان رضي الله عنه أنه كان إذا وقف على القبر بكى , وكان إذا ذُكرت له الجنة والنار لم يبكِ كبكائه للقبر , فقالوا له : تذكر الجنة والنار ولا تبكي ؟! قال : أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن القبر أول منزل من منازل الآخرة. والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، وإنما ذلك بحسب ما قدمته في دنياك من العمل . مر علي رضي الله عنه بالمقابر فقال بعد السلام والدعاء لهم : يا أهل القبور , أما الأزواج فقد نُكحت , وأما الديار فقد سُكنت , وأما الأموال فقد ُقسّمت , هذا خبر من عندنا , فما خبر من عندكم ؟ مالي أراكم لا تجيبون ؟ ثم التفت إلى أصحابه رضي الله عنه فقال : أما إنهم لو تكلموا لقالوا وجدنا أن خير الزاد التقوى .. فبكى رضي الله عنه وأبكى أصحابه. ربنا ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا ، فتب علينا واغفر لنا وارحمنا برحمة من عندك وتقبلنا في التائبين . (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ))
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 356 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2006 بواسطة makkawy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

89,083