جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
طبق فول خرجت من مبنى المؤسسة الدولية التى أعمل بها ، كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحاً ، الشوارع فى بعض الأماكن شبه خالية و مع ذلك هناك أماكن ساهرة لا تنام الليل ، و هذا ما يخص القاهرة وحدها ، ففى كل البلاد التى زرتها لا تجد الشوارع ساهرة عامرة مثل القاهرة ، فهى وحدها الساهرة ، الله كم أعشق تلك المدينة فى الليل ، و قد زرت بلاد عديدة مثل إنجلترا ، فرنسا ، بلجيكا و هولندا ، و الإمارات و السعودية ، نادراً ما تجد أحد يسير فى الشارع بعد منتصف الليل ، أما مدينتى فهى الساهرة الممتعة فى كل أوقاتها ، مثلها مثل معشوقتى الشتوية الأسكندرية . خرجت من المبنى المكيف بشدة و الذى كدت أتجمد فيه من البرودة ، لألتقط حرارة الجو الشديدة التى تكتم الأنفاس برغم وجود المبنى على كورنيش النيل فقد كانت الرطوبة عالية ، خرجت لأجد السياح العرب الفتيات الجميلات يركبن الحناطير تجرها الخيول يرتدين العباءات السوداء ، تلمع أعينهن الجميلة من الكحل الأسود الذى يزين أعينهن فيزيدها جمالاً فوق الجمال ، وسحر فوق السحر ، كل فتاة تسرح تتذكر محبوبها و ليالى العشق و الهوى فى بلادهم القريبة البعيدة ، خلفهم حنطور أخر به شباب يتراقصوا على أنغام أغنية شهيرة سمعتها فى رحلتى الشتوية الماضية فى الأقصر و أسوان ، و لسان حالهم يقول يا ليتها معى – يقصد حبيبته- و أظنه يتخيل نفسه و هو يرقص أنه يراقصها فى ليلة عرسهم ، كنت أسير مبتسماً سعيداً لكل السعادة المحيطة بى فى كل مكان ، يزيد سعادتى كم المعلومات الهائلة الذى تلقيتها اليوم فى المبنى الدولى ، و الذى تلقيته من أعلى نجوم المجتمع المصرى ، و بساطتهم الرائعة ، حتى إن أحدهم كان ينزل السلم مع مرافقه من المسؤلين فى مبنانا إتصل بالسائق ليحضر له و لما قال له إنه متأخر فى المشوار بسبب الطريق لم يثور ، بل قال فى هدوء مهذب شديد طيب يا عم فلان لما تخلص تعالى لى عند الحاجة ، الله على ذلك كله ، و خرج و أنا أرافقهم فى صمت أستمع للحديث الجميل . كل هذا زاد من إستمتاعى بليل القاهرة الساحر ، برغم سخونة الجو ، كنت أركن سيارتى فى شارع قصر النيل مما يعنى سيرى لمسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات ، كنت أتعمد ركن سيارتى هناك لسبيبين ،الأول عدم وجود أماكن فى جاردن سيتى و الثانى حتى أسير مسافة كنوع من الرياضة و ذلك لإن ظروف عملى الآن لا تسمح لى بممارسة رياضتى المفضلة و هى الإسكواش و الذى يحرك كل عضلات الجسد ، المهم فى الطريق نظرت إلى ميدان عبد المنعم رياض من ناحية الكورنيش و زادت إبتسامتى ، فلقد حدث لى تداعى أفكار ففى ذلك المكان منذ ما يقرب من عشر سنوات كان هناك حدث لطيف ، و سأقصه عليكم بالتفصيل و اترك لكم حرية إبداء الرأى فى القصة ، كنت مدير إنتاج لأحد البرامج الشهيرة فى إحدى القنوات الفضائية المتميزة ، و كان المذيع اللامع وقتها و النجم الفنان المحبوب لنا كلنا هو الفنان "كريم كجوك" ، و لمن لا يعرف فالفنان الشهير برغم إنتماءه إلى عائلة عريقة إلا إنه بسيط بشكل غير عادى يحبه كل الناس ، و قلبه طيب جداً ، و لذلك فقد لمع نجمه فهو يستحق و يستحق أكثر من هذا بكثير ، و كانت معنا مذيعة جميلة تشغل الآن احد المناصب الهامة فى إحدى الفضائيات العربية ، وهى من أطيب من عرفتهم فى حياتى ، و كان يصحبنا السائق "خميس" و هو كذلك شخصية طيبة و لكن يعيبه شئ واحد و هو عشقه للأكل و هو امر أختلف معه فيه تماماً ، و لإننا كنا نقوم بالبرنامج لحلقات امريكا فكنا ننصرف من الستديو قرب الفجر ، و لأن ظروف عملنا لا تسمح لنا بتناول الطعام طوال اليوم ، فكنا نذهب أثناء توجهنا لمصر الجديدة حيث سكنى و سكن صديقى "كريم" إلى أحد المطاعم لتناول الطعام فيوم بيتزا و يوم كنتاكى و يوم الأمور فى باب الشعرية و يوم المعلم زيزو القريب من الأمور ،كل هذا يرافقنا فيه خميس و ندعوه معنا فهو أخ لنا ، و فى يوم إضطررنا للمرور على "وسط البلد" لأستلم شريط من أحد الإستديوهات و ذلك لعرضه فى حلقة الغد من البرنامج ، و بعدما إستلمت الشريط ، فكرنا ماذا سنأكل فإقترحت الحسين لنأكل كباب و كفتة ثم نصلى الفجر ، و أيد "خميس" الفكرة بشدة حيث لمعت عيناه بشدة رغبة منه فى تناول الكباب ، و لكن "كريم" كان له رأي أخر و هو التوقف فى ميدان "عبد المنعم رياض" لنتناول "طبق فول" من العربية ، و هنا إبتسم "خميس" بشدة لأنه يعلم إنى لا اكل الفول و بالتأكيد لن اكله من على عربية الفول ، ليس تكبراً منى و لكن لأنى لا أحتمل أكل الفول ، و فعلاً توقفنا عند عربية الفول و كانت القناة وقتها مشفرة و لا يعرف "كريم" غير المشتركين ، و الحمدلله لم تكن المذيعة الجميلة معنا ذلك اليوم ، و إلا كان سيصبح الموقف صعب ، لأن الناس سيقفوا ليشاهدوا رائعة الجمال هذه ، و بدأ "كريم" و "خميس" فى دش البصل و انا لا احتمل رائحة البصل على الإطلاق ، و بدأوا الأكل و رأيت منظر الناس يأكلوا ، و مشهد العيش الساخن فقلت لنفسى "سى محمد هيا موتة و ألا أكترإنزل كل و خلاص الأكل شكله طعم" و فعلاً هذا ما فعلته و لكننى لم اقترب من البصل و كنت جعان جداً لأننى لم أتناول شئ منذ طعام الإفطار أى منذ ما يقرب من أربعة و عشرين ساعة ، و لأول مرة اكل فول من على العربية و وجدت طعمه رائع بل اكثر من رائع و شهى ، و فيما بعد عرفت إنه يتم تسويته فى درجة حرارة مرتفعة مما يجعل قشرته التى تؤذينى تتحلل و لا تؤذى ، و تمتعت بأكلة ممتعة حتى اصبحت مدمنها ، و كنت أطلب من خميس أن يتوجه بنا إلى ميدان "عبد المنعم رياض" بعد هذا لنتناول الفول مما جعله يقول ل"كريم" الله يسامحك إنت اللى علمت محمد خضر أكل الفول بقى مدمن فول من على العربية بعد ماكان بياكلنا بيتزا و فراخ ، و لكن "كريم" صلح الموضوع فيما بعد و جعلنى أكل شئ أخر لم اكن استطيع الإقتراب منه ، مما جعل "خميس" يسامحه ، و لكن تلك قصة اخرى ، كل هذا مر فى ذهبى عند عبورى قرب ميدان "عبد المنعم رياض" ، و قد قررت تناول "طبق فول" ، لأن ظروف عملى فى المؤسسة الدولية لا تعطينى وقت لتناول الطعام ، وفعلاً إقتربت من العربة و طلبت "طبق فول بالزيت الحلو" ، و بعد أن بدأت تناول الطبق إنصرف صاحب العربة ليتحدث مع صاحب عربة العصير المجاورة ، و كان هناك شاب صغير يقوم بتقطيع السلطة فطلبت منه أن يجهزلى طبق فى كيس أخذه معى و كان معه من تحادثه على الموبيل فأشرت له غنى مش مستعجل براحتك و لكنه صمم على أن يحضر و يجهزلى الكيس و هو يتحدث فى الموبيل ، و لما سألته عن الحساب قال لى خمسة جنيه و نص ، فتحت المحفظة لأجد إنه ليس معى اى فكة معى بضع مئات و ورقة من فئة المتين ، و اخرجت مائة جنيه فقال لى ما فيش مع حضرتك أقل منها قلتله لا ، فذهب يبحث عن فكة و عاد يقول لى لا توجد ، ففتشت فى جيوبى لأجد فى جيب الساعة بضع جنيهات معدن أحتفظ بهم فكة لأى حاجة ، و قلت له خد دول و خللى كيس الفول للمرة الجاية ، و هنا حضر صاحب العربة ، و سأل فقلت له عايز فكة يا ريت تفكلى قالى يا بيه مش مهم قلتله إزاى قال لى الحساب وصل لو مافيش فلوس خالص اللى دفعته كفاية يا بيه ، فقلت له كده يبقالك عندى جنيه ونص قالى و لا يهمك فقلت له سأمر عليك غداً إن شاء الله أعطيهم لك ، و إنصرفت و أنا متعجب من ذلك الذى اعلم تماماً إن الجنيه و النص يفرق معاه و تصرفه الطيب معى و بين أخرين ، سبحان الله ، و أنا أتوجه إلى سيارتى وجدت فتاة جميلة تجلس فى الميدان شعرها بنى فاتح بيضاء البشرة ترتدى نظارة عيناها جميلتان ، نظرت لها فبادلتنى النظرات و هممت بأن اتحدث معها ، لولا أن تذكرت عدم رغبتى فى الدخول فى اى مغامرة فى الوقت الحالى بجانب إن هذه الفتاة لا بد و خلفها قصة و موضوع فكيف تجلس مثلها فى ذلك الوقت فى ذلك المكان و كانت رغباتى تدفعنى لمعرفة قصتها دون الدخول فى مغامرة من اى نوع و لكننى كنت أعلم إن مجرد حديثى معى سيجرنى لشئ أبعد مما أتخيل كما حدث من قبل فى "مغامرة عابرة" ، و لذلك آثرت السلامة و توجهت لسيارتى لأعود إلى "مصر الجديدة" أخذ دش و استعد للنزول لصلاة الفجر فى المسجد. محمد أحمد خضر 0020123128543 [email protected]
|
|
المصدر: مراسينا
ساحة النقاش