كابوتشينو بالكراميل
جلست معها فى ذلك المقهى الشهير فى مصر الجديدة ،كانت عيناها تلمع بشكل غريب ،وفجأة أمسكت فنجان الكابوتشينو الساخن ،وألقته على وجهى و شعرى و ملابسى أمام صرخات من حولنا ،وأسرعت بالخروج ،خرجت خلفها سريعاً وأنا مندهش ومستاء ،مندهش من تصرفها و مستاء مما حدث لجسدى من إحتراق وجهى وتدمير ملابسى الثمينة ،التى لن أستطيع شراء مثلها مرة أخرى لأنها من أوروبا التى قررت عدم السفر لها منذ فترة .
وسألتها : ليه عملتى كده ؟
فنظرت لى فى سخرية شديدة قائلة لى :علشان تعرف تتسرمح مع النسوان زى ما أنت عايز .
- نسوان أيه .
- ههههههه ،آه فاكرنى نايمة على ودانى ،جالى يا حبيبى خبر الهانم أم شعر أحمر اللى كانت راكبة معاك عربيتك أمبارح شافتك صديقة عزيزة .
- آه ،طيب تسمحى نوصل الصيدلية أشترى مرهم حروق لوجهى وصدرى وأعمل تليفون قدامك على السبيكر علشان تسمعى كلام الطرف التانى أحسن أكون متفق معاه .
- على أيه الموضوع أصبح ما يهمنيش من أساسه وأنا علشان بنت أصول و عامله حساب للعيش و الملح حأجى معاك .
- حضرتك حتيجى معايا علشان بتحبينى زى ما أنا بحبك ده قبل كل شئ و لإبراء ذمتى .
ذهبنا للصيدلية و لا أستطيع وصف حظى التعس لأجد دكتورة جميلة جدا فى الصيدلية فتراجعت لأذهب لصيدلية أخرى فامسكتنى من ذراعى و قالتلى
- أيه تعرفها ديه كمان ؟
- يا شيخة حرام عليكى شايفانى دون جوان دو موركيو و ألا دون جيوفانى كازانوفا .
وبمجرد دخولى للصيدلية شهقت الطبيبة شهقة و قالت إيه اللى حصلك يا أستاذ قلتلها أبدا الكابوتشينو وقع على .
- وهو الكابوتشينو يوقع على الشعر ده أكيد ملاك رماه عليك .
و نظرت لها وهى تغمز وتضحك وأنا واقف فى نص هدومى والحلوة واقفة تبتسم أبتسامة الخارج من معركة منتصر و تهز فى رأسها كما لو كانت طالعة منتصرة من الحرب كلها ،وأنا واقف وسطهم زى الكتكوت المبلول اللى طالع من البحيرة بعدما كان حيغرق .
المهم طلبت الدكتورة أن اخلع ملابسى لتضع لى الكريم المضاد للحروق ولما رفضت قالتلى خلاص يبقى لازم أبلغ الإسعاف لأن كده خطر إنك تمشى كده و نظرت لها فقالت لى بمنتهى الهدوء و الرقة كما لو كان الملاك اللى وقع على الكابوتشينوهو من يتحدث :
- أقلع يا حبيى خللى الدكتوره تشوف شغلها و بعد ذهاب الطبيبة لأحضار الكريم لقيتها بتجز على أسنانها و بتقولى فى منتهى الهدوء أقلع يا حبيبى و أنا أقلعلك عينيك و نشوف أى كلب فى الشارع نأخد عينيه نحطهملك وفجأة أصبحت فى ورطة كبيرة فماذا أفعل .
عادت الطبيبة فقلت لها: أشكرك يا دكتوره جدا ولكننى أنتمى إلى إتجاه فكرى يرفض خلع الملابس أمام أى شخص رجل أو أنثى .
فقالت لى : لكن أنا دكتورة يا أستاذ .
قلتلها أياً كان أنا لا أخلع ملابسى أشكرك جدا لو تحبى تبلغى الإسعاف تحت أمرك لكنى برضوا مش حأخلع ملابسى .
- طالما ده إتجاه حضرتك الفكرى خلاص .
- وإذا بها تقولى ما تخلع يا حبيبى هدومك و خلاص قلتلها طب وعيونى
- فقالت الدكتورة مالها عيونك يا أستاذو أمسكت وجهى تنظر فى عينى فقرصتنى الجميلة فلى دراعى قرصة صرخت بشدة على أثرها فإنتفضت الدكتورة و كانت جميلتى ترقص لى حواجبها كما لو كانت لم تفعل شئ .
- و قالت لى الدكتورة : مالك يا أستاذ فيه حاجة وجعاك .
- قلتلها أنا لازم امشى .
- طيب و عيونك .
- أنا كان قصدى عيون الناس . وأنا أنظر لصديقتى و لسان حالى يقول آه عايزة تقلع عيونى ،وبالصدفة فى الخارج كان يمر كلب هزيل .
خرجنا من الصيدلية إلى سيارتى ،وأنا لا أكاد أشعر بوجهى كان يلسعنى بشدة ،بمجرد دخولى سيارتى أخرجت الزجاجة المثلجة من مكانها بجوار مفتاح حزام الأمان ووضعتها على وجهى ،رأيتها تنظر لى كما لو كانت نادمة على ما فعلته ،كانت نظراتها تدل على ذلك ،هى تعلم تماماً إنها مهما فعلت معى لن أفعل معها أى شئ ربما أتركها و لكننى لن أستطيع أن أؤذيها ، أمسكت الهاتف المحمول و فتحت السبكير ، سمعنا صوت نسائى ناعم يرد قلت لذلك الصوت أمانى إزيك قالتلى إزيك بيبى قلتلها صفوت موجود قالتلى بيريح شوية قلتلها طيب أنا جاي لكم دلوقت ، و يا ريت تقولى للهانم مامتك تكون معاكم .
أغلقت التليفون و اشعلت محرك السيارة ليعمل الراديو على محطة الموسيقى الأوروبية ، تحركنا من الكوربة إلى منطقة العروبة كانت المسافة بسيطة و لكننى لا أستطيع السير بحالتى تلك ، كانت بشرتى تؤلمنى بشدة من اثر ما قذف علىّ ،وكانت كرامتى تؤلمنى أكثر ،كنا قد إتفقنا على الزواج ،وقد حاول الكثيرون تدمير العلاقة بيننا ،ولكننى وقفت بقوة و صلابة والآن هى من تحطمها ،كنت أعشق كل جزء فيها و هى تبادلنى عشقى بعشق أكثر ،و لكننى لم أعد أحتمل شكها القاتل ،كانت تشك فى كل تصرف أفعله تمنعنى من هذا وذاك ممنوع أتحرك إلا وهى معى ،تفتش فى موبيلى ،و إذا وجدت نمرة غريبة تصنع الأعاجيب .
وصلنا بيت صفوت صديقى و أمانى زوجته ، حضر بعدما فتحت أمانى لنا و هو يلتف بالروب دى شامبر الشيك .
و بعد التحية قال لى :خير ،أمانى قالتلى إنك عايزنا وعايز مامتها تيجى ونقعد كلنا مع بعض فيه إيه حصل مامتها مش حتقدر تيجى علشان مسافرة باريس .
- طيب تيجى بالسلامة ، صفوت أنا عايز أسئلك أخر مرة كنت عندكم كانت إمتى؟
- أول إمبارح . قالها و هو متعجب من سؤالى .
- كان مين معايا ؟
- فيه إيه مش تفهمنى ؟!!!
- أبداً ، ما فيش حاجة جاوبنى و خلاص بعد إذنك بدون أسئلة .
- كانت حماتى !!!!!!!!!
- كنا بنعمل إيه هنا ؟
- كنتم بتصالحونى مع أمانى .
- ممكن تفكرنى بشكل حماتك ؟
- هههههههه ، واحدة ست ، يمكن حلوة شوية ، بس بنتها أحلى ، ونظر لأمانى و غمز لها .
و كنت فى غاية السعادة إن الإمور رجعت لمجاريها بينهم بعد أن كادوا ينفصلوا لموضوع بسيط ، برغم إنى إضطررت للسهر معهم ليلة كاملة و توصيل حماته لجاردن سيتى و أنا خلصان لدرجة إنى ركنت العربية فى صلاح سالم ونمت فيها خمس دقايق لحد لما فوقت .
قلت لصفوت : فيه عندك صورة لحماتك .
- عندى .
- طيب ممكن صورة تكون كبيرة شوية .
- حاضر .
و ذهب لإحضار الصورة .
وقفت أمانى وأظنها فهمت ما خلف السطور و قالت لى : على فكرة ماما بتقول عليك شخص محترم ، برغم إنها متعودة الرجالة تبص على جسمها علشان المينى جيب اللى بتلبسه لأنها كانت عايشة فى أمريكا طول عمرها ،لكنك لم تنظر لها بالعكس لما تفتح الباب علشان تركبها تبص على وشها علشان لا تجرحها ،و إنت بتنزلها نفس الشئ ، قالت عنك شخص محترم رجل بمعنى الكلمة ،شهادة ماما بتساوى كتير .
- بالنسبة لى شهادة مامتك تساوى أكتر مما يتخيل أى حد .
و نظرت لى و هى مندهشة بعدما أخذت بالها من إحمرار وجهى الشديد و بهدلة ملابسى ،كانوا معتادين على إحمرار وجهى حين يزيد الضغط عندى ،أما بهدلة الملابس فهو أمر لم يعتاده أحد على أبداً .
فقالت لى أمانى متعجبة :
- إنت إيه اللى مبهدل هدومك كده ؟
- أبداً ، الكابوتشينو إتدلق عليا .
و أنقذنى من باقى الأسئلة حضور صفوت و معه صورة حماته .
مددت يدى لها بالصورة مبتسماً حتى أخفى ما بداخلى من مشاعر تدفعنى للبكاء من بهدلتى على يد حبيبتى قائلاً لها :
- والدة أمانى ذات الشعر الأحمر .
نظرت لى و قد إمتلأت عيناها بدموع الخجل الشديد و الرغبة فى الإعتذار ،إستجمعت نفسى وودعت أصدقائى برغم تمسكهم بأن نجلس للعشاء ،لكننى إعتذرت لإرتباطى بموعد بعد قليل وعلى أن أذهب لتغيير ملابسى .
نزلنا للسيارة أوصلتها إلى منزلها دون أى كلمة ،و عند البيت حاولت أن تعتذر ،قلت لها حبيبى أنا عارف إنك بتحبينى لكن الغيرة حتدمرنا ،و حضرتك شديدة العصبية ،و قلتلك إنى لن أحتمل ،المرة دى رمتينى بالكابوتشينو المرة الجاية حتعملى في إيه ؟
و رمتيلى موبيلى من العربية و أنا على الهاى واى علشان لقيتى زميلة بتتصل بي ،و ممنوع ابص لوحدى و هي بتكلمنى ،معلش حبيبى أنا فعلاً ممكن أكون بأحبك و إنتى كمان لكن مش حننفع بعض و كل مرة تتأسفى و أنا غلطانة و أوعى تسيبنى ،المرة دي أنا أسف أعتذر لحضرتك الحاجات اللى جبتهالك هدية منى ليكى ،و بكرة بعد الشغل حأجى لباباكى و مامتك أعتذرهم عن إننا مش حنتخطب و معلش يا بيبى ربنا يوفقك مع حد تانى ،نزلت و فتحت لها باب السيارة و أمسكت يدها صافحتها و قلتلها لو سمحتى إطلعى أشوفك مع مامتك فى البلكونة للحفاظ على ماء الوجه أمام جيرانك ،و بعد كده ممكن تقولى أى حاجة نظرت لى و دموعها تملأ عيناها ،كانت دموع حزن تلك المرة حاولت أن تتكلم ،وضعت أصابع كفى على شفتيها و أنا مبتسم فلكم تناولت شفتاى رحيق شفتيها ،و كنت اتمنى ذلك اليوم ،ولكنها دمرت كل شئ ،كانت ترتجف ممكا تسببت فيه ،ولجت من باب البناية و فى دقيقة كانت بجوار إمها فى الفراندة تشير لى و أنا مبتسم و بجوارها أمها أشرت لهم ثم عدت للسيارة منطلقاً بها للمنزل لأغير لأذهب لموعد العمل ،كان قلبى يتمزق ،ولكن حروق وجهى وصدرى كانت اشد ألماً ،و لم نتقابل بعد ذلك سوى عند ذهابى لبيتها بعدى عشرة أيام لأعتذر لأهلها دون إحراجها .
محمد أحمد خضر 0020123128543
[email protected]
[email protected]
نشرت فى 17 أغسطس 2010
بواسطة makarther
عدد زيارات الموقع
7,600
ساحة النقاش