الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

 

يدخل في المنهج الأدبي: التفسير اللغوي والبلاغي والبياني، وقد ينظر في هذه الدراسات، بما هي صنعة لغوية أو بلاغية أو نحوية، على أنها عمل مقصود لذاته، كما كان الحال قديماً في بعض التفاسير، كتفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي في المنهج الأدبي مع ما يمكن أن يغفل جوانب القرآن المتعددة من أسرار الاعجاز في معانيه وتشريعاته وأحكامه ومبادئه للحياة الإنسانية الفاضلة ويتخذ من النص القرآني مادة للدراسة الأدبية كالنص الشعري أو النثري. كما أن هناك تفسيرا ولون آخر من التفسير الأدبي يُعد أحدث وأرقى وهو بيان التناسق الفني وهي المحاولة الى فهم الصورة الفنية في القرآن وإبراز الصور الجمالية. وهذا النوع من أحدث تفسير صدر في العالم الإسلامي ويدعى من هذا اللون كُتب سيد قطب: (في ظلال القرآن) و (التصوير الفني في القرآن) و (مشاهد القيامة في القرآن) (الخولى، 2004: 133).

ويعتمد التفسير الأدبي الاجتماعي على عدد من المبادئ منها:

أولاً: القرآن جميعا وحدة لائقة من كل آياته، نجد في هذا تفسير الآية مع الآية الأخرى لا منفصلة من حيث تفسيرها.  فمثلا تفسير الآية من سورة الفجر {وَالْفَجْرِ.  وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: ١-٢)، يرى محمد عبده (۱۳٤۱: ٧٧) في تفسيره الفجر عموما وهو لكل وقت الفجر معروفا ومشهودا وآت مدركا، وأما ليال عشر هي تطرد على الظلام بضوء القمر ولكن لا تستطيع أن يغلبه فتكون مظلما، فالفجر وليال عشر لائقتين في المعني تطريدا على الظلام، الفجر يطردها فغلب عليها وليال عشر تطرده فغُلب له.

ثانياً: القرآن عموما وليس لوضع خاصة، وبالعبارة الأخرى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مالم ترد القرينة التي تدل بخصوصه، وهذه قاعدة عظيمة تدل على صفة القرآن العالمي صالح لكل الزمان والمكان.  فمثلا من ذلك تفسير سورة الليل: {لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ اْلأَشْقَى.  الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى.  وَسَيُجَنَّبُهَا اْلأَتْقَى} (الليل: ١٥-۱٧)؛ حيث يرى محمد عبده (۱۳٤۱: 104) أن اْلأَشْقَى من هو أشد شقاء من غيره واْلأَتْقَى أشد الناس تقوى هو الذي لا يدخل هذه النار بالمرة ولا يمسه لهبها، فالأَشْقَى ليس أمية بن خلف فقط وأن اْلأَتْقَى ليس بأبي بكر فقط كما يدل أسباب النزول في الآية ومن ناحية الأخرى قد تكون هذه القاعدة استعمالها بالحرية ولو وردت القرينة بخصوص السبب Rachmat Syafe’i, 2006: 253))

ثالثاً: القرآن مصدر الأول للعقيدة و الشريعة، وبالعبارة الأخرى لا يجعل هذا التفسير الآراء من المفسرين السابقين مصدرا من اختلافهم و مذاهبهم للتفسير ولكن القرآن أصلا لكل الآراء و المذاهب. فمثلا من ذلك حكم التيمم في سورة النساء: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا…" (النساء: 43" قال المراغى(2005ج ٥:٤۹( : ”إن حكم المريض والمسافر إذا أرادا الصلاة كحكم المحدث حدثا أصغر أو ملامس النساء ولم يجد الماء فعلى كل هؤلاء التيمم فقط قاله الإمام محمد عبده(1341: 106)، لكن المعروف في المذاهب الأربعة أن شرط التيمم في السفر فقد الماء فلا يجوز مع وجوده وهذا بخلاف ظاهر الآية”.  إذن هذا تفسير الآية يخالف به جماعة المفسرين المتقدمين وينظر الى ظاهر النص ولا الآراء مذاهب المختلفة ولا لترجيح أقوى منهم الضعيف.

رابعاً: حذر موقف هذا التفسير على روايات تفاسير بالمأثور ورد منه الإسرائيليات.  فمثلا تفسير سورة الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ((الكوثر: ١) يري عليها محمد عبده (1431: ١٦٥-١٦٧) الخير بمعنى النبوة والرسالة أرجح من نهر في الجنة. أما رد الإسرائيليات فمثلا تفسير سورة البقرة من قول محمد عبده: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.} (البقرة: ٢٤٦) “يظن كثير من الناس الآن -كما ظن كثير ممن قبلهم-أن القصص التي جاءت في القرآن يجب أن تتفق مع ما جاء في كتب بني إسرائيل المعروفة عند النصارى بالعهد العتيق أو كتب التاريخ القديمة، وليس القرآن تاريخا ولا قصصا وإنما هو هداية وموعظة، فلا يذكر قصة لبيان تاريخ حدوثها، ولا لأجل التفكه بها أو الإحاطة بتفصيلها، وإنما يذكر ما يذكره لأجل العبرة”.

خامساً: اعتمد هذا التفسير على العق:  فمثلا من ذلك انكاره الى حقيقة السحر كما ذهب إليه المعتزلة، نجد في تفسير سورة الفلق {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ} يقول محمد عبده(1431): “المراد بهم هنا هم النمامون، المقطِّعون لروابط الأُلفة، المُحرقون لها بما يلقوا عليها من ضرام نمائمهم، وإنما جاءت العبارة كما في الآية، لأن الله جَلَّ شأنه أراد أن يشبههم بأولئك السحرة المشعوذين، الذين إذا أرادوا أن يحلوا عقدة المحبة بين المرء وزوجه – مثلاً – فيما يُوهمون به العامة، عقدوا عقدة ثم نفثوا فيها وحَلُّوها، ليكون ذلك حلاً للعقد التي بين الزوجين.  والنميمة تشبه أن تكون ضرباً من السحر، لأنها تحوِّل ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة، بوسيلة خفية كاذبة، والنميمة تُضَلِّل وجدان الصديقين، كما يضلل الليل مَن يسير فيه بظلمته، ولهذا ذكرها عقب ذكر الغاسق، وأيضا يحث على اختراع العلمي، فمثلا تفسير سورة النبأ الآية ١۹{وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً} يقول محمد عبده: وقد يكون معنى تفتح السماء ما عني بقوله إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ، ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، أي أنه يقع اضطراب في نظام الكواكب، فيذهب التماسك بينها، ولا يكون فيما يسمى سماء إلا مسالك وأبواب، لا يلتقى فيها شيء بشيء، وذلك هو خراب العالم العلوي كما يخرب الكون السفلى. وكذلك ذكر مصطفى المراغي في تفسيره كما الرأي شيخه على سواء.

سادساً: يبين هذا تفسير الآيات لمعالجة المسائل الاجتماعية، فمثلا من ذلك مسألة الربا في تفسير المنار والمراغي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً…} (آل عمران: ١٣٠): “الربا نوعان: جلي وخفي.  فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي … وإن المحرمات في الإسلام قسمان: الأول ما هو محرم لذاته لما فيه من الضرر وهو لا يباح إلا لضرورة، ومنه ربا النسيئة المتفق على تحريمه، وهو مما لا تظهر الضرورة إلى أكله، أي إلى أن يقرض الإنسان غيره فيأكل ماله أضعافا مضاعفة، كما تظهر في أكل الميتة وشرب الخمر أحيانا.  والثاني ما هو محرم لغيره كربا الفضل المحرم لئلا يكون ذريعة وسببا لربا النسيئة وهو يباح للضرورة بل وللحاجة)( رضا، 1990، ج ٤/ ١٠٣).

  وأما عن حكم تعدد الزوجات في سورة النساء: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ…} (النساء: ٣) يقول محمد عبده (1431هـ: ج ٤/ص ٢٨٦-٢٨٧): “كان للتعدد في صدر الإسلام فوائد أهمها صلة النسب، والصهر الذي تقوى به العصبية، ولم يكن له من الضرر مثل ما له الآن; لأن الدين كان متمكنا في نفوس النساء، والرجال، وكان أذى الضرة لا يتجاوز ضرتها. أما اليوم فإن الضرر ينتقل من كل ضرة إلى ولدها إلى والده إلى سائر أقاربه، فهي تغري بينهم العداوة … ولو شئت تفصيل الرزايا والمصائب المتولدة من تعدد الزوجات لأتيت بما تقشعر منه جلود المؤمنين … فإذا ترتب على شيء مفسدة في زمن لم تكن تلحقه فيما قبله فشك في وجوب تغير الحكم، وتطبيقه على الحال الحاضرة: يعني على قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وبهذا يعلم أن تعدد الزوجات محرم قطعا عند الخوف من عدم العدل.  

 ومما سبق يتضح أن التفسير الأدبي للقرآن هو اللون تفسير الجديد في العصر الحديث تجعل من الواقع موضوعا لتطبيق عليه فهم الآية.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2022 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,588,841