الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

تعليم القراءة

يعد فن القراءة من الفنون اللغوية التى لها أهميتها الكبرى للفرد ؛ فهى إحدى النوافذ الأساسية التى يطل منها الإنسان على المعرفة والثقافة فى العالم , وعن طريقها يتصل الفرد بتراثه , كما تساعده فى بناء شخصيته  وصقلها عن طريق ما تكسبه من خبرات وما تمده به من معارف , ومن ثم يكتسب سموا فى تفكيره ,وعمقا فى معارفه وتقديرا لذاته.   

والقراءة كذلك تمد الفرد بالمعلومات الضرورية التى تساعده فى حل كثير من المشكلات التى تواجهه , وتدفعه إلى التأمل  والتفكير وتستثير فيه روح المبادأة  والابتكار والنقد .

والقراءة ضرورية للمجتمع بقدر ضرورتها للفرد ,فالمجتمع الذى يقرأ ويتبادل أفراده الأفكار والآراء عن طريق القراءة هو مجتمع قوى قادر على الحياة والنمو لأن الصلة الفكرية بين أفراده قوية . أما المجتمع الذى لا توجد أية روابط فكرية بين أفراده فيصيبه الضعف  والانهيار.

وإذا كانت القراءة لها أهميتها فى حياة الأفراد والمجتمعات بصفة عامة  فإنها تمثل للتلاميذ  وللمتعلمين  أهمية بالغة بصفة خاصة ؛ حيث يلجأ الأفراد إليها للتعلم والتفكير والإبداع .

وليست هناك مهارة يتعلمها الأطفال أكثر أهمية من القراءة ، فهى البوابة الرئيسة لكل المعارف ، وإذا لم يتعلم الأطفال القراءة تعلما جيدا ؛ فإن طريقهم مسدود إلى كل مادة دراسية تقدم لهم فى سنوات الدراسة .

1-تطور مفهوم القراءة:

   تقعُ القراءة فى قلبِ كل عمل نقوم به، لأنها أساس كل تقدم بشرى فى الماضى والحاضر، وترتبط ارتباطا مباشرا بالكتابة والكتب والمكتبات ، أى أن القراءة هى الوجه الآخر للتواصل الكتابى، وقد اتضح هذا جليا فى جمع القرآن بين القراءة، والقلم، والتعلم والتعليم، فقال عز من قائل: ] اقرَأ بٍاسمـ ٍ رَبٍكَ الَّذٍى خَلَقَ]1 [خَلَقَ الإِنَسـاـنَ  مِن عَلَقٍٍٍ َ]2 [اقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمَُ]3[ الَّذِى عَلَّمـ َ بِالقَلَمِـ]4 [ِ عَلَّمـ َ الإِنَسـَاـنَ مَا لَمـ  َيعلَمـ ]5 [ِ. (سورة العلق : الآيات من 1 إلى5)

 ولقد ظل مفهوم القراءة راسخًا لسنوات عديدة يتمثـل فى أنها: "عملية آلية أو ميكانيكية تتضمن النظر إلى الحروف ، والكلمات ونطقها". وفى ظـل التطـورات العالميـة ، وجهـود التربويين وعلماء النفس ، وعلماء اللغة، والاهتمام بعمليات القراءة ، وما يجـرى داخـل المتعلم، أو القارئ من عمليات داخلية فى مخِ الإنسان فى أثناء القراءة , وفى ضوءِ ذلك تطور مفهوم القراءة , وأصبحت القراءةُ عملية عقليـة تشمـل تفسـير الرمـوز التى يتلقاهـا القارئ عـن طريق عينيه ,وتتطلب هذه العملية فهم المعانى ، والربــط بين الخـبرة الشخصيـة وهـذه المعانى,وهى بهذا تتطلب عمليات نفسـية وعقلية على درجة عالية من التعقيدِ. "  كما أنها عملية ذهنية تأملية تستند إلى عمليات عقلية عليا ونشاط يحتوى كل أنماط التفكير  والتقـويم ، والتحليل ، والتعليل ، وحــل المشكلات , وليس مجرد نشـاط بصرى ينتـهى بتعرف الرموز المطبوعة فحسب ، وبذا يصبح مفهوم القراءة أنها: " عملية بنائية نشطة، يقوم فيها القارئ بدور معالج إيجابى نشط للمعرفة ,وليس مجــرد مستقبل سلبى. وتتضمن مستويات تفكير عليا .

ومع تطور مفهوم القراءة ، وانطلاقه من مجرد أنه : "عملية بسيطة تنحصر فى تـعّرف الحروف ، والكلمات ، والنطق بها"، إلى الاهتمام بعمليات أخرى مثل الفهم والربط والاستنتاج ، وبذلك أصبح المفهوم عنصراً ثانياً من عناصر القراءة نال قدراً كبيراً من البحث والدراسة.

  واجتماع عنصر التعرف على الكلمة وعنصر الفهم أدى إلى ظهور عنصر ثالث لـه شأنه الواضح فى ميدان القراءة ، هذا العنصر هو النقد ، ويرى الباحثون أن هذا التصور نتيجة طبيعية ساعدت الناس على اختيار ما يـلائم عقولـهم ، وما تتطلبـه اهتماماتهم من مطبوعات، يتمكنون من نقده وإبداء الرأى فيه. واستمر مفهوم القراءة فى التطـور حتى أصبحـت تعـرف اليوم بأنها نشاط فكرى، وأسلوب لحل المشكلات ، يلجأ إليها الفرد كلما واجهته مشكلـة؛ فيقوم بجمع الاستجابات التى تتطلبها حل هذه المشكلة من عمل وانفعال وتفكير(القراءة الابتكارية). وهكذا نرى أنَّ القراءةَ: " مجموعة من العمليات المعقدة ، تتضمن العديد من المهارات المرتبطة التى يصعب الاكتفاء ببعضها ، أو الفصل بينهم ". وبهذا فإنهـا يجـب أن تُنمى بشكل متكامل؛ حيث ويؤكد ( وليم جراى ) أن النمو القرائى المطلوب لا يترتب علـى القارئ للأفكار المطلوبة ، بل يترتب على استجابة القارئ لما يقـرأ ، ولا يحدث هـذا إلا إذا اكتسب عادة التفاعل الفكرى مع المادة ، المقرؤة، ومن هنا وجب التدريب على مهارات القراءة فى ضوء هذا المفهوم إذا أريد تطوير جيل من الناقدين .

أما المعلمون الذين يشعرون بأن مسئوليتهم تقف عند حدِّ تعليم طلابهم أن يربطوا بين الكلمـة وأصـواتها الصحيحة ، فإنهم يقدمون تعليمًا ناقصًا للقراءة يجعـل الأطفال يـرددون مـا يقرءون ولكنـهم لا يفهمون سوى القليل ، وبهذا فإن الأهم بالنسبة لإنسان اليوم أن يستوعب محتوى المادة المقروءة، ويستفيد منها بطريقة سريعة وتامة لا أن يعرف القراءة فحسب.

وفى ضوء هذا التطور لمفهوم القراءة يتضح مايلى:

* أن القراءةَ عمليةٌ بنائية نشطة هدفية التوجيه .

* أن القراءةَ تعتمدُ على نشاط القارئ ، وربطـه للمـعرفة الجـديدة بالسابقـة ، ودمجها فـى بنيته المعرفيـة, ثم تعتـمد علـى النـص ، ومـدى وضوحه ، وتنظيمه  وارتباطـه ببنى القارئ المعرفية ,كما تعتمـد على المعـلم وطريقته فى توجيه هـذه ، العمليات وتوفـير الفـرص لمساعدة القارئ على تكوين المعنى .                                                                                

* ينبغى الاهتمام باستراتيجيـات الأسـئلة قبـل القـراءة ,وأثناءها , وبعدها وحل المشكلات والتعليم التعاونى .                                                                                                                                   

* يجب الاهتمام بالقراءة النـاقدة ، والإبـداعية، ومهــارات الدراسة كأسلوب للتعلم الذاتى والمستمر , بالإضافة إلى الاهتمام بالفهم القرائى ومهارات التعرف.

* ضرورة الاهتمام بجميع أنـواع القـراءة ومهـاراتها، والتكامل بينها وبين قراءة الأدب والكتابة، وباقى الفنون .

* أهمية العناية بالفئات الخاصة من الفائقين والضعاف قرائيا.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 192 مشاهدة
نشرت فى 1 نوفمبر 2020 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,579,259