الزواج من السنن التي سنها الله سبحانه وتعالي للبشر وهو من الامور المحمودة التي يترتب عليها تكوين أسرة وإنجاب أطفال ويشترط في من يُقدم عليه تمتعه بالعقل والقدرة علي الإنفاق، وقد يكون الأمر عاديا عند الحديث عن زواج الأفراد العاديين إلا أن الأمر يختلف تماما عند الحديث عن زواج الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة حيث يُعد موضوع زواجهم من القضايا الشائكة التي لا تزال موضعا للخلاف بين العلماء والباحثين وبعض افراد المجتمع، ويرجع الاختلاف والتباين في آراء ووجهات النظر بشأن هذه القضية إلي تعدد أبعادها وتأثرها بالعديد من العوامل والمتغيرات الأخرى.
ومن العوامل والمتغيرات التي لا يمكن إغفالها عند الحديث عن زواج الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تجعل موضوع زواجهم إشكالية ما يلي:
- الكيفية التي يمارس بها الشخص المعاق حياته الزوجية ومسؤولياته وواجباته تجاه الشريك الآخر والأولاد.
- إنجاب الأطفال وتربيتهم وما يرتبط بذلك من أمراض يمكن أن تنتقل عن طريق الوراثة.
- أفضلية زواج الفرد المعوق من أخري لا تعاني من أي إعاقة ام يتزوج من أخري تعاني من نفس الإعاقة وبالعكس.
- التوافق الزواجي بين الشريكين ومدي استمرارية الزواج والقدرة علي التغلب علي المشكلات التي تواجههم في حياتهم.
ولكي تتضح الصورة جلية ينبغي أن نلقي الضوء علي بعض الأمور المتعلقة بزواج هؤلاء الأفراد والتي تجعلنا نتعامل مع كل فئة في ضوء خصائصها واحتياجاتها بمعزل عن الفئات الأخرى ومن هذه الاعتبارات ما يلي.
- تتعدد فئات ذوي الاحتياجات الخاصة حيث توجد العديد من الفئات التي يشملها هذا المصطلح، فهناك المعوقين عقليا والمعوقين بصريا والمعوقين سمعيا والمعوقين حركيا والتوحديين...الخ، ومما لا شك فيه أن لكل فئة من هذه الفئات خصائصها المختلفة العقلية واللغوية والنفسية والانفعالية والتي تفرض علي الفرد الذي يعاني منها قيودا مختلفة تؤثر علي حياته بأكملها وعلي قدرته علي إدارة حياته وعلي إمكانية زواجه، كما ينبغي أن نضع في الاعتبار درجة الإعاقة التي يعاني منها الفرد المعوق فهناك معاقين بدرجة بسيطة ومعاقين بدرجة متوسطة ومعاقين بدرجة شديدة ولكل درجة من هذه الدرجات خصائص مختلفة عن الأخرى، وتُعد درجة الإعاقة البسيطة هي أكثر درجات الإعاقات انتشارا.
- الأديان السماوية التي تؤكد علي حق هؤلاء الأفراد في تكوين أسرة وإنجاب الأطفال فالمعاق في الشريعة الإسلامية له حقوق وواجبات ولا تزيد واجباته عن قدراته طبقا لقول الله سبحانه وتعالي "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت"، ولا تمنع ظروف الإعاقة طبقا للدين الإسلامي الفرد المعاق من الزواج، حتي المعاق عقليا بدرجة بسيطة فقد أباح مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية في فتواهما زواج المعاق ذهنيا, قياسا علي إتاحة الشريعة الإسلامية الزواج للمجنون لما فيه من خير للمجتمع الذي يضم معاقا, يشعر بالعاطفة مثل باقي أفراده.
- التأثيرات الإيجابية للزواج علي النواحي النفسية والاجتماعية للأفراد المعاقين، حيث قد يكون لزواج هؤلاء الأفراد تأثيرا ايجابيا علي حالتهم النفسية والاجتماعية وتقليل حدة الضغوط النفسية التي قد يعانون منها وتحسين مستوي الإعالة لهم.
- الرغبات الجنسية لدي هؤلاء الأفراد، حيث يكون لدي هؤلاء الأفراد رغبات ودوافع جنسية مثلهم مثل العاديين، وقد تكون رغباتهم الجنسية مفرطة في بعض الاحيان نتيجة لاختلال الهرمونات، مما يجعلهم في بعض الحالات يمارسون سلوكيات غير مقبولة، لذلك يعد الزواج بشروط طريقة لحماية هؤلاء الأفراد.
- ثقافة المجتمع ونظرته نحو ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تلعب دورا كبيرا في زواج هؤلاء الأفراد، حيث أكدت نتائج أحدي الدراسات الحديثة التي أجريت علي عينة من المجتمع المصري من أجل معرفة اتجاهاتهم نحو زواج المعوقين عقليا، رفض 52% من عينة الدراسة لزواج الأفراد المعوقين عقليا بحجة عدم أهليتهم وعدم تمتعهم بالقدرة العقلية وعدم قدرتهم علي تحمل أعباء الزواج ومتطلباته وعدم القدرة علي تربية الأطفال. علي حين وافق علي الزواج 48% ولكن بعد تحقق مجموعة من الشروط منها ألا يتزوج معاق بمعاقة وألا ينتج عن الزواج أولاد.
ويتوقف نجاح زواج هؤلاء الأفراد علي مجموعة من الأمور منها:
-الإرشاد الجيني: وهو يتعلق بفحص الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة جينيا، والتنبؤ بمدي انتقال الإعاقة إلي الابناء، وخاصة ان الوراثة تعد عاملا اساسيا في معظم حالات الاعاقات المختلفة. حيث نجد أن بعض الاسر يعاني أفرادها من نفس الإعاقات.
- الإرشاد الزواجي: وهو يساعد الفرد علي اختيار شريك حياته، وفهم كل طرف للطرف الآخر وفهم رغباته واحتياجاته، ومساعدة الشريكين علي التغلب علي المشكلات التي تواجههم في حياتهم الزوجية.
- الدمج: وهو يعد عاملا كبيرا في نجاح الزواج وخاصة عندما يتم في وقت مبكر حيث يساعد الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة علي تقبل العاديين، كما يساعد العاديين علي تغيير اتجاهاتهم نحو ذوي الاحتياجات الخاصة مما يشعرهم بأنهم جزء من المجتمع ولا فرق بينهم وبين العاديين، ويساعد هذا في زواج الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة وخاصة عندما يتزوج فرد معوق من أخري عادية أو العكس.
- تغيير ثقافة المجتمع نحو ذوي الاحتياجات الخاصة حيث أوضحت نتائج العديد من الدراسات سلبية الاتجاهات نحو ذوي الاحتياجات الخاصة، ويمكن تغيير هذه الاتجاهات من خلال المناهج الدراسية التي يدرسها الأطفال العاديين وبرامج الإذاعة والتليفزيون التي تتجاهل هذه الفئة او تركز علي خصائصهم السلبية فقط وتتغافل جوانب تفوقهم وقدراتهم الخاصة.
-التربية الجنسية: التي يتعلم الفرد من خلالها كيفية التعامل مع رغباته ودوافعه الجنسية واشباعها بطريقة سليمة ومشروعة.
-استخدام وسائل التكنولوجيا المختلفة والتي تقدمت بشكل كبير واصبحت بديلا عن العضو المفقود أو الذي يعاني الفرد من قصور فيه، فهناك اجهزه فائقة التقدم تساعد المكفوفين علي الحركة، واخري تساعد الصم، وهناك من الأجهزة والتطبيقات التي تساعد التوحديين علي التواصل.
- البرامج التعليمية لهؤلاء الأفراد والتي ينبغي أن تركز علي إعدادهم للزواج وإكسابهم المهارات المختلفة اللازمة لتكوين أسرة ورعاية الأطفال.
ولا يزال المجتمع المصري في حاجة إلي مجموعة من القوانين والتشريعات والإجراءات التي تضمن حقوق هؤلاء الأفراد وتتيح لهم حياة كريمة يتمتعون فيها بكل ما وهبهم الله من قدرات وامكانات .
دكتور/ محمود طنطاوي
قسم التربية الخاصة – كلية التربية جامعة عين شمس