الجزء الأول
.................................................. .................................................. ............................
مع كل ما نراه أو نسمعه أو نقرأ عنه، لم أعد واثقاً أن ليترات الماء التي نشربها يومياً أو لترات الهواء التي نتنشقها نظيفة تماماً وصالحة تماماً أو حتى الخضروات الطازجة التي نأكلها لنزوّد جسمنا بالفيتامينات فنجد أنفسنا مزودين بالسموم!!
والمضحك – المبكي هنا،أن كثيراً من الإجراءات التي نعتمدها كبشر بغرض تحسين بيئتنا تكون هي الداء الأول لهذه البيئة وسبب بلاءها، فعلى سبيل المثال، تقام مصانع المبيدات لتحل مشاكل آفات خطيرة تهلك محاصيلنا وقطعاننا،…. الخ، وبنفس الوقت تعطر غلافنا الجوي بغازات سامة وتضفي على مياهنا لمسة من التلوث…. هذا بشكل تلقائي وبغض النظر عن ما سيترتب لاحقاً نتيجة الاستعمال السيء وغير المدروس لهذه المبيدات.
فهل سيأتي يوم نفضل فيه التأقلم مع البعوض على استخدام المبيدات؟ وهل سيأتي يوم نتعايش فيه مع الأكاروسات والحشرات المختلفة مهما بلغ ضررها على نباتاتنا وممتلكاتنا؟ أم سنستمر باستخدام المبيدات الكيميائية بدون وعي حتى نهلك نحن والحشرات معاً؟
مع العلم أن هذه الحشرات الأكاروسات تستطيع تكوين سلالات مقاومة!! فهل نستطيع نحن؟
1- المقدمة Introduction:
تسبب الفطر والبكتريا والحشرات المختلفة، التي تصيب النباتات وتدمر المحاصيل، خسائر كبيرة للمحاصيل الزراعية التي نحن بأمس الحاجة لها، فالحشرات الضارة وغيرها من الآفات تتلف جزءاً كبيراً من المحاصيل الزراعية تصل في بعض البلدان إلى 30% وأكثر بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل لمقاومتها.
إن التقدم الكبير في مجالات العلوم الحيوية والكيميائية والصناعات الكيميائية في القرن العشرين مكّن من إيجاد وتصنيع مواد كيميائية سامة استعملت لمكافحة الآفات المختلفة لدرجة أن عددها يفوق الألف مركب كيميائي سام.
وفي مجال حماية المحاصيل يمكن اعتبار الحاجة إلى المبيدات نتيجة مباشرة للنقص في تباين الأنواع والذي يميز الزراعة وحيدة المحصول Agricultural Monoculture، وبذلك تتواجد في الزراعة الظروف المناسبة للآفة الزراعية، والتي تخل بالتوازن بينها وبين أعدائها الطبيعيين بحيث يصبح من الضروري وجود نوع من السيطرة الخارجية، ولقد اعتمد بصورة نموذجية على وسائل السيطرة الكيميائية بحيث كان هناك ترابط واضح بين كمية المبيدات المستعملة وغلّة المحاصيل.
وكلمة المبيدات هي تعبير عام لا يشير فقط إلى مبيدات الحشرات Insecticides، وإنما أيضاً إلى مبيدات الحشائش Herbicides ومبيدات القوارض Rodenticides.
فإذا سلمنا بالحاجة الماسة للسيطرة على ناقلات المرض والحد من الخسائر في المحاصيل ثم أخذنا في الاعتبار النجاحات غير العادية التي تمت باستخدام المبيدات، فلماذا إذا الجدل حول استخدامها؟
ولما كان معظم الجدل يدور حول مبيدات الحشرات؟، فنذكر هنا وجود ثلاث مجموعات رئيسية للمبيدات الحشرية العضوية التركيبية، وهي:
- الهيدروكربونات المكلورة Chlorinated Hydrocarbons.
- الفوسفات العضوية Organo phosphates.
- الكاربامات Carbomate.
وسأتناول بالقدر الممكن من التفصيل المبيدات الفوسفورية العضوية التركيبية وأهم آثارها على الصحة العامة والبيئة.. وبمعنى آخر، الإضاءة على الجوانب السلبية الهامة لهذه المركبات في حياتنا.
2- ما هي المركبات الفوسفورية العضوية؟
Organo Phosphorus Insecticide
- لمحة تاريخية:
بدأت كيمياء المركبات الفوسفورية العضوية عام 1820 بإجراء تفاعل بين الكحولات وحامض الفوسفوريك، وفي عام 1847 اكتشف استر حامض الثيوفوسفوريك.
وفي عام 1854 صنع مركب TEPP الذي اعتبر حلقة الوصل بين الكيمياء العضوية والمعدنية، ولكن لم تكتشف فاعليته ضد الحشرات حتى عام 1934.
وقد استطاع Gross وزملاؤه عام 1941 اكتشاف آلية تأثير المركبات الفوسفورية العضوية.
تحضر هذه المركبات من تفاعل حمض الفوسفوريك أو أحد مشتقاته (الأرثوفوسفور، الدايثيوفوسفور…) مع الكحولات، تنتج أملاح الحامض كالأسترات والأميدات،
الجزء الثاني :
هل من صداقة تجمع بين بيئتنا والمبيدات الفوسفورية العضوية؟
لقد أدى الاستعمال غير الرشيد للمبيدات الكيميائية المختلفة عموماً والفوسفورية العضوية خصوصاً في مقاومة الأمراض التي تصيب النباتات والحيوانات إلى تغيير كبير في النظام البيئي وتراكمت المبيدات التي تتميز بتحللها البطيء في نسيج الحيوانات والنباتات وفي التربة، وتسببت في القضاء على العديد من الكائنات المفيدة والتي تساهم في تكامل عناصر البيئة وبعض كائنات التربة والحشرات النافعة.
عند إضافة المبيدات فإنها تتعرض للانحلال في الماء أو لعمليات تحلل وتفكك، أي أن المبيد يخضع لتحولات بيولوجية بيئية بحسب تركيزه وتركيبه الكيميائي.
ويوضح الشكل الفروق بين مدى الهدم الحيوي لمركبين أحدهما سهل والآخر صعب التحلل فالمركبات الفوسفورية تتأكسد بسرعة فاقدة محتواها السمي . أما المركبات الايدروكلورينية تبقى لفترة زمنية أطول قد تصل إلى عدة أسابيع أو إلى عدة سنين، وتعتمد هذه المركبات في مقاومتها على ذرات الكلور فزيادة ذرة واحدة تؤدى إلى زيادة الوقت اللازم لهدمها في التربة فمثلاً ينتهي مفعول مبيد الأدغال 2.4.D خلال أربعة أسابيع في حين أن زيادة ذرة من الكلور تؤخر نهاية مركب 2.4.D إلى 30 أسبوع.
ويعرّف بقاء المبيد في البيئة (المثابرة Persistence): بأنه الزمن اللازم للمبيد ليفقد (95%) من فعاليته، وذلك في الظروف البيئية الطبيعية وبتركيز معتدل حسب المواصفات، حيث يتم تفكيك المبيد إلى الجزيئات المركبة له لتمتصها التربة أو يتم انحلاله في الماء ليعطي عناصره المعدنية المكونة له لتجري عليها تحولات بيولوجية وكيميائية، إن بقاء المبيد في البيئة يعتمد على:
1- نوع المبيد.
2- نوع التربة.
3- نسبة الرطوبة الأرضية.
4- درجة حرارة التربة.
5- حركة الرياح.
6- نوع المحصول.
7- عدد مرات زراعة نفس المحصول.
8- عدد مرات حرث التربة.
9- كيفية استخدام المبيد.
10- نسبة تركيزه.
11- أنواع العناصر المكونة له.
وتبقى المبيدات ذات العمر القصير في البيئة فترة زمنية تمتد من (1-12) أسبوعاً، والمبيدات ذات العمر المتوسط من (1-18) شهراً، أما المبيدات طويلة الأمد فتبقى في البيئة سنتين.
وبالنسبة للمركبات الفوسفورية العضوية فهي تحتاج لأسابيع حتى تتحلل في التربة بواسطة انحلالها بالماء (الحلمهة).
وهذه المبيدات تبقى عموماً في التربة سواء أجريت عليها التحولات البيولوجية أم لم تجرَ، فتنتقل هذه المبيدات إلى الهواء والمياه.
3-1- المبيد والمياه (مبيد للموت وماء للحياة!):
يبقى تركيز المبيدات ضئيلاً في المياه، وذلك بسبب التمدد الحاصل لها، فهو في حدود أجزاء البليون في المياه العذبة، وأجزاء من التريليون في مياه البحار.
والأكثر خطورة هو وجود المبيد في المياه بتركيز عال بسبب الصب المباشر للمبيد في الماء بغية إبادة الأحياء الضارة المتواجدة في المياه أو المحيطة بها، مثل يرقات البعوض والذباب الأسود والحلزون…، وتتم مثل هذه العملية في البحيرات، ولكن التلوث يكون على أشده للبيئة وللكائنات الحية في البحيرة.
فالمبيدات تؤدي إلى قتل الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في الماء والتي لها دور هام في التوازن الطبيعي للبيئة المائية، حيث تسهم في تنقية الماء من التلوث لأنها تساعد في الحفاظ على نسبة الـ O2 الذائب في الماء وسيكون من المستحيل تنظيفها وحتى ان الطبيعة ستأخذ وقتاً طويلاً للتخلص من المبيد، فحتى تستطيع إزالة 90% من هذا التلوث ستحتاج إلى (500) سنة في بحيرة مثل البحيرات الكبرى في أمريكا، وإلى (100) سنة في بحيرة متوسطة مثل بحيرة ميشيغان.
لقد أدى تلوث البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وغيره (بالمبيدات عموماً) إلى انخفاض في احتياطي الأسماك فيها، كما انخفض عدد الطحالب الخضراء التي تنتج المادة العضوية وتطلق O2، وقد انتقلت المبيدات الكيميائية عن طريق السلسلة الغذائية من الطحالب والنباتات إلى الحيوانات المائية، بحيث وصلت تراكيزها في أنسجة هذه الحيوانات إلى نسب عالية تفوق عشرات المرات تراكيزها في الماء.
أما عن آلية وصول المبيدات إلى المياه:
1- كثير من مصانع المبيدات تفرغ تدفقاتها الصناعية في البحار والأنهار دون معالجة.
2- الأراضي الزراعية والقروية، حيث يكثر رش المحاصيل الزراعية المختلفة بالمبيدات فتنتقل عبر مياه الأمطار أو مياه الري السطحية إلى مجاري الأنهار ثم البحار ولا تفوتها المياه الجوفية.
3- انتقال مباشر للمبيدات إلى البيئة المائية وذلك عن طريق الإضافة المباشرة للبحيرات أو المسطحات المائية بغية التخلص من الحشرات المائية والنباتات الطافية والأحياء المرغوب فيها.
أما الهواء: فإن المبيد منتشر فيه بأبخرته وخاصة أثناء الرش أو بفعل هبوب الرياح، وسرعان ما تسقط جزيئات المبيد بفعل الترسيب الثقالي للجزيئات إلى التربة أو بفعل الأمطار والثلوج إلى البيئة المائية.
وهنا لابد أن نشير إلى التعريف الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 1961 حول تلوث المياه العذبة: «يعتبر المجرى المائي ملوثاً عندما يتغير تركيب عناصر أو تتغير حالته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بسبب نشاط الإنسان بحيث تصبح هذه المياه أقل صلاحية للاستعمالات الطبيعية المخصصة لها».
الجزء الثالث :
المبيدات والتربة:
إن أحد أهم أسباب خصوبة التربة هو وجود الكائنات الحية التي تعيش فيها الجراثيم والبكتيريا والديدان والحشرات والفطور والطحالب ووحيدات الخلية، لكن هذه الكائنات ضرورية للتربة لأنها تساعد على تفكيك الصخور والأحجار، وبالتالي تعوض النقص الحاصل في الطبقة السطحية للتربة وتأمين التهوية والتخلخل اللازمة لحياة النبات، وهي السبب في حدوث تفاعلات عضوية كيميائية بين المواد المكونة للتربة لتحرير العناصر المعدنية اللازمة لنمو النباتات.
إن زيادة تركيز المبيد يؤدي إلى حرمان التربة من مركباتها الذاتية لموت الكثير من تلك الكائنات الحية والتي تقوم بعمل تحولات بيولوجية تعتمد على تركيز المبيد وتركيبه الكيميائي، فتقوم بتحويله إلى مركب ذي خواص مختلفة عن خواصه الأولية، حيث أن كثيراً من المبيدات تحتوي على عناصر معدنية سامة كعنصر الكبريت والكلور والزرنيخ… (الكبريت بشكل أساسي فيما يتعلق بأغلب المركبات الفوسفورية العضوية)، وعند زيادة تركيز المبيد لا تستطيع الكائنات الحية في التربة ان تسيطر على هذه الكمية الكبيرة، فتبقى جزيئات المبيد في التربة دون تفكك أو تحلل.
وعموماً تتلوث التربة بالمبيدات لتساقط محاليل المبيدات المستعملة في وقاية المحاصيل الزراعية، أو نتيجة لمعاملة التربة، كما انه بعد سقوط أوراق النباتات المعاملة بالمبيدات يصل جزء من المبيدات التي علقت بهذه الأوراق إلى التربة..
ويترتب على تلوث التربة حدوث مشكلات تتعلق بصحة الإنسان وغذائه وكسائه، كما يؤدي تلوث التربة (كما ذكرنا) إلى ضعف خصوبتها وانخفاض إنتاجها، ولا يقتصر أثر تلوث التربة على أحيائها بما فيها النباتات فحسب، بل يمتد ليشمل الإنسان والحيوان.
فالمواد الكيميائية الضارة تؤثر في النبات وتكوينه الطبيعي مما يترتب عليه انخفاض في قيمته الغذائية، والإنسان يصاب بالأمراض بسبب تناوله أغذية ناتجة عن ترب ملوثة، والحيوان يتأثر بتلوث التربة، وتصاب الماشية والأغنام والطيور والدواجن بالأمراض التي تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الحيواني.
جدول (1): المدى اللازم لتلاشي 75-100% من فعالية المبيدات الفوسفورية العضوية في التربة.
المبيد الوقت اللازم للتلاشي
ديازينون 12 أسبوع
مالاثيون أسبوع واحد
باراثيون أسبوع واحد
3-3- تواجد المبيدات في الغلاف الجوي وضررها:
تصل المبيدات للغلاف الجوي بطرق عديدة خاصة من انتشار المحاليل والمساحيق وكذلك التطاير من التربة والماء.
إن ضآلة تواجد المبيدات الفوسفورية في الهواء ترجع إلى سرعة انهيارها في البيئة، وبالتالي لا تسبب أضراراً للإنسان عند استنشاقها، وقد ثبت من الدراسات أن الكمية التي تدخل الجسم عن هذا الطريق يومياً تبلغ 2-32 ميكروغرام/شخص، وهي تمثل 2-5% من تلك الكمية التي تؤخذ مع الطعام.
3-4- تأثير المبيد على التوازن الطبيعي:
أدى الإسراف في استخدام المبيدات إلى إحداث خلل في الدورة الطبيعية للبيئة بما فيها من أحياء، فأدى إلى انقراض بعضها وتكاثر أعداد أخرى، بل وظهرت كائنات جديدة من نوع معين لها صفات مكتسبة مقاومة للمبيد كظهور حشرات ذات طبقة كيتينية سميكة تمنع وول المبيد إلى أحشائها وبالتالي عدم موتها، وتكاثرها بأجيال لها الصفات الجديدة وبالتالي وجب تطوير مبيدات أقدر وأكثر فتكاً.
كذلك أدى الإسراف في استخدام المبيدات إلى فقدان التوازن بين الآفة وأعدائها الطبيعيين، وإلى زيادة كبيرة وغير متوقعة لبعض أنواع الآفات، ومن الأمثلة:
- ظهور حشرة النطاط الكبير في كينيا على محصول البن كان سببه مبيد (الباراثيون)، حيث استعمل للقضاء على حشرات أشجار البن، فكانت النتيجة ان المبيد قتل إحدى الطفيليات التي تتغذى على النطاط الكبير مما جعله يتكاثر بشكل كبير ليلحق هو الضرر بأشجار البن.
- رش المبيد على حشرة المن التي تصيب كثيراً المحاصيل الزراعية كالقمح والقطن والحمضيات وتكرار الرش أدى إلى القضاء على حشرة أبو العيد Coccinella Sp. مفترسة حشرة المن.
فإذاً أدى الاستخدام العشوائي للمبيدات الكيميائية الحشرية وغيرها إلى إعطاء الفرصة للكثير من الآفات الحشرية الضارة والثانوية أن تتكاثر وتنتشر بسرعة، مما أدى إلى زيادة خطورتها نتيجة للخلل الذي أصاب التوازن البيئي الطبيعي، ونتيجة للقضاء على مختلف الحشرات النافعة مثل المفترسات والطفيليات الحشرية والطيور والأسماك والفطريات والجراثيم والفيروسات، وجميعها تعمل بقدر كبير في مجال المقاومة البيولوجية ولا تتدخل في التوازن الطبيعي للكائنات، وليس لها أي مضار بالكائنات والحيوانات المفيدة.
3-5- تأثير المبيد على النباتات والحياة البرية:
بما أن أغلب المبيدات تتصف بالثبوت الكيميائي وبقدرتها على الانتقال والتراكم عبر السلسلة الغذائية، فإن جميع الأحياء تتأثر بها، فتبدأ بالتراكم بنسب ضئيلة جداً في رتبة دنيا من السلسلة الغذائية صعوداً إلى الرتب الأعلى.
إن النباتات هي المتضررة الأولى من المبيدات، فتتأثر النباتات بحسب نوعها بالمبيدات، واستخدام المبيد يحدث ضرراً كبيراً في النباتات صغيرة الحجم والغضة، كما يحدث حروقاً للأوراق أو تحويراً في شكل النبات مما يؤدي إلى جفافها وموتها، وقد يكون الضرر نتيجة لنفوذ المبيد إلى العصارة النباتية فيؤثر على هرمونات النبات وأنزيماته، ثم خلل في عملية التركيب الضوئي ثم موت النبات.
وتؤثر المبيدات على الحياة البرية، حيث تتراكم داخل أنسجة الحيوانات والطيور وتنتقل إلى الأجنة، ويؤدي إلى خلق أجيال من الحيوانات عامة والطيور خاصة بها عيوب خلقية، ويؤثر على موسم التكاثر وعلى البيضة نفسها، حيث تصبح البيضة هشة سهلة الكسر.
وتساعد هذه المبيدات في قتل الحشرات المفيدة مثل نحل العسل والتي تساعد أيضاً في تلقيح النباتات
الجزء الرابع :
3-7- المبيد أم البعوض؟ أيهما تفضل؟!
يتزايد استخدام مبيدات البعوض – التي تبيد الإنسان أيضاً – بكثرة في البلدان العربية، وهذا حتماً نتيجة لوجود المستنقعات وعدم معالجة مياه الصرف الصحي وانتشار مكبات القمامة المكشوفة في كل مكان مما يشكل وسطاً مناسباً لتكاثر وتزايد هذه الحشرات.
أحد هذه المبيدات المستخدمة بكثرة في البلدان العربية هو مبيد ديكلوروفوس، حيث يرش على شكل ضباب حراري (دخان أبيض) ممزوجاً بالبنزين أو الكيروسين.
قبل الكلام عن هذا المبيد، من المعروف أن دخان المواد البترولية يُنتج كثيراً من المواد المسرطنة والضارة بالجهاز التنفسي والعيون، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً كبيراً مع تكرار التعرض لهذا الدخان.
وكثير منّا قد شاهد الأولاد الصغار في المدن والقرى يركضون فرحين وراء العمال والسيارات التي تضخ هذا الدخان في الشوارع وبين البيوت، فرحين بهذه اللعبة دون أي علم أو توجيه من الأهل بخطورة هذا التصرف.
الديكلوروفوس هو مبيد حشري فوسفوري عضوي استخدم أول مرة في بريطانيا عام 1955، تم استخدامه في الحرب العالمية الثانية كغاز قاتل من غازات الأعصاب، ويستخدم حالياً بكثرة في الدول النامية في عدة مجالات، منها:
- في زراعة الفطر، وضد كثير من الحشرات والخنافس في البيوت البلاستيكية وفي تربية الدواجن.
- في الأدوية البيطرية وتربية الأسماك، وكبخاخ لحشرات الكلاب والقطط.
- في الصحة العامة كمبيد ضبابي دخاني ضد البعوض، وبخاخ حشري منزلي، وفي المصائد الحشرية اللاصقة.
- كما استخدم بكثرة في المدن النامية كمبيد حشري على الخضار، الفاكهة، الرز، وعدة محاصيل مثل القطن، القهوة، الشاي، الكاكاو، الموز، التبغ والبهارات.
الديكلوروفوس يعمل كمبيد تلامسي يؤثر على المعدة والجهاز التنفسي، وهو كغيره من المبيدات الفوسفورية العضوية يثبط عمل إنزيم الكولين استيراز مما يؤدي إلى تعطيل الجهازين التنفسي والعضلي.
وهو شديد السمية، حيث أن الجرعة القاتلة الفموية (LD (O)) 56-108 مع/كغ، وهو مصنف من قبل منظمة الصحة العالمية في المجموعة «عالية الخطورة»، إضافة إلى ان التسمم به عن طريق الجلد مماثل لتناوله أو استنشاقه.
في معظم حالات التسمم الشديد المباشر نتجت عن تلوث الجلد برذاذ المبيد المركز، كما انه يتبخر بسرعة، لكنه يحتاج إلى ثلاثة أيام حتى ينتشر في المكان المرشوش فيه، ويبقى تأثيره من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ولا ننسَ انه بعد عمليات الرش يتركز في التربة ومن ثم يمكن أن ينتقل إلى المياه الجوفية.
كما انه يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ويمكن أن يسبب أعراضاً تتراوح بين الغثيان إلى فقدان السيطرة على المثانة، وحتى فشل التنفس والغيبوبة، وصولاً إلى الموت عند الجرعات القاتلة.
أجرى باحثون في برنامج سرطان الثدي وعوامل الأخطار البيئية في جامعة Cornell-New York، عدة دراسات على الديكلوروفوس، وفي إحدى الدراسات ازدادت إصابة فئران التجارب الإناث بسرطان المعدة، وسبب أيضاً عدة إصابات بأورام البنكرياس وسرطان الدم (اللوكيميا) عند الذكور، كما ظهر في الأبحاث أن المزارعين الذين استخدموا الديكلوروفوس لمدة أكثر من 10 أيام في السنة، لديهم حالات كثيرة من سرطان الدم، مقارنة باللذين لم يستخدموه، كما ظهرت زيادة كبيرة في حالات سرطان الدماغ عند أطفال العائلات التي استخدمت هذا المبيد.
وهناك عدة دلائل تظهر أن الديكلوروفوس يؤدي إلى عُصاب متأخر الظهور عند الدواجن، وتغيرات سلوكية، عصبية ووظيفية عند فئران التجارب، كما أن الهيئة الدولية لأبحاث السرطان تعتبره مسرطناً محتملاً للبشر.
مخاطره على البيئة:
الديكلوروفوس سام للأسماك، والأحياء المائية المفصلية حساسة جداً تجاهه، كما انه عالي السمية للطيور ونحل العسل، وسميته الشديدة في الماء جعلت التركيز المسموح به في الماء (0.00 PPM) فقط، وهو موضوع على اللائحة الحمراء في بريطانيا، كمادة ممنوع رميها في الماء الجاري، لكن الملوث المائي الأكبر الذي لايزال موجوداً هو زراعة أسماك السلمون الصناعية المزدهرة حالياً… وفيها يستخدم الديكلوروفوس كمبيد لقمل البحر الذي يمرض السلمون، وبسبب الدور الكبير لمزارع السلمون (1300 مزرعة في الساحل الغربي وجزر سكوتلاند) وتزايد الإنتاج من 600 طن عام 1980 إلى 48000 طن عام 1993، أدى هذا إلى طرح كميات كبيرة من الديكلوروفوس في المياه الطبيعية، وقد تم اكتشاف ان أسماك السلمون البرية قد تأثرت وازدادت معدلات عمى العيون وإعتام العدسة (الماء الأزرق والأبيض) بسبب تعرضها للديكلوروفوس، وقد بدأ البريطانيون منذ فترة طويلة باستخدام بدائل أخرى طبيعية بدل هذا المبيد.
إن استخدامه في البلدان النامية وخصوصاً البلدان العربية بكثرة بالرغم من سميته الشديدة الفموية والجلدية وسهولة تداوله في هذه الدول، يشكل موضوعاً خطيراً يجب النظر فيه فوراً، بالرغم من ان منظمة FAO والبنك العالمي و GTZ (Germany) و ODA (UK) لا يشجعون أبداً على تصنيع وتداول هذه المواد.
وتظهر أبحاث Pesticides Trust (PAN.UK) أن الديكلوروفوس يستخدم حالياً في كثير من الدول عشوائياً دون أي قانون، وإنه قد سبب كثيراً من حالات التسمم في: الصين، كوستاريكا، الهند، براغواي ومصر، وهو يُصنع بسهولة وبكميات كبيرة في الهند، البرازيل، المكسيك وحتى في سورية.
وهو ممنوع الاستخدام في بريطانيا، السويد، الدانمارك، ومقيد الاستعمال في أمريكا، الكويت، إندونيسيا، كوريا الجنوبية وفيتنام، حيث كان منعه في الدانمارك عام 1998، وفي بريطانيا عام 2002 باعتباره مادة مسرطنة، وتم سحب جميع المنتجات الحاوية على هذه المادة من الأسواق ومنع الإعلان والترويج وتصنيع أي مبيد حشري يحتوي عليها.
وقد طلبت الحكومة البريطانية، بعد استشارتها لعديد من هيئات السرطان والصحة والبيئة، طلبت من البائعين إزالة هذه المنتجات فوراً من على رفوفهم والاتصال بالشركات المصنعة أو شركات النفايات المتخصصة للتخلص السليم منها، وكان ذلك بعد نصيحة في 20/4/2002 من UK Advisory Commotion Pesticides التي تحذر من خطورة تسبب الديكلوروفوس بسرطانات في الجلد والكبد والثدي.
كما ان المشكلة لا تتعلق فقط بمبيد ديكلوروفوس، بل المشكلة كبيرة جداً وتشمل كثيراً من المبيدات مثل Deltamethrin و Malathion وغيرها وآلاف المبيدات المستخدمة بجهل تام، حتى المبيدات المدروسة والمرخصة لا يمكن الوثوق بها، لأن التأثيرات العصبية والسرطانية خصوصاً على البشر قد لا تظهر إلا بعد سنوات من تلقي المبيد أو بقاياه، من الهواء، الماء، والغذاء.
وبعد كل هذا.. ماذا وجدت؟ هل البعوض أفضل أم المبيد؟ أعتقد أن البعوض مع كل مشاكله أفضل من هذه المجازر التي ترتكب بحق الإنسان كل يوم.
- وبعد كل ما قرأنا.. ما هي نسبة الصداقة بين البيئة والمبيدات؟
هذا ونحن لم نتعرض بعد بشكل مفصل لخطرها على الإنسان.
ولماذا لا تتم الاستفادة من تجارب دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا والدانمارك بتطبيق طرق المكافحة الحيوية والمتكاملة؟
يجب التوقف فوراً عن تصنيع واستخدام المبيدات، ومنعها بصفة رسمية من قبل وزارات الصحة والزراعة في البلدان العربية وسحب جميع أنواع المبيدات الزراعية والمنزلية الخطيرة والمحظورة.
وإذا كانت الشركات المستفيدة من هذه المركبات لا تتوقف عن إنتاجها لعدم تضرر مصالحها المادية، فإننا نحن البيئيين نناشد الضمير لإيقاف مثل هذه الأوبئة المستخدمة لمكافحة الأوبئة.
3-6- الكائنات المائية ككواشف لمتبقيات المبيدات الفوسفورية:
في هذه الدراسة اختبر التأثير السام لثلاث من مركبات الفوسفور العضوية، هي المالاثيون، بروفينوس، كلوروبيريفوس، ضد الأعمار اليرقية المختلفة لبعوضة الكيولكس Culex Sp. والطور الكامل لبرغوث الماء، وعمرين من السمك البلطي الفيلي (عمر يوم، 7 أيام).
كذلك قدرة متبقيات أحد المبيدات سالفة الذكر وهو المالاثيون كيماوياً (بالطرق اللونية والغاز كروماتوغرافي) وبيولوجياً باستخدام الكائنات المذكورة ككواشف للملوثات البيئية.
- فيما يختص بالسمية الحادة، تشير النتائج التي حُصل عليها إلى أن يرقات البعوض كانت أكثر الكائنات حساسية لفعل المبيدات المختبرة، تراوحت التركيزات اللازمة لقتل 50% من اليرقات المعاملة بين 0.013 إلى 0.044، 0.023 إلى 0.557، 0.047 إلى 0.086 ميكروغرام من مبيدات بروفينوفوس، المالاثيون، الكلوروبيريفوس على التوالي في لتر ماء.
- وجد أن الكائنات الأخرى كانت أكثر تحملاً للمبيدات من يرقات البعوض، حيث تراوحت التركيزات القاتلة لنصف المجتمع المعامل من السمك LC50 بين 66 0.01 إلى 8 0.01، 0.0004 إلى 0.03، 0.459 إلى 1.120 مع مادة فعالة لكل لتر ماء لمبيدات المالاثيون، الكلوروبيريفوس، بروفينوس على التوالي، وكانت القيم القاتلة لأفراد برغوث الماء 0.017، 0.0833، 0.141 مع/ل.
- وجد أن العمر الأكبر من السمك أكثر حساسية للمبيدات الثلاثة مقارنة بالعمر الأصغر (عمر يوم)، خاصة في حالة مبيد كلوروبيريفوس، وتباينت حساسية أعمار البعوض الأربعة لفعل المبيدات المختلفة.
- كما أوضحت نتائج تقدير المتبقيات كيماوياً وبيولوجياً، إن متبقيات المالاثيون تتدهور بسرعة بعد يوم واحد من الرش، وإن متبقيات المالاثيون بعد 3 أيام من الرش كانت تحت المستوى المسموح به.
تشابه النتائج الخاصة بمتبقيات المالاثيون بيولوجياً وكيميائياً يشير إلى إمكانية استخدام الكائنات المائية الحساسة كوسيلة لتصور متبقيات المبيدات في البيئة
المبيدات الفوسفورية العضوية الصنعية والإنسان:
إن من أهم أسباب انتشار المبيدات هو تأثيرها السريع وسهولة الحصول عليها وبساطة استعمالها، إضافة إلى سعرها الرخيص هذا بدون النظر إلى تأثيرها على البيئة والإنسان مثل ظهور بعض الأمراض بنسبة كبيرة، وأما أهم أسباب أضرار المبيدات ومشاكلها فهي تأتي نتيجة الاستخدام الخاطئ وعدم تنظيف المبيدات في الوقت المناسب.
4-1- كيفية التعرض للمبيدات:
1- هناك التعرض المقصود «الانتحار أو القتل».
2- التعرض لحادث بالرش بالمبيدات «غير مقصود – Accident».
3- التعرض المهني من تصنيع وتعبئة أو أعمال الرش.
4- التعرض لمثبتات المبيدات من خلال الغذاء والماء… .
مما لاشك فيه أن هنالك مشاكل صحية لكل مَن يتعرض لهذه المركبات الفوسفورية، وقد يختلف التأثير من شخص لآخر حسب الكمية المسببة للسم، ففي بعض الأحيان يتم التسمم، ثم تحدث الوفاة، سواء تم التعرض لها عن طريق التنفس أو البلع، وقد يتم كذلك حدوث مشاكل أو تسممات عند ملامستها للجلد أو العين، وقد يؤدي حدوث التسمم أو المشاكل الصحية نتيجة التراكم لهذه المركبات في جسم الإنسان الذي يتعرض لها باستمرار خلال عمل الشخص مع هذه المركبات، مثل المزارعين وعمال النظافة.
ويحدث أن يتم تناول الشخص هذه المواد الكيميائية والتي تم استخدامها في رش الخضراوات والنباتات دون أن يتم غسل هذه المواد بشكل جيد، كما انه يجب على وزارة الزراعة العمل على توعية من يقوم برش هذه المواد الخطرة، حيث يجب أن يتم استخدامها بتراكيز معروفة ودقيقة، ويجب أن تكون هناك مراقبة ومتابعة عن طريق أخذ عينات عشوائية للمزارع للتأكد من عدم بيع هذه الخضراوات في الفترات المحرمة بيع الخضار فيها بعد رشها بوقت قصير.
وقد يحدث التسمم خطأ أوغير مقصود، مثلاً عند الأطفال حيث يقومون باللعب بهذه المواد السامة دون معرفة، لذلك يجب العمل على تخزين هذه المواد في أماكن بعيدة عن الأطفال.
كما يجب تنبيه الذين يعملون في هذا المجال من مزارعين وعمال نظافة وغيرهم أن هناك احتياطات لازمة يجب عليهم أخذها بعين الاعتبار حتى يستطيع الشخص الحد من أي مشاكل لا قدّر الله.
وهناك كذلك بعض التسممات التي تنتج في المنازل نتيجة استخدام ومزج هذه المواد الكيميائية عند عملية التنظيف، حيث قد يحدث تسمم عن طريق استنشاق هذه المواد فيجب الحذر من ذلك.
فإذاً يمكن تلخيص طرق دخول هذه المبيدات إلى الجسم بما يلي:
1- الاستنشاق.
2- الجلد (الاختراق) وخصوصاً عن طريق الملابس أكثر من التعرض المباشر، لأن الملابس تحتفظ بجزيئات المبيد وبطول فترة ارتداء الملابس الملوثة يؤدي إلى التعرض المستمر للمبيد حتى يتم تغييرها.
3- التعرض عن طريق التناول مع البلع أو الهضم.
4- من خلال العين.
وتتحكم ثلاثة عوامل رئيسية في مدى الضرر الناجم عن استخدام المبيدات:
1- السمية Toxicity: وهي تعني قدرة المركبات على إحداث الضرر.
2- التلوث Contamination: وتعني المتطلبات الأساسية لدخول المبيد للجسم.
3- وقت التعرض Occupational Exposure: وتمثل فترة التلامس مع المبيد.
ويتم التعبير عن ذلك بالمعادلة:
الضرر = السمية × التلوث × وقت التعرض
Hazard = Toxicity x Contamination x Occupational Exposure
4-2- سمية المبيدات الفوسفورية العضوية:
مركبات الفوسفور العضوية تثبط عمل إنزيم الكولين استيراز الذي يقوم بتكسير مادة الأسيتيل كولين المسؤولة عن التنبيه بنهايات الأعصاب إلى كولين وحمض الخليك بمعدل ثابت، ويؤدي نقص وظائف الإنزيم إلى تراكم الأسيتيل كولين بكثرة بوصلات الأعصاب الكولينية مع العضلات الرخوة والخلايا العذرية ولذلك تتسبب التركيزات العالية من الأسيتيل كولين في زيادة التنبيه والإثارة لهذه الوصلات، فتؤدي إلى التأثيرات الماسكرينية والنيكوتينية وانقباض العضلات وزيادة الإفرازات في حالة الجرعة الزائدة.
أولاً. التسمم الحاد:
ويمكن تقسيم علامات أعراض التسمم لثلاثة مجموعات:
الأعراض الماسكرينية، الأعراض النيكوتينية وأعراض الجهاز العصبي المركزي.
1- الماسكرينية: ضيق حدقة العين، غزارة العرق، واللعاب والدموع والإفرازات الرئوية، ضيق القصبة التنفسية، تقلصات بعضلات البطن، قيء وإسهال مع بطؤ ضربات القلب.
2- النيكوتينية: توتر وارتعاش بالعضلات الصغيرة بالأطراف، وفي الحالات الشديدة شلل بالحجاب الحاجز والجهاز التنفسي، سرعة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم.
3- أعراض تأثير الجهاز العصبي المركزي: صداع، دوار، قلق، توتر، اضطراب ذهني، تشنجات، إغماء وهبوط بمركز الجهاز التنفسي ومركز الجهاز الحركي.
- التأثيرات الجهازية عادة متشابهة حتى لو اختلفت طريقة الامتصاص، ولكن قد يتغير ترتيب ظهور الأعراض أو مدتها حسب:
* نوع المبيد.
* الجرعة.
* طريقة الامتصاص.
التسمم البسيط قد يسبب علامات أو أعراض ماسكرينية ونيكوتينية فقط، حالات التسمم الحاد الشديد تؤثر دائماً على الجهاز العصبي المركزي بصفة واضحة، وأحياناً تسبب تأثيرات المجموعات الثلاثة أوزيما الرئة نتيجة زيادة الإفرازات فتسبب الارتشاح.
ثانياً. التسمم المزمن:
يحدث التسمم المزمن بين العمال الزراعيين وعمال مصانع المبيدات الذين يتداولون مركبات الفوسفور العضوية لفترات طويلة، ولم يتأكد بعد ان تناول كميات بسيطة من بقايا مركبات الفوسفور العضوية في الأطعمة يسبب التسمم المزمن.
إن أعراض وعلامات التسمم المزمن:
الصداع – الشعور المفاجئ بالإجهاد والأرق وفقدان الشهية وعدم الاتزان ونقص التركيز الذهني ورعشة في العين والأيدي والتهاب الأطراف العصبية والارتخاء العصبي والشلل.
# الأعراض والعلامات الإكلينيكية:
* التشخيص الأساسي هو نقص نشاط إنزيم الكولين استيراز بنسبة 50-60% أو أكثر في الدم، ويصل أحياناً إلى الصفر في كرات الدم الحمراء في حالات التسمم الشديد، ويقل أيضاً في البلازما، ويعتبر مؤشر أسرع للتعرض.
* تغيرات رسم القلب والمخ، بطؤ ضربات القلب وتقطع انتقال الإشارات العصبية.
التأثير السمي المتأخر Delayed Neurotoxic Effects (DNTE)
ينتج عن تحلل أغلفة الميلين المحيطة بالأعصاب، ويسمى بالتحلل الميليني Demyelination، والضرر الأولي لا يتمثل بانهيار أغلفة الميلين، وإنما يحدث نتيجة لظهور محاور عصبية طويلة، ولا تظهر أعراضه المتمثلة بحدوث شلل للأطراف السفلية إلا بعد مرور 2-3 أسابيع، وقد تستغرق 1-2 شهر، وهناك نوعان من المركبات العضوية الفوسفورية التي تحدث هذا الأثر السام، هما:
1- بعض مركبات التراي أريل فوسفات، وهي فعالة بتراكيز 50-2000 مع/كغ.
2- بعض المركبات الفوسفورية العضوية الألكيلية، وهي شديدة الفعالية بتراكيز 0.5-2.5 مع/كغ.
ومن المركبات التي أحدثت حالات تسمم كثيرة لدى البشر والحيوانات والطيور الأهلية، المبيد الفوسفوري العضوي Phosvel الذي يحوي على المادة الفعالة Leptophos.الجزء السادس :
دراسة على أرض الواقع:
أجريت هذه الدراسة على بعض العاملين في مجال رش المبيدات الحشرية، وقد احتوت عينة البحث على مجموعتين من العمال.
المجموعة الأولى مكونة من 65 عاملاً في مجال رش المبيدات الحشرية العضوية الفوسفورية، بعضهم يعملون في إعداد الخلطة، وبعضهم يعملون في التحليل، والبعض يعمل في عملية الرش مباشرة.
المجموعة الثانية احتوت 32 عاملاً من نفس المستوى الاجتماعي والمادي والعمري، ولكنهم لم يتعرضوا إطلاقاً لهذه المبيدات، وهذه المجموعة هي (مجموعة الشاهد Control)، وقد تم اختيار عمال المجموعتين بطريقة عشوائية.
وعن أسلوب إجراء البحث، فقد كان هناك استمارة استبيان بها أسئلة عن التاريخ المهني، وشملت الأسئلة نوع المهنة ونوع التعرض للمبيدات الحشرية وعدمه، واستعمال الأدوات أو الملابس الواقية، كما أن هناك أسئلة عن بعض العوارض المرضية لبعض أجهزة الجسم مثل الجهاز العصبي والتنفس والكبد والكلى، وقد تم تطبيق هذه الاستمارة على عمال المجموعتين، وبعد ذلك عُمل فحص سريري إكلينيكي لكل العمال مع التركيز على الجهاز العصبي الطرفي لاكتشاف مدى تأثر أطراف الأعصاب.
وقد تم قياس نشاط الكولين استيراز في البلازما لعمال المجموعتين باستخدام الطرق القياسية المتفق عليها عالمياً، حيث تشير النسبة الطبيعية لهذا المكون في بلازما الدم إلى 7-19 ميكرميليمتر/مم بلازما.
وقد تم إجراء القياس لعمال المجموعة المتعرضة مرتين بحيث كانت المرة الثانية بعد 6 شهور من المرة الأولى، حيث أخذ في الاعتبار أن تتم بعد عودة الموظف من إجازة سنوية بعيداً عن العمل وبعيداً عن التعرض للمبيدات الحشرية لكي تعتبر قياساً مبدئياً لكل عامل ويتسنى مقارنتها ببعضها، كما أجري نفس الاختبار أيضاً لعمال مجموعة الشاهد مرتين على مدى 6 شهور.
كما تم عمل اختبار وظائف الكلى والكبد ووظائف التنفس التي أجريت مرتين قبل وبعد الدوام، أي قبل التعرض والتعامل مع المبيدات، ثم بعد التعامل والتعرض لها، وكانت النتائج:
* حوالي 22% من عمال المجموعة المعرضة أظهروا نقصان نشاط إنزيم الكولين استيراز بنسبة 25-30% في القياس الثاني، حيث يؤخذ هذا النقصان كمؤشر حيوي وتحذيري للتأثير المزمن لهذا المبيد الحشري، حيث يستوجب ذلك إبعاد العمال المعرضين فوراً من التعرض حتى ترتفع النسبة لديهم مجدداً.
* انخفض أيضاً متوسط قيمة هذا الإنزيم بين عمال المجموعة المتعرضة في القياس الثاني مقارنة بالأولى.
* أما في مجموعة الشاهد، فلم يحدث هذا الانخفاض، لأنهم لم يكونوا متعرضين بوسيلة أو بأخرى للمبيدات الحشرية.
وقد أثبت البحث عدم وجود خلافات إحصائية بين عمال المجموعة المتعرضة وبين عمال (الشاهد) بخصوص وظائف الكلى والكبد.
* اشتكى 29% من العمال المتعرضين – والذين كان لديهم انخفاض في نشاط الإنزيم من أعراض الالتهاب الطرفي العصبي (ضعف بالأطراف حسياً أكثر منه عضلياً، مع فقدان الاستجابة الطرفية العصبية) وهو أحد أهم الأعراض التي حدثت نتيجة للتعرض لهذه النوعية من المبيدات الحشرية.
* أما بخصوص وظائف التنفس، فقد كان هناك انخفاض في وظائف تهوية الرئة بين عمال المجموعة المتعرضة، وذلك في القياس الثاني الذي تم عمله بعد 6 ساعات من القياس الأول، أي قبل وبعد التعرض للمبيد الحشري، وذلك يشير إلى التأثير الحاد للمركبات العضوية الفوسفورية إذا تم استنشاقها عن طريق الرئتين، حيث تؤدي إلى ضيق في القصبات الهوائية.
وقد كانت محصلة نتائج هذا البحث ان التعرض للمركبات العضوية الفوسفورية في المبيدات الحشرية تؤدي لبعض التأثيرات المزمنة على إنزيم الكولين استيراز في الدم، والذي تنخفض نسبة نشاطه لدرجة تؤثر على وظائف الجسم المختلفة، كما أن هناك احتمالاً لإصابة الأطراف العصبية، أما التأثير الحاد فيكون نتيجة للتأثير المباشر على الجهاز التنفسي ويحدث نقصاناً شديداً في وظائف تهوية الرئة.
4-4- علاج حالات التسمم بمركبات الفوسفور العضوية:
1- يجب أن يتجنب الأشخاص المتعاملين مع المصاب ملامسة الملابس الملوثة أو قيء المصاب وإفرازاته، ويجب ارتداء قفازات مطاطية واقية أثناء غسل الجلد والشعر الملوث.
2- التأكد من خلو الممرات الهوائية من أي عوائق للتنفس بشفط الإفرازات.
3- إعطاء المصاب أوكسجين في حال هبوط التنفس قبل إعطاء الأتروبين لزيادة الأوكسجين في الأنسجة لتلافي حدوث ارتجاف للقلب.
4- في حالة التسمم الحاد يجب إجراء تنفس صناعي للمصاب لعدة أيام.
5- في حالة التسمم عن طريق الفم بكميات كبيرة من مبيد الفوسفور العضوي، يجب وضع المصاب على جهاز تنفس صناعي حتى بعد زوال الأعراض الماسكرينية لتجنب حدوث هبوط في التنفس لبعض الحالات بعد تناول المبيد بعدة أيام، ويستمر لأيام أو أسابيع.
6- في حالات التسمم الشديد يوضع المصاب على جهاز المونيتور مع إجراء رسم القلب المستمر لاكتشاف أي خلل في ضربات القلب.
7- يعطى المريض الفيروسيميد (الأزيكس) للحد من أوزيما الرئتين (ارتشاح وإفرازات).
8- عدم استعمال هذه العقاقير في حالة التسمم بمبيد فوسفوري عضوي (المورفين، الثيوفلين، الفينوسيازين، الريزربين، الأدرينالين).
9- يجب ألا يتعرض المصاب بالتسمم بالفوسفور العضوي للمواد المثبطة للكولين استيراز قبل أن تزول أعراض وعلائم التسمم ويعود نشاط الإنزيم بالدم إلى 80%.
10- عدم إعطاء الأتروبين أو الأوكزيم (Oxime) للعمال الذين يتعرضون لمبيدات الفوسفور العضوية كجرعة وقائية، فقد تغطي الأعراض والعلامات الأولية للتسمم مما يؤدي إلى استمرار العمال في التعرض ويؤدي إلى إصابتهم بتسمم حاد.
ويعتبر الأتروبين عقار منقذ للحياة في حالات التسمم بالفوسفور العضوي، والأتروبين لا ينبه أنزيم الكولين استيراز أو يسرع من ترسيب الفوسفور العضوي، وأهميته كعلاج مضاد للتسمم في انه يعادل تجمع الأسيتيل كولين في النهايات العصبية للأعضاء ويعمل على توقف الأعراض الماسكرينية فقط.
وتعتمد جرعة الأتروبين على شدة التسمم، فالجرعة تتراوح بين جرعة بسيطة وكبيرة جداً، حسب الحالة، وتبقى خطورة التسمم في حالة بقاء نسبة الفوسفور العضوي عالية في الخلايا بعدما يتلاشى تأثير الأتروبين.
والاستجابة لجرعة الاختبار من الأتروبين قد يساعد على التفرقة بين التسمم بالفوسفور العضوي وغيره من أنواع التسمم.
- جرعات الأتروبين:
* للبالغين والأطفال أكثر من 12 سنة هي 0.4-2 مع/كغ، تكرر كل 15 دقيقة إلى أن تظهر أعراض التسمم بالأتروبين (احمرار الجلد وجفاف الحلق واتساع حدقة العين وزيادة عدد ضربات القلب 140 ضربة/دقيقة)، ويتم هذا خلال فترة 2-12 ساعة أو أكثر طبقاً لشدة السمية.
* الأطفال أقل من 12 سنة، جرعة الأتروبين 0.05 مع/كغ، تتكرر كل 15 دقيقة حتى تظهر أعراض التسمم بالأتروبين.
ملاحظات:
- يعطى الأتروبين بالوريد أو بالعضل إذا تعذر إعطائه بالوريد.
- في حالات التسمم الحاد يحدث أحياناً عدم استجابة للأتروبين، فيجب زيادة جرعة الأتروبين وتقليل المسافات الزمنية بينها للسيطرة على الأعراض.
- ظهور أعراض التسمم النيكوتيني تدل على كفاية الأتروبين.
- هناك الأوكزيمات (الترياق) Oxime أو مضادات السموم الفيزيولوجية تعطى أحياناً كمنشطات لأنزيم الكولين استيراز في حالات التسمم الحاد، ويحد الأوكزيم من الأعراض النيكوتينية والماسكرينية عند إعطائه مبكراً في أقل من 48 ساعة.
- وهناك أيضاً الديازيبام، ويعطى للمريض في البداية لعلاج التشنجات.
5- درهم وقاية خير من قنطار علاج:
- لتقليل حوادث التسمم أو التلوث أثناء عمليات التخفيف أو التعبئة أو الرش أو التعفير:
أ. ارتداء الملابس الواقية (بدلة واقية، قفاز مطاطي، حذاء واقي من المطاط له رقبة طويلة، نظارة واقية، كمامة Respirator…).
ب. قراءة التعليمات المدونة على العبوات بدقة متناهية قبل فتح العبوة.
جـ. محاولة استخدام العبوات التي تم فتحها بالكامل وعدم نقل المبيد إلى أي وعاء آخر بدون ملصق بيانات.
د. التخلص من الأوراق والأكياس والكراتين والفوارغ التي كانت تحتوي على المبيدات بعد الانتهاء منها لعدم استعمالها في الأغراض المنزلية وحدوث التسمم فيها، وذلك في مكان يصلح لذلك.
هـ. غسل الأيدي بالماء والصابون عدّة مرات بعد الانتهاء من عملية الخلط والتعبئة وبعد الانتهاء من عملية الرش.
و. عدم الأكل والشرب والتدخين أثناء القيام بعملية الرش.
ز. عدم وجود شقوق أو جروح بجلد اليدين منعاً لتشرب الجلد للمبيد وحدوث التسمم.
ح. عدم الرش إذا كانت سرعة الريح شديدة أو ضد اتجاه الريح.
- نظراً لسمية المبيدات الفوسفورية العضوية خصوصاً أو المبيدات عموماً وخطورتها على البيئة والصحة العامة، لذا يجب الإقلال ما أمكن من استخدامها في المكافحة واللجوء إلى الآتي:
1- تكثيف أعمال النظافة.
2- استخدام الطرق السليمة في جمع ونقل والتخلص من النفايات.
3- استخدام وسائل المكافحة التي تعتمد على المواد البيولوجية والهرمونية ومنظمات النمو مع أساليب المكافحة الأخرى.
4- استخدام الطرق الهندسية في القضاء على أماكن توالد الحشرات.
5- اعتماد برامج المكافحة المتكاملة Integrated Pest Management (IPM)، وهي برامج تطبق فيها الوسائل والمعايير الاقتصادية والبيئية والسمية المناسبة بشكل متناسق ومتكامل قدر الإمكان لإبقاء الآفات تحت مستوى الضرر الاقتصادي، بحيث تأتي الاستفادة الواعية من عوامل التحديد الطبيعية في المقدمة.
6- ضرورة الوعي البيئي والرقابة على المبيدات:
إن المبيدات تباع اليوم في الجمعيات الفلاحية أو المحلات والصيدليات الزراعية تحت أسماء تجارية دون الإفصاح عن أسمائها العلمية، لذلك يجب أن ترفق مع كل علبة مبيد نبذة عنه على شكل كتيب أو لصاقة توضع فيها محتوى المبيد من العناصر الكيميائية المكونة له وتراكيزها ومقدار سميتها على الإنسان والحيوان وقدرتها على قتل الحشرات ومدى فعاليتها ومدى بقائها في البيئة والتربة والنباتات وكيفية استعمال المبيد وطرق الوقاية منه، ويجب أن يكون ذلك بلغة البلد الموجود فيه المبيد ليكون واضحاً ومفهوماً للمستخدم.
كما يجب تشديد الرقابة الحكومية على دخول المبيدات لمنع دخول مبيدات محرمة دولياً، لأنه هناك الكثير من ضعاف النفوس يحاولون إدخالها لتحقيق أرباح مادية، حيث يشترونها بأسعار بخسة ويكون هو المستفيد الوحيد من هذه الصفقة بغض النظر عن الأضرار الصحية والاقتصادية والبيئية التي يخلفها هذا المبيد.
أيضاً يجب إجراء إحصائيات لفحوص دورية للسكان وخاصة السكان الأكثر عرضة للمبيدات في المزارع والقرى الزراعية لمعرفة مقدار كميات المبيدات المتراكمة في أجسامهم ومعرفة أسبابها ومصادرها لأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب أضرارها كذلك الامتناع ما أمكن عن الأغذية والمشروبات والمصنعة والمعلبة.
وأخيراً أعود لأشدد على أهمية الابتعاد عن المكافحة بالطرق الكيميائية قدر الإمكان واعتماد أساليب أخرى مثل: المكافحة الحيوية والمكافحة الطبيعية والقوانين التشريعية.
إضافة إلى استخدام تقاوي مقاومة للآفات وتغيير مواعيد الزراعة وغيرها من الوسائل التي تعمل برامج IPM على جمعها معاً بتكامل فعّال للوصول إلى بيئة سليمة.
كما أشير إلى أهمية أن تقوم الوزارات المتخصصة بمتابعة كل هذه الإجراءات ومنها: وزارة الزراعة – وزارة الصحة – وزارة البيئة – وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ولكن هذا لا يلغي ضرورة المتابعة الفردية لكل منا ومسئوليتنا المباشرة عن كل ما يصيب بيئتنا، وبالتالي أنفسنا، إذ إننا نكتسب قوتنا وبقائنا واستمراريتنا من قوة بيئتنا ومقاومتها وثباتها.
ساحة النقاش