دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

الضحية والجلاد في رواية
"الموتى لا ينتحرون"
سامح خضر
لقد أصبح موضوع الجنس يأخذ مكانته في الرواية العربية، فرغم البداية المتواضعة التي بدأتها الرواية العربية إلا أنها أصبح تتحدث عن الجنس بكل حرية، متجاهلة كل المحظورات والمحرمات التي أقامها النظام السياسي والاجتماعي والديني في المنطقة العربية، حتى أننا نجد العديد من اسماء الروايات متعلق به، في هذه الرواية سنجد علاقة الجنس المحرم، الجنس الذي ينشأ بين الجد والحفيدة، والجنس الذي يأتي بالإكراه والغصب والتهديد وليس بالاختيار الطوعي، لهذا سيكون هناك ضحية وجلاد، وبما أن المجتمعات العربية يهيمن عليها جنس وفكر الذكور فبالتأكيد سيكون الذكر وهو الجلاد والضحية هي الأنثى، والعجب العجاب أن الجد "أبو مشعل" الذي تجاوز الخمسين عاما، نجده يقدم على اغتصاب حفيدته "حياة" ذات الأربعة عشرة عاما، ومن ثم يستمر في فعلته القذرة بحيث جعلها محضيه الخاصة، رافضا ومانعا كل من يتقدم لطلب يدها، حتى تجاوزت العشرين، فقرر أن يخفي فعلته معها بإجبارها على ترك البيت والقرية والوطن، حتى يضن الناس بأنها اقترفت (جريمة الشرف) ولهذا اضطرت للهرب إلى الأردن ومنها إلى ألمانيا.
في ألمانيا تنشأ علاقة حب بينها وبين "إياد"، وعلاقة صداقة حميمة مع الفتاة السورية "شروق"، تأخذ علاقة الحب الشكل الطبيعي بين "حياة وإياد" ويتم الزواج بينهما، لكن نجد جسد "حياة" يمانع من الانفتاح على الزوج والحبيب "إياد" مما يجعل صديقتها "شروق" تتدخل عند الطبيبة النفسية "كلوديا" ويقوم "إياد من جانبه بكل ما يطلب منه لمساعدتها في الخروج من الأزمة التي تمر بها، حتى أنه يزور فلسطين المحتلة لكي ينهي مأساة زوجته ويخلصها من متخلفات الماضي المؤلم، وهذا ما كان، لكن "حياة" تجد أن جدها "أبو مشعل" قام بقتل شقيقتها "سناء"، وهنا تعطينا الرواية فكرة استمرار مأساة المرأة العربية التي تعيش تحت ظل النظام الذكوري، الذي لا يرحم ولا يعرف إلا البقاء مهيمنا على المرأة، العنصر والجنس الأضعف. 
الجد "أبو مشعل"
سنحاول في هذا المداخلة تناول بعض التفاصيل المتعلقة بالشخصيات السلبية والايجابية، ونبدأ من الجد "أبو مشعل" الذي يموت نجله البكر "مشعل" فيعمل على إبقاء "أمينة" زوجة الابن في البيت وتحت حمياته، ومن هنا يبدأ في أخذ حاجته الجسدية منها، فهذه المرأة، صغيرة السن، وجاهلة بمعترك الحياة، وجدت نفسها أضعف من مواجهة هيمنة "أبو مشعل" الذي يخافه أهل القرية والقرى والمجاورة لها، فكانت طوع أمره، ولم تبدي أي فعل يوحي بأن هناك شيء غير أخلاقي يجري في بيت "أبو مشعل" فكانت أول ضحاياه، لينتقل بعدها إلى حفيدته "حياة". 
بداية الجريمة تحدثنا عنها "حياة" بهذا الشكل: "دخلت غرفة جدي عشية ذلك اليوم حاملة إناء وإبريقا حتى يتوضأ، ... ثقبت نظراته الحادة ملابسي، وضعت الإناء على طاولة متوسطة الارتفاع أمامه فيما رفع يديه ليزيح طرف جلبابه إلى أعلى، فأمسك صدري، .."كبرتي يا حياة.. صار جسمك ملفلف" بحركة غير إرادية ابتعدت خطوتين إلى الخلف فضحك ضحكة أرعبتني... "معلش ...بكرة بتتعودي على يد جدك" ص49، بهذا المشهد يمكننا القول أن الجد يمثل الذكر الشهواني الذي يبحث عن تفريغ حاجته الجسدية فيما يجده من أناث بصرف النظر عن علاقته به، وبصرف النظر عن عمرها، أو ظرفها أو حالتها، فهو مجرد ذكر حيواني لا يفرق بين المحارم عندما يبلغ. 
لهذا نجده يعمل بتخطيط مسبق لينال من حفيدته، من الفتاة الصغيرة، فيستغل مناسبة أحدى الأعراس، "عرس فيروز" ليطلب من أمها "أمنة" أن تتركها في البيت لتعتني به، ورغم رغبة "حياة" وأمها في الذهاب إلى العرس والمشاركة في هذه المناسبة، إلا أن الجد أبدى رفضه القاطع على ذهابها: "فصفعها جدي على وجهها صفعة قوية أطاحت بجسدها الهزيل على الأرض قبل أن يسبنا: "يا بنت الكلب إنتي وبنتك، بدكم تكسروا كلامي؟ خذي ولادك وروحي على العرس واتركي حياة عندي" ص53. 
وبعد أن ينفذ أمره، يبدأ في اقتراف الجريمة والتي كانت بهذا الشكل: "...مناديا من غرفته "حياة ... يا حياة" ... أدخلي. هاتي شوية زيتون من المطبخ وتعالي أدهني لي ركبتي" ... كنت أدلك ركبته اليسرى فامتدت يده لتسحب يدي إلى أعلى فخذه، كان عضوه منتصبا، حاولت أن اسحب يدي فامسك عليها بقوة، قاومته بشدة، صرخت اتركني، لم يفعل، صرخت بصوت أعلى، كتم أنفاسي بيده، ولوى يدي حتى سمعت فيها طقطقة عظام رسغي، بكيت، قلت مقاومتي من شدة الألم، انهمرت دموعي، توسلت أن يتركني، لم يفعل، دفعني برجله على الأرض وهوى فوقي، شل حركة جسدي بجسده الثقيل، كنت أصرخ: "منشان الله اتركني. أنا حفيدتك.. أنت جدي" وهو ينزع ملابسي عني... صرخت صرخة اختنقت بها وأخرجتني عن وعيي، استفقت على أنين جسدي النازف فيما هو على أريكته اللعينة، ... لم أدر وقتها أي ألم أداوي، أولا، يدي التي كسرت أن عذريتي المهدورة" ص53-55. جريمة متعددة الأوجه، فارق السن بين الجلاد والضحية، فارق حجم الجسد، شكل الضحية وهي تستنجد، الألفاظ التي استخدمتها، كل هذ يجعلها جريمة لا تغتفر ولا تمحى.
وعندما تستفيق "حياة" من هول الصدمة، كانت بهذه الحالة "تكومت أمام جدي على الأرض، عبثا أحاول أن أرتد ملابسي بيد واحدة، بينما كان الألم يلتهم يدي الثانية،" ص57، ورغم بؤس هذه الضحية والعلاقة القربى التي تجمعه بها، إلا انه يتمادى أكثر في جريمته، بحيث يطلب منها أن تقول: "... فلتت من يدك قارورة الزيت وانزلقت قدمك فانكسرت يدك" ص57، وعندما تبدي "حياة" الرفض لهذه الجريمة، وتصر على أخبار أمها بما جرى، نجده يثبط عزيمتها بقوله: "لن يصدقك أحد، أتعلمين لماذا، لأن هذه العائلة لا تساوي شيئا دوني، أويت أمك بعد وفاة أبيك، وبنيت لأعمامك منازلهم، ويحظون باحترام القرية بسببي" ص57. 
هناك تماثل بين الجد والنظام الرسمي العربي، فكلاهما يقدم على اقتراف الجرائم ويغطيها بغطاء العطاء الذي يمنحه للضحايا، فهو يأخذ ما يريد، ويعطي القليل مما لديه، ليس حبا بالآخرين وإنما لتثبيت هيمنته وسطوته، وهذا حال الجد/النظام الرسمي العربي.
وهنا نطرح هذا السؤال: هل يمكن للضحية ـ وأن تحالفت مع الآخرين ـ أن تحقق النصر أو تغير في تركيبة هذا النظام، الأبوي/البطريكي؟ أم أن ما ستقوم به الضحية لا يعدو أكثر من تنفيس لا يحدث أكثر تغيير شكلي فقط؟، اعتقد أن نهاية الرواية جاءت لتؤكد بقاء هذا الواقع، هذا النظام، المتجذر فينا، فنحن أضعف من النيل أو المساس به.
الأم "أمينة"
فتاة اجبرت على الزواج وهي صغيرة، ومن زوج ليس من قريتها، لهذا كانت مكسورة الجناح، فأهلها ليسوا بقربها ليحموها من بطش الجد، لهذا كانت تعاني من ضعف متعدد الأوجه، أولا هي ضعيفة، كحال بقية النساء في المجتمع الذكوري، وثانيا هي ارملة بعد أن فقدت زوجها، وثالثا هي صغيرة السن ويطمع بها المجتمع الذي ينظر إلى المطلقة والأرملة نظرة سوداء، لهذا لم تستطع أن تقاوم حماها عندما أخذها كمحضية له، كما أنها وجدت في ـ أبو مشعل ـ حامي لها، وملبي طموح جسدها في أخذ حاجته من الجنس، فكانت علاقتها بالجد شبه متفق عليها أو موافق عليها، فالجد يأخذ ما يريد، وهي تأخذ حاجتها، حتى لو بدت كما لا تريد أو بالطريقة التي لا تريدها. 
نجد رغبة الأم في ابقاء علاقتها بالجد من خلال هذا المشهد: "كلما ناداني جدي تترك أمي ما في يدها وانتظر حتى أعود لتستجوبني، ماذا قال لك؟ ماذا طلب منك؟ ماذا قفلت له؟ أهذا ما طلبه فقط؟ لم تتوقف هذه الأسئلة أبدا، كان لسان حالها يقول ولماذا لا يطلب مني؟ هل أصبحت عديمة الجدوى؟ ربما كانت خائفة علي منه، وربما خافت مني على نفسها، هكذا كنت أفكر وقتئذ" ص48، حتى إذا لم نأخذ بما جاء بتفكير "حياة" عن أمها يمكننا الاستنتاج أن العلاقة الجسدية بين الأرملة الشابة وحماها الذي يلبي حاجاتها الجسدية والمادية يمكن أن تجعل "أمنة" تغار من ابنتها وتحافظ على رجلها/حامها. 
ونجد اضطراب الأم من خلال تصرفها مع حياة" والذي جعل "حياة" تشعر بأن هناك تنافس بينها وبين أمها في خدمة الجد عندما يطلب منها الجد شيئا: "كنت أشعر أنها تستعيد بعضا من كبريائها المهدور من نظراتها، كانت تعود من غرفته ولسان حالها يقول "أنا هنا" اليوم أرى أن أمي تتحمل جزءً كبيرا من مسؤولية ما حدث لي، لولا تصرفاتها السخيفة معي في حينه لما أشعرتني أن الاقتراب من جددي حظوة يجب الظفر بها" ص48و49، إذن الأم تتحمل جزء مما آلت إليه أحوال ابنتها، وفي ذات الوقت نجد رغبتها في إبقاء علاقتها الجسدية بالجد، ورغم أن الرغبات الجسدية ودوافع الحماية التي تحملها "أمنة" لابنتها تتوحد في الحفاظ على هذه العلاقة، إلا أننا نستشف منها أن للعلاقة الجسدية دور حيوي، ورغبتها في أخذ ما تريده، وهذا مما جاء على لسان حياة" عندما قالت: "شعرت بحسرة أمي على حالها، وكأن شيء ما بداخلها يتنمى أن أعود صغيرة وأبقى كذلك حتى لا استلب هذه المساحة منها" ص48. من هنا يمكننا القول أن موافقتها على سفر "حياة" إلى خارج فلسطين كان بدافع الخوف من سطوة الجد من جهة، من جهة ثانية تريد أن تستمر في اشباع حاجة جسدها، وهذا ما وجدناه عندما وجدناها تخبر "حياة" بعد عودتها إلى فلسطين وبعد غياب أكثر من عشر سنين عن موت شقيقتها "سناء" "تتنهد بحسرة وتنظر إلى الأرض وتقول: "سناء لقيناها مقتولة عند البير يما" ص167، وكأن نظرتها إلى الأرض يبدي لنا مشاركتها في الجريمة كما شاركت في جريمة أبعاد "حياة" إلى ألمانيا. 
وما للفت النظر أننا نجد الأم سلبية، حتى أننا لا نراها تبدي أي فعل لحماية صغارها من بطش الجد الشبق، وكأنها تريده لها فقط، لهذا وافقت على هروب "حياة" وسكتت على قتل "سناء" علما بأنها كان يمكنها أن تخبر أحدا ما يجري، أو تتمرد، أو تثور، لكننا وجدناها مطيعة حتى في مقتل ابنتها، فأي أم هذه التي لا تبدي أي ردة فعل على مقتل أبنتها؟.
"حياة"
يمكننا أن نأخذ صورة وافية عن حياة من خلال ما سبق من مشاهد واحاديث، فهناك عنف جسدي من الجد، لكنه في ذات والوقت يعطيها شيء من اللذة ـ فهي تمر بحالة اشبه بالمازوشية ـ وفي ذات الوقت تتعرض لعنف وتأنيب من أمها التي تشعر بأنها تنافسها على نيل رضا الجد: " أنا الواقعة بين مصيدتين، أحتار في أمري.. هل أهرب من كراهية أمي إلى حضن جدي مرغمة أم أهرب من يد جدي إلى بطش أمي الذي لا أطيقه. كل مصيدة فيهما تدفعني نحو الأخرى وأنا الواقفة بينهما بلا حيلة، جل ما أخشاه أن يتفقا علي فأصبح عرضة لاضطهاد أكبر" ص50، يبدو أن هذا الصراع وهمي، تحاول من خلاله "حياة" أن تبرر لنفسها ما تقدم عليه، فالواقعة الأولى مع الجد كانت صعبة وقاسية، وهذا ما جعلها تشعر بحالة "المازوشية" التي تتلذذ بالألم، والألم هنا مزدوج، الألم الجسدي، والألم النفسي، الروحي، فهذا الصراع يحمل بين ثناياه شيء من التلذذ بالألم، لهذا استمرت في المسير بين الألمين، ولم تتخذ موقفا محددا ينهي أحدهما.
تحدثنا عن جسدها عندما ذهبت لشراء قمصان النوم فتقول: "لم أشعر أني سأحمل فكرة إظهار مفاتن جسدي الذي أكرهه أمام أحدا، حتى لو كان "إياد"" ص85 وهنا نطرح سؤال: لماذا أقفلت "حياة" جسدها أمام زوجها "أياد"؟ ولم تفتحه كما فعلت مع الجد؟ أعتقد أن حالة المازوشية التي لازمة العلاقة الجنسية أول مرة وما تبعها من شعور بالذنب بعد أن وجدت نفسها تأخذ مكان امها عند الجد، كل هذا ـ في العقل الباطن ـ جعلها تميل نحو العلاقة الجسدية التي تحمل بين ثناياها شيئا من الألم الجسدي أو النفسي، الروحي، وبما أن العلاقة سوية وطبيعة مع الزوج "أياد" فإنها وجدت في هذه العلاقة الطبيعية والسوية حالة غير مقبولة، فقد تعودت على ما هو مؤلم ومؤذي لها وللآخرين، وبما أن الزواج تم بتأييد ومؤازرة صديقتها "شروق" فقد كان كل ما ينتج عن هذه العلاقة غير مستصاغ ، وهذا ما جاء على لسانها عندما حدثتنا عن اختلاءها بإياد في غرفة النوم: ""آسفة . ما بعرف شو مالي" حضنت جسدي بملاءة السرير وأحنيت رأسي خوفا من أن تتلاقى أعيننا. ساد الصمت الغرفة سوى من صوت لهاثنا، اختلس النظر بطرف عيني فأجده على ذات الوضعية، ظهره لي وجسده يتوسط ذراعيه الممتدتين على حافة السرير ورئتاه تكادان تخرجان من ظهره، أؤنب نفسي على تصرفي رغم كونه لا اراديا وضرب أنوثتي في مقتل" ص95، إذن المشكلة عند حياة" تكمن في أنها تعوددت على ممارسة الجنس بطريقة تجعلها تشعر بأن هناك أذيه لها ولمن حولها، ولهذا عندما لم تجد هذه الأذية وجدناها تشعر بخلل في ممارسة دورها كزوجة، وكأن هناك دوافع وقوة داخلية تدفعها نحو خلق شعور بالألم، من هنا يمكننا القول أن رفضها قبول جسد زوجها "أياد" كان يحمل هذه الأذية التي تبحث عنها، فقد وجدت أن هناك شخص قريب منها ـ كحال أمها ـ يتأذى فستمرت في تعذيبه إلى أن تم علاجها على من قبل "كلوديا" وبمساعدة شروق صديقتها وزوجها "إياد". 
الرواية من منشورات الأهلية للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية، عمان، الطبعة الأولى 2016.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 99 مشاهدة
نشرت فى 6 مايو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,135