دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

أثر المكان في مجموعة 
"كرز"
سليم البيك
غالبا ما يأتي يتناول المرأة وما يتعلق بها بشكل ناعم وممتع وسلس، إن كان من خلال المضوع/الفكرة أم من خلال اللغة المستخدمة، أم من خلال طريقة واسلوب تقديم المادة الأدبية، ما يلفت النظر في هذه المجموعة أنها تتحدث عن المرأة، والمرأة هنا ليست أية امرأة بل تلك المثقفة، فنجدها في معارض الكتب ومعرض الرسم، وفي المكتبات، وفي المسرح، ونجدها صاحبة "جاليري" وتشارك في مسابقة التمثيل، ونجدها على شاطئ البحر، وفي المصعد، وفي الحديقة، وفي المقهى، وفي السيارة، وبما أن القاص لا يتحدث عن المرأة العادية بل تلك التي تقرأ وتشارك في المسرح وتشاهد معارض الفن، فبالتأكيد ستكون متحرر من فكرة (الشيطان ثالثهما)، ولن يكتفي القاص بالحديث عنها من الخارج، من خلال وصفها أو الحديث عن محاولاته للتقرب منها، بل نجده يقدمنا أكثر ليحدثنا عن العلاقة جسدية بينهما، إذن المجموعة تقدم المرأة بأكثر من حالة وأكثر مكان.
سنحاول التقديم من تلك الحالات وتلك النساء اللواتي جئن في هذه المجموعة، في قصة "عن الأسود وبنفسج" يحدثنا عن مرأة في معرض الكاتب، والطريقة التي تصرفت فيها: "...أحاول اختلاس نظرة إليه متفاديا انتباهها لذلك، وأطمئن لتظاهرها بعدم الانتباه.
تتواطأ معي" ص14، فهنا العلاقة بريئة تماما، فهي لا تتعدى النظرات، وتنجد الراوي والمرأة كلاهما أضعف من البوح بما يجمله من عاطفة.
لكنه عندما يقابلها على شاطئ البحر يأخذ حريته أكثر، يدور هذا الحوار في قصة "في قطرة اشتياق":
"ـ مالك؟
ـ ولا شي .. معك حق، الأخضر بس لعيونك..
نظرت إلى البحر وأكملت في تفسي: لا مبرر لخلق هذه اللون قبل خلقك وربما لإعادة خلقه من بعدك" ص17، فالمكان هنا اعطا القاص مساحة من الحرية أكثر مما كانت عليه في معرض الكتاب، ويبدو أن القاص على دراية تماما بأثر المكان على الشخصيات، ففي المعرض يكون الزوار من النخب المثقفة، لكنهم يبقوا منغلقين على الآخرين، الذين لا يعرفونهم، أما على الشاطئ، فمن يذهب إليه من النساء تكون متحررة ولا يشكل الحديث معها احراجا، وهذا يعود إلى المكان وطبيعة زواره.
وهذا ما وجدناه عند القاص حيث تقدم أكثر من تلك المرأة من خلال: "عادت إلى البحر... قطرات أصغر بدأت تتكثف على شفتيها الفاغرتين، قليلا تأهبا لقبلة طائشة قد تحدث أن تحط فجأة عليها، ... هي تنظر إلى البحر تظمئن أكثر أن لا خضر فيه، وأنا اتمعن في قرصين شفتين طحلبيين، وقطرات تتدحرج على خدين وشفتين صامتين." ص18، إذن طبيعة المكان الذي تجري فيه الأحداث له أثره على شخصيات القصة، وتحديد المكان وطبيعته له وقعه على الأحداث، فالمكان العام غير الخاص، كما أن طبيعة المكان ـ خاصة أم عام، من هم رواده، ذكور أم اناث، عاديين أم نخب ـ لها دور في مجري الأحداث وبما يقوم به الشخوص من أفعال وأقوال.
من هنا يأخذنا القاص إلى علاقة خاصة جدا بين فنان ومرأة، يفتتح قصة "P.S" بهذا الشكل:
" سلمى يا سلمى
يا حبيبتي
لو تعلمين ما يقترفه غيابك، منذ رحلت إلى لندن الكئيبة، وأنا معتكر المزاج... كم اشتاك إليك مستلقية أمامي بكامل عريك تفصلنا قطعة الكانفاس وتزكم أنوفنا رائحة الألوان، كانت تستثيرك، أما زالت تعبق في ذاكرتك تلك الروائح؟" ص21 فهناك يأخذ القاص مساحة من الحرية أكبر من تلك التي كانت في قصة "في قطرة اشتياق" فرغم أن المكان كان يعطي حرية للراوي، إلا أن طبيعته العامة تجعل الفعل أو القول يبقى أسير ضمن نطاق محدد، لكن هناك امكان وحالات يتقدم فيها القاص أكثر، حيث يتحدث عن علاقة خاصة، علاقة الفنان بالمرأة، وهذا ما وجدناه عندما تحدث عن ذكرياته قائلا: "كم أضعنا من الوقت وأنت هنا، اشتقت لفخذيك سلمى، ...تحبين حديثي حين يستقي مفرداته من جسدك، كم تحبين جسدك وكم أحبك تحبينه هكذا، وكم أغرقتني في غمام فخذيك البضين لأخرج بمزاج رسم صباح اليوم التالي.. لواحتي الإيروتيكية التسع رسمتها بعد ليال غرقنا في حلكتها سوية في سرسري المتهدل بصوته النحاسي، وزقزقته تتناغم مع موائك وصوت ارتطام جسدينا" ص24، الحديث يدور هنا عن ليلة فنان وعشيقته وما فعلاه، ومثل هذه التفاصيل لم تكن لتكون لولا طبيعية المكان وخصوصيته، والطبيعة الفنان وعشيقته، فهو يتحدث عن لوحات "إيروتيكية" والتي تقدم الجسد الإنساني دون ستائر والتي تركز على المناطق الحساسة فيه.
إذن البيت أو الغرفة الخاصة تعطي القاص مساحة كبيرة ليقول ويفعل ما يريد، وهذا ما وجدناه في قصة " كأنها لم تبق، لم ترحل" والتي يتحدث عن علاقة المرأة المثقفة بالمثقف، يحدثنا عن هذه العلاقة: "اقترب من الغرفة ببطء حذر، فرآها حانية رأسها تنظر إليه مبتسمة، وكتاب مفتوح بين يديها، أغلقته وقالت:
ـ حلوة؟
خرج من الحمام إلى الغرفة مترديا ملابسه نفسها.
ـ شو حبيبي/ ما تحممت؟
..اقترب منها وضع الكتاب على رف المكتبة، وطقت بيديها رقبته.. رفع إحدى يديه ليحفر في عمق ستيانتها وينتشل بكفه ثديا، ... نزل بفمه إلى الثديين يبتلعهما كثعبان يمتص ويعض ما أزهر عليهما من حبتي التوت، وهي تموء وتفرك بشعره يديها، رفع بيديه إلى ردفيها وحملها إلى الطالولة،..
ـ ع التخت حبيبي
جذب فخذيها إليه لتنزل... وهي تخلع عنه قميصه وتهبط بيديها إلى أزرار جينزه" ص47و48، تقديم العلاقة الجسدية بهذا الشكل وبهذه الطريقة تتناسب ولغة المثقف، فهو لا يستخدم لغة رديئة، بل لغة تدفع القارئ ليتقدم أكثر من المشهد، وكأن القاص يتعمد إثارة القارئ بما يقدمه من مشاهد، 
في قصى "انغماس مبلل" يحدثنا القاص عن مشاعر بطله في المصعد، فرغم أن المكان خاص، إلا أن طبيته تحول دون إقامة علاقة حميمة مع المرأة، فهو يبقى مكان مؤقت، يدخله "عموم سكان العمارة، القاص يقدم الطريقة التي ينظر إليها للمرأة: "بدأت رحلة الصعود عبر انحناءات جذعها الجانبية وقد جاءت كانسياب متقعر لتحدب خصرها، بدت كمنحدر مقلوب، لم يكن صعوده يسيرا، لكني وصلت إلى صدرها، ومن الطريق الجانبي.. لم يكن أمام لكي أطمئن إلى صلابة مهديها، غير أن أجسهما بعيني لأجدهما حجري صوان، مكورين، يقدحان شررا عند حفهما بقوة، وقد يملأ أحدهما كف يدي" ص37 و38" فالحديث يدور عن امرأة في المصعد، ليس بينها وبين الراوي أية علاقة، لهذا هو يتحدث عما في نفسه، دون أن يجرؤ أو يقدر على أن يقدم على خطوة فعليه اتجاهها، لهذا نقول أن "سليم البيك" قدم لنا أثر المكان على الشخصيات بطريقة مذهلة، فالمكان هو من يحدد طبيعة الحدث، والطريقة التي يجب أن تجري فيها الأحداث.
الفلسطينية
غالبا ما يأتي الفلسطيني على ذكر المكان، فهو بالنسبة يعد أحدى المكونات الأساسية لشخصيته، ليكانه، لوجوده، "سليم البيك" كفلسطيني ذكر لنا فلسطيني في أكثر من موضع في المجموعة، رغم أنها تتناول أحداث ميل وحب وعشق وعلاقة جسدية مع المرأة، لكنه كفلسطيني يجد نفسه ـ في العقل الباطن والعقل الواعي ـ يندفع نحو المكان، يقول في قصة "P S "
"احتجت مرة لونا بين الفستقي والأصفر ولم أجده، فأفرغت مرهما في فنجان وخلطته بقطرتين من زيت الزيتون الفلسطيني لا الأسباني، ودهنت اللوحة به" ص22، يحمل هذا الاستخدام شيء من الرمز، وكأن لون اللوحة لا يأتي معبرا إلا من خلال الزيت الزيتون الفلسطيني، ولا أي زيت زيتون آخر.
ويقول في قصة " مارشملو": "فتحت الحقيبة وأخرجت ألبوما يحوي صورا للوحاتي المعروضة في مسرح اللآز في عكا" ص86، وفي قصة العنوان "كرز تشييزكيك":ولها أسرارها الخبئثة، وككل أسرارها لا تكشفها لغيري: أن الكرز مثلا، لا يقبل بغير ذاك الذي يأتيها من قرية الجش في الجليل" ص102، ويقول في قصة "أدرت راسي لأراها": "ـ القدس مدينة وعاصمة فلسطين" ص107، ويقول في قصة "ليس هكذا تنتهي القصص" : "وصلته من بيت لحم لهذه المناسبة" ص121، كل هذا يجعلنا نقول أن الفلسطيني مسكون بالمكان، فهو لا يستطيع أن يكتب ـ بصرف النظر عن مضمون الأحداث ـ دون أن يذكر أحدى العناصر الأساسية التي ينتمي إليها، إلا وهو المكان. 
والفلسطينية لم تقتصر على ذكر المكان فحسب، بل جاءت من خلال اللغة المحكية، فهناك العديد من الحوارات تشير إلى فلسطينية المتحاورين، نجد هذا الحوار في قصة "مجيء وذهاب كجرح التام" : "ـ قلت للقمر ينسحب شوي شوي ... بلكي بتعتم أكثر" ص69، ونجد الفلسطينية أيضا ضمن السرد القصصي، جاء في قصة "أدرت رأسي لأراها" : "أنهيت ندوتي عن حق العودة وأوضاع الفلسطينيين في المخيمات" ص105، كل هذا يجعلنا نقول أن الشخصية الفلسطينية كانت حاضرة في المجموعة، رغم انها تتحدث عن علاقات حب وغرام.
المجموعة من منشورات الأهلية للنشر والتوزيع، عمان الأردن، مؤسسة عبد المحسن القطان، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2011.

 

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 20 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

577,481