جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
أيوب التوراتي وفاوست جوته
محمود شاهين
كتاب يدخلنا إلى تفاصيل سفر أيوب التوراتي مفصلا ومحلل طبيعة العلاقة بين "يهوة" والشيطان من جهة، وبين "أيوب" الذي يثبت على إيمانه وينجح في جلده وصبره على ما حل به من أذى جسدي واقتصادي وفكري/عقائدي، ويستخلص الباحث من هذه السفر مجموعة افكار، منها متعلق "بسفر أيوب" كنص أدبي إنساني مجرد: "أن سفر أيوب هو ملحمة الإنسان في مأساته مع الإله في مفهومه التوراتي" ص108، وهذا ما يجعل القارئ يتقدم من سفر أيوب ليتعرف عليه عن قرب وما جاء به، ومنها متعلق بتحليل الأحداث والشخصيات في السفر: "...الإله التوراتي هو الذي كسب الرهان مع الشيطان، لكن القراءة المتفحصة للنص تكشف أن الإله هو الذي خسر الرهان، بأن قدم كإله متبجح متحد ودون أخلاق إلهية، بينما قدم أيوب كإنسان نبيل مظلوم تمرد عليه وتصدى لمفاهيمه
واتهمه بالظلم بل وشكك في قدرته وخيرانيته، أي أن الشيطان كسب الرهان وبامتياز" ص108، وهذا الخلاصة تدفع المتلقي ليقرأ بتمعن وتفكير، وأن يتحرر من قدسية العهد القديم، وتجعله يتقدم من أدب الهلال الخصيب الذي تحدث عن قصة أيوب السومري ويبحث عن العلاقة بين النص الهلالي والنص التوراتي والتغييرات التي حدثت عليه، كما أن فكرة الصراع بين الإنسان والإله/الآلهة تأخذنا إلى جلجامش وانكيدو اللذان خاضا صراعا جسديا وفكريا مع الآلهة، واستطاعا قتل "خمابا" حارس غابة الأرز وسحق ثورة السماء وقتله، والرد على طلب عشتار للاقتران بجلجامش بصورة مهينة، وما رحله جلجامش للبحث عن الخلود إلا تحدى للآلهة وتمرد على قراراتها بفناء البشر.
من هنا، اعتقد كان على الباحث أن يقدمنا من بدايات ظهور قصة "أيوب" في النصوص القديمة قبل أن تظهر في الكتب السماوية ويطلعنا على التغييرات والتعديلات والاضافات التي حصل على القصة ومن ثم يبدأ بحثه المقارن مع فاوست جوته.
ومبررات هذا الأمر تكمن في الفكرة التي طرحها الباحث حينما تحدث عن فاوست قائلا: "بينما فاوست هو ملحمة النفس الإنسانية في البحث عن مكانة لها في الوجود، وإن شئتم الوجودين، الوجود الدنيوي والوجود الأحروي، وأن شئتم ما هو أكثر شمولية، الوجود في المطلق الأزلي بدنيوية وآخرته" ص108، فكرة الوجود أول تناول لها جاء في ملحمة جلجامش، وهل هناك أعظم من فكرة البحث عن الخلود، والتمرد على الموت؟.
والجميل في هذا الكتاب أن الباحث يوضح علاقة الكاتب بالسارد، جوته ببطل مسرحيته "فاوست"، فيقول: "من الواضح هنا أن فاوست يحمل فكرة جوته نفسه، وأكاد أجزم أن جوته كان يتخيل نفسه في فاوست، كما كنت أتخيل نفسي في "الملك لقمان" وفيما بعد في "أديب في الجنة" حيث جعلت من الملك لقمان شخصيتي الفصامية" ص92، وهذا يأخذنا إلى جدلية الكاتب والسارد/الراوي، مع أيهما نتعامل كقراء؟، وأيهما يجب أن (نحلله/نفككه) عندما نقرأ العمل الأدبي؟، وما الصلة/العلاقة بينهما وما هو حدود الاختلاف/الفاصل؟.
في الختام نقول أننا بحاجة إلى مثل هذه الكتب، التي تفكك النصوص وتحللها، مبينة أن هناك افكار واستنتاجات أعمق بكثير مما يظهر على السطح، وعلى القاري مهما كان موضعه، أن لا يأخذ النص برؤية الآخرين، بل برؤيته هو، كيف يراه، وكيف يفهمه.
الكتاب من منشورات مكتبة كل شيء، جيفا، الطبعة الأولى 2017
المصدر: دار الرسيس للنشر والتوثيق